مصارع الطغاة والمستبدين

محمود المنير

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

لا ينبغى أن يمر مشهد مصرع طاغية ليبيا معمر القذافي علينا مرور الكرام دون تأمل طويل للمشهد واستعادة لمصارع الطغاة والمستبدين على مر التاريخ ، فثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة ، فظاهرة مصارع الطغاة ونهايتهم تحتاج لدراسة معمقة ورصد وتحليل ، ولعل من هذه الأسئلة ، لماذا لا تنقضى حياة الطغاة دون إثارة في الخاتمة ؟ ولماذا مصارعهم دائما تكون مبهرة  وفاجعة وصاخبة ؟

لاشك أن وراء تلك المشاهد والمصارع عبرة وعظة ، فربما تحمل تلك المصارع مشهداً من جنس ما عمله هؤلاء الطغاة طيلة حياتهم المستبدة فيتجرعون من نفس الكأس التي تجرعتها شعوبهم المقهورة ، وربما تنطوي الخاتمة على آية تصور قهر الله عزوجل لأحد الطغاة بما كان يعتبره مصدر قوته واستطالته على شعبه ، وربما يأتيه الله من حيث أمن وقد يؤتى من مأمنه الحذر !!

وصفحات التاريخ حافلة بمئات المشاهد التي سجلتها ذاكرة الأمم عن مصارع الطغاة والظالمين والمستبدين ، وسبق القرآن الكريم في ذلك المؤرخين فحكي لنا بدقة مبهرة مصرع النمروذ وفرعون موسى الذي كان من المغرقين ، واخبرنا عن مصرعه فقال عز وجل :(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ َآيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) وأتحفنا بقصة مصرع طاغية المال قارون ، وعرض لنا مصارع الأقوام الظالمة والتي حادت عن منهج الله عزوجل فصور لنا مصرع قوم هود ، وهلاك قوم لوط  ، ومن قبلهم قوم نوح الذين أغرقهم الطوفان ، ولم يأت بذكر تلك المصارع إلا للعبرة والعظة ، ومع ذلك فلا الأمم اعتبرت بمن هلك قبلها ، ولا الطغاة اعتبروا بمن أخذهم الله قبلهم إلا من رحم الله ، والدليل على توالى المصارع السيئة وتتابع الحتوف المرعبة ، بسبب الاستبداد ما نشاهده من ملايين الدماء التي سفكت على مر العصور والتى كان وراء إهدارها مستبد أحمق صنعته الأطماع والأهواء وحب السيطرة ، فكل استخراب نزل بالأمم الآمنة ولحق بالدول المستقرة فدمر حضارتها ومقدراتها بحجة الاستعمار والنفوذ إنما وقع بقرار طاغية وظالم ومستبد !!

لذا، وإعمالا بسنن الله الكونية في مصارع الظالمين والطغاة من السياسيين ومن تسببوا في دمار الشعوب نجد أن كل من استبد وقهر شعبه إلا و كانت عاقبته هلاكاً وقتلاً وذبحاً ..وفى هذا بيان !!

فيكفيك أن تقرأ أخبار الطغاة ومصارع الظالمين ، فالأمين بن هارون الرشيد انتهى به الحال مخلوعا، والمعتمد بن عبّاد مسجونا، وابن بقية مقطّعا، وابن مقلة ممزَّقا، ومروان الحمار محترقا، والقاهر مسمولاً، وابن المعتز معفَّرا، والوليد بن يزيