رسالة عاجلة للإسلاميين

حسام مقلد

حسام مقلد *

[email protected]

من حق كل مصري أن يشعر بالفخر والسعادة بعد إنجاز المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية بهذا القدر الكبير من النزاهة والشفافية والتحدي والإصرار، لقد كان عرسا حقيقيا للحرية والديمقراطية عاشته مصر لأول مرة منذ نحو ثمانين عاما، وكانت مناسبة عظيمة فعلا أظهرت جوهر الشعب المصري الأصيل ومخزونه الحضاري الهائل، لدرجة  دفعت الكاتب البريطاني الشهير "روبرت فيسك" للثناء على الانتخابات المصرية قائلا: "إنها تُشعر أوروبا بالخزي والعار"!!

ومع ذلك ورغم فرحتنا الغامرة وسعادتنا البالغة بهذا الإنجاز الكبير إلا أننا نشعر بالقلق البالغ، وأيدينا على قلوبنا خوفًا وتوجسًا مما قد يأتي به الغد!! وربما كانت هواجس الخوف والقلق والترقب التي تسكننا جزءا من الشخصية المصرية، أو بعضا من تركيبتها الجينية، أو طبعا أصيلا فيها أكسبتنا إياه خبرة السنين وتجارب الزمن، حتى بات المثل العامي القائل:"جات الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح" يطاردنا في كل لحظة، لكن مخاوفنا مبررة على أية حال، فها نحن نقرأ ونسمع ونرى الكثير من وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية تمارس لعبتها القديمة في الإثارة والتهييج وبذر بذور الشقاق والخلاف بين المصريين.

وأخشى ما يخشاه الكثيرون الآن أن ينزغ الشيطان بين الإسلاميين بعد الانتخابات في حال فوزهم بها؛ فنرى الصراعات المريرة تنشب بينهم، وأهواء النفوس، ومكائد الأعداء، والغلو والتشدد، وتمجيد الذات وعشق الرأي كلها جراثيم فتاكة كفيلة بنهش وحدتنا، وتمزيق صفوفنا، وسرقة الفرحة من قلوبنا، ولا بأس من التنافس بين الأحزاب الإسلامية المختلفة في تقديم وجهات نظر متعددة وتبني برامج متنوعة للإصلاح الشامل في مصر، لكن البأس كله في أن يصل الأمر ـ لا قدر الله ـ لدرجة التناحر والصراع بين النموذج القيمي الإسلامي الذي يتبناه الإخوان المسلمون ويستمدونه من خلال فهمهم الشامل للحضارة الإسلامية، والنموذج الإسلامي السلفي بحسب فهم التيارات السلفية للإسلام ونصوصه!!

وفرق كبير بين حرية الرأي وحرية الاختلاف في الرأي وبين رغبة كل واحد منا في السيطرة على الآخرين أو يتصادم معهم ويحاربهم ويتصدى لهم إن هم لم ينصاعوا له وينفذوا رغباته ويقتنعوا بآرائه ويستجيبوا له ويطيعوه في كل ما يريد!! وفن السياسة يقوم على تنوع الآراء، وتباين وجهات النظر، وسعة الصدر وقبول النقد مهما كان حادا ولاذعا، وقبل ذلك سعة الأفق وعدم ظن هذا الحزب أو ذاك أنه وحده يحتكر الحقيقة، أو يتوهم أنه ينزل عليه الوحي أو أنه معصوم دون بقية الأحزاب، وما أجمل أن يطبق الإسلاميون مبادئهم الشرعية التي يتخذونها مرجعية لهم، ويضربون لنا المثل والأسوة الحسنة والقدوة العملية الطيبة، وما أروع أن يفعِّلوا القواعد الإسلامية الراقية مثل: قول الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ:"رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" وقول الإمام مالك ـ رحمه الله ـ:" كل يؤخذ من كلامه ويرد، إلا المعصوم صاحب هذا القبر ـ وهو يشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ" وقول الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ: "نتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا مما اختلفنا فيه" (وبالمناسبة أرى أنه لا داعي ـ لنا معشر الإخوان ـ أن نفرط في المدح والتبجيل بقولنا: "الإمام الشهيد" حتى لا نستثير حفيظة الآخرين المشاركين لنا في العملية السياسية...)

وفي هذه المرحلة التاريخية الحاسمة بالغة الدقة والحساسية ينبغي ألا يدب الشقاق والنزاع بين الإسلاميين، بل ينبغي ألا يقصى أحد من المصريين أو يهمش دوره مهما كانت رؤيته السياسية ومرجعياته الفكرية أو الديينية، وينبغي أن يسود بين الجميع حسن الظن والتسامح وحسن القصد والنية، وعلى الجميع إخلاص العمل، وشحذ الهمة، وتعبئة الطاقات، واستفراغ الجهد، فمصر الآن في أمس الحاجة إلى جهود جميع أبنائها المخلصين من كل التوجهات ومن كافة الأحزاب؛ فمسيرة البناء طويلة جدا، وميراث الفساد الذي ورثناه عن العصر البائد طيلة العقود السابقة ميراث كثيف مضنٍ، وكل مجال من مجالات الحياة في مصر وكل شبر من أرضها بحاجة إلى عزيمة أبنائها الأشداء، وعقولهم المبدعة وجهودهم الجبارة، ونفوسهم الصافية الزكية، وقلوبهم الطاهرة النقية الخالية من الأحقاد والمطامع، التي لا تعرف الدسائس، ولا تسمح أبدا بتدبير المكائد وحياكة المؤامرات ضد مصر وأهلها الأوفياء البررة. 

علينا جميعا مهما كانت قناعاتنا ومهما اختلفت أحزابنا، ومهما تباعدت رؤانا أن نتحد ونتعاون معا من أجل مصر وإعادة بنائها، وينبغي أن نبدأ مسيرة الإصلاح والنهضة على أسس متينة ودعائم راسخة قوية دون فرقة أو تنازع، قال تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال:46] وقال عز وجل: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا" [النحل:92] وعلى الإسلاميين خصوصا أن يضربوا لنا القدوة الصالحة والمثل الأعلى في التضحية والإيثار، وتقديم مصلحة مصر على مصالحهم الخاصة؛ لأن مصر باقية بإذن الله وكل المصالح الشخصية زائلة ومؤقتة!

                

 * كاتب إسلامي مصري