مصيبة الثورة السورية 1

د. خالد الرفاعي

مصيبة الثورة السورية -1-

وعمل لنصرة الثورة السورية -فقط للمخلصين-

د. خالد الرفاعي

قليلون هم من نظر إلى واقع الثورة السورية بعين النسر التي تكشف الآفاق وتستبق الأحداث فتتهيأ لها وتعد لها العدة بصدق نية ورؤية ثاقبة . وإن فقدان الثورة لقائد يتحلى بهذه الصفات هو سبب تأخر النصر ولا ريب     

فمنذ أن استعر وطيس الثورة كان هناك رجال قلائل ربما لا يتجاوزون عدد أصابع يد كان لهؤلاء رؤيتهم الثابته والواضحة من النظام ومن كيفية التعامل معه للتخلص منه وللأسف لم يلق هؤلاء من الثورة والثوار ولا من المعارضة آذانا صاغية . وقد كلفنا هذا برأي ثمنا باهظا جدا نحن لسنا إلا في رقراق منه ونبتهل إلى العناية الإلهية أن تهون علينا وتخفف صولته ونهايته 

كمراقب للوضع السوري سأذكر على سبيل المثال بعض المواقف لبعض أعلام المعارضة السورية من غير تسميتهم وكل ما يصدر مني إنما يصدر من باب التوضيح للحقيقة وليس من باب النقد  الجارح أو التحقير أو السخرية بل إن بعض الذين أتعرض لمواقفهم لا أشك في إخلاصهم وصدقهم ولكن الإخلاص والصدق لا يعنيان الإصابة والصحة دائما فكم من مخلص صادق دمر بسوء نظره حتى نفسه

إبتداء بمن عارض الثورة في بدايتها بحجة حرصه على أرواح شبابها لعلمه بشدة بطش النظام ثم سرعان ما تحول رأيه إلى مساندتها واعتذر عن موقفه بما أسلفت ولكنه كان يدعو إلى السلمية ويرفض كل عمل عسكري ويرفض التدخل الأجنبي ثم ما لبث أن صار يطالب بالتدخل ثم بالجهاد والقتال لدفع العادية والدفاع عن النفس ثم زهد في التدخل الخارجي وهاجم الغرب بعد أن كان يستدعيه بالرغم من أن موقف الغرب في ظاهره نظامي ولا يستحق عليه أي شجب إذا أنصفنا وقد لخصته كلينتون بقولها احترمنا رغبة المعارضة في عدم التدخل!؟

ثم إلى رجل يعتبر مثال التأرجح في الرأي المتابع للحدث فبعد أن كتب لا للسلاح ولا للتدخل داعيا إلى السلمية التي تضاهي سلمية المسيحية المفتراه ثم راح يكتب ملمحا إلى قبوله في التدخل ولكن يشترط فيه شروط والله لا يشترطها رئيس الولايات المتحدة نفسه فيما لو خول الناتو بالتدخل ! وإن هذا مما يطول منه عجبي ولا أرى له تفسيرا إلا النرجسية الفكرية البعيدة عن الواقعية فتراه يشترط على الغرب فيما لو تدخل الغرب شروطا تجعل من الغرب وكأنه خادما بين يدي أمنياته .وجهل هذا الفاضل الغر في السياسة أن الغرب حين يقرر عملا لا يفعله إلا على النحو الذي يضمن منه نجاح العمل الذي سيباشره  والغرب أكثر مهنية من أن يقوم بأعمال لا تنتهي بالنجاح والظفر وتحقيق الهدف . فهو في اشتراطه لا يزيد عن مريض متعصب يشترط على الطبيب شروطا شرعية بزعمه في عدم الكشف عن العورة مثلا والقيام بالعملية من تحت الغطاء أو وفقا لشروطه وهو الجاهل بالطب والجراحة كما الآخر جاهل في السياسة وشؤون الحرب !ثم ما لبث هذا الرجل أن رفض التدخل جملة واحدة بأول بارقة ظن أن من ورائها النصر وزور حقائق تاريخية حول كوسوفو والتدخل الغربي فيها فخلط حقا بباطل.ودونه أهل كوسفو جميعهم يكذبون ما استنتجه فليسألهم .فلم يكتفي أن يتقدم بنصحه للثورة حتى حكم على أمة أخرى أجمعت على موافقتها على التدخل بأنها كانت مخطئة وتراه يدندن حول تغليط الشعب الليبي أيضا  ثم عاد فحذر من السلاح الكيماوي وذكر الغرب بواجباته التي لم يقم بها .ثم حذر من دولتين ونصح أهالي المناطق المعرضة لمجازر محتملة بالمكث في دارهم والتجلد لعدوهم وكأنه يقول لهم وهم العزل اشددوا حيازيمكم للموت تجلدا بينا أنا أدعو لكم على فراشي ناعما وآمنا!!؟ .

