من مظاهر تفكك النظام

محمد عبد الرازق

هروب رؤوس المال، و انفضاضها عنه

محمد عبد الرازق

لم تَعُدْ طبقة رجال المال، و الأعمال في سورية بعيدة عن الحراك الشعبي الذي تشهده سورية، و قد تجلَّى ذلك في انخراطهم فيه منذ مدة ليست بالقصيرة.

 و الأمر يتفاوت من منطقة لأخرى. فمناطق ساخنة مثل ( حمص، و درعا، و إدلب، و حماة ) شهدت تناغمًا بين التجار و الثوار من وقت مبكر جدًّا، بخلاف مناطق أخرى كان الحراك فيها هادئًا مثل ( دمشق، و حلب ).

غير أن الأمور قد تبدلت قبل أشهر قليلة؛ و ما عادت هذه الشريحة مرتهنة للنظام كما كان يُحدِّث بذلك ضيوفَه. فلقد أثبت تجار ( العاصمتين ) أن الانتماء الوطني عندهم لا يقل عن الآخرين من إخوانهم؛ الذين يضحون بأغلى ما يملكون في معركة الحرية، و استعادة الحقوق من آل الأسد.

و قد تجلَّى ذلك في الاضرابات التي دعا إليها القائمون على هذا الحراك. و أوضح ما كان ذلك في ( إضراب العاصمتين ). حيث أشارت التقارير الواردة من (دمشق، و حلب ) أن نسبة المشاركة فيه تراوحت ما بين ( 70 إلى 90 ) بالمائة.

و بهذا فإنَّ أمر هذه الشريحة من السوريين عمومًا، بات خارج سيطرة النظام؛ فمن لم ينخرط مع الحراك الشعبي، بادر إلى نقل أرصدته، و أعماله خارجَ سورية.

 فقد ذكرت مصادر إعلامية سورية أن عشرات من رجال الأعمال في مدينة حلب نقلوا عائلاتهم، وأعمالهم إلى خارج البلاد؛ بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية والاحتجاجات المستمرة ضد النظام.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن موقع (الاقتصادي) الإخباري السوري: ( أن حالات تأمين العائلات، ونقل إدارة الأعمال للخارج، كانت تفاديًا من حالات الخطف والقتل التي باتت الهاجس المرعب لشريحة التجار، و أصحاب رؤوس المال، كما جرى مع عدد من الصناعيين والتجار في بعض مناطق حلب، و كان آخرهم رجل الأعمال عمار الويس ).

وأشار الموقع إلى كثير من الحوادث التي شهدتها منشآت صناعية، وتجارية في مدينة حلب، منها الحرائق التي نشبت في مصنع رجل الأعمال بسام العُلبي، والسطو على( 250 ) سيارة من شركة ( ملوك )، والحريق الذي نشب في معمل الفرقان للخيوط النسيجية، وسرقة (31) شاحنة محملة بالبضائع تعود لشركة ( جود).
      وحسب الموقع، فإن الوضع بالنسبة لرجال الأعمال في العاصمة دمشق ليس بعيدًا عمَّا هو في حلب، حيث نقل المئات من رجال الأعمال؛ الذين كانوا يعملون في دمشق أعمالهم إلى بعض البلدان المجاورة العربية والأجنبية.

وقال الموقع : (جرى إخراج مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج، كما أن الاقتصاد السوري خسر كثيرًا من الفرص الاستثمارية؛ مما كوَّن ضغطًا على الاقتصاد، وزاد في نسبة البطالة؛ التي ارتفعت إلى أكثر من (40 ) في المائة في بعض الأحيان، وفقا لتقارير رسمية وغير رسمية.(

واللافت للنظر في هذا الأمر أن مالك موقع (الاقتصادي) الإلكتروني رجل الأعمال الشاب السوري عبد السلام هيكل نفسه، قد نقل جزءًا من أعماله إلى لبنان، ووضع لنفسه، كغيره من أصحاب رؤوس المال السوريين موطئ قدم في بيروت.

هذا، و من المتوقع أن يعلن كثيرٌ من تجار دمشق إفلاسهم في الفترة المقبل، و هو الأمر الذي أقرَّ به بشار النوري أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق في تصريح له قبل أيام قليلة.

و لذلك لم يبقَ أمام النظام حتى يُبقي على شيء من تماسكه سوى اللجوء إلى طبع العملة على غرار ما كان منه حينما طبعها في دمشق أولاً، و روسيا مؤخرًا، و باللجوء إلى إصدار سندات مالية تباع في الأسواق العالمية، و هو أمر لم يشجعه عليه حلفاؤه، و لا سيما الصينيون الذين كان يراهن عليهم في شرائها؛ ممَّا جعله يصرف النظر عنه.

و أيضًا مدُّ اليد لحلفائه على غرار ما كان من حكومة المالكي؛ التي وهبت له ثمانية مليارات دولار من ميزانية وزارة الكهرباء. و حكومة طهران التي أمدته بشيء من ذلك أكثر من مرة، و كان آخرها مبلغ أربع مليارات دولار.

و هو الأمر الذي ينذر بكثير من سوء العواقب؛ لأن الدول ليست جمعية خيرية، فمن يعطيك اليوم دولارًا يريده منك في قابل الأيام أضعاف أضعاف، و هو ما سيشكل عقبة أمام السوريين في مرحلة ما بعد الأسد.