أحد أعلام المعارضة وصف الثورة الليبية بالثورة الفاشلة وحذر من المثال الليبي فبرأيه كان يحسن بالليبيين في بنغازي أن ينتظروا حتفهم ولا يستعينوا بالناتو .ثم جعل من التدخل الأجنبي خطا أحمر وطالب بالوقت نفسه بحماية المدنيين . وجدتي في سوريا تعلم أن السماء كما لا تمطر ذهبا لا تمطر جندا وأنك مهما حاولت أن تنصح ذئبا يقطر فمه من دم ضحيته فإن النصح لا ينفع فيه ولا بد من القوة . فكيف يوفق بين الدعوتين حماية المدنيين من الذئاب المسعورة وجعل كل تدخل خارجي خطا أحمر!!؟ ثم وبعد اشتداد الوطيس وكثرة المجازر صاروا يطالبون بالمراقبين العرب وأيدوهم حتى ظهر فشلهم فطالبوا بالأجانب وكذلك كان الحال معهم فعنان وكذلك كان الحال فمجلس الأمن واشترطوا أن لا يتعداه القرار ثم الفصل السابع ثم أخيرا خارج مجلس الأمن وهكذا سياستهم كسياسة مريض الإزهايمر وصيانته لنفسه  والسعي لها 

إني أتساءل فيما لو لا سمح الله واستعمل النظام المجرم السلاح الكيماوي أو البكتيري ما يكون موقف هؤلاء الاهثون وراء الوقائع والأحداث . ألا يحاولون ولو مرة واحدة استباق الحدث والإعداد له بعمل جاد فاعل وليس بنصائح بنفسجية مجردة عن الواقعية والإنصاف .فأن تنصح رجلا أن يقوم بصدره لدبابة ولمجرم سفاح بيده بندقية هذا يعني أحد أمرين إما أنك لا تعرف ما البندقية ولا الدبابة أو أنك مجرد من كل إحساس وواقعية

إني لا أعرف للسياسي دورا أهم من إعداده للمستقبل سواء في التحذير من خطر أو الإعداد لنصر مرتقب أما أن يكون السياسي يسير من وراء الشعب ولا يطالب إلا بما وصل إليه الشعب مما أدت إليه الأحداث ودفعت الأزمة نحوه فهذا سواء كان يدعي نفسه سياسيا أم مفكرا حري عليه أن يعتزل ويستحي على نفسه .إن السياسة كلمة مولدة من فعل السائس والسائس هو من يقوم على الأنعام بما يصلحها فيرتاد لهم الماء والكلأ ويصلح من حالها ويجنبها مواطن الذئاب وهجومها ومن  هذا المعنى السياسي الذي يقوم على الناس بما يصلحهم ويؤمن لهم أمنهم وعافيتهم وسعادتهم كأب رحيم نشيط عاقل يقوم على أسرته فيكف وجهها ويسد عورتها ويهيء لمستقبلها.أما أن يكون السياسي والمفكر والمعارض في الثورة السورية يسير من وراء رعيته ومصابها ومن وراء الأحداث وليس استباقها واستقبالها بالإعداد والحذر والانتباه  فهذا والله هو الطامة الكبرى على أقل تقدير في الحكم 

يتبع في مقالة تالية ذكر من هم كانوا فعلا ساسة ولكن لم يكن الأمر إليهم ولا طلبوه  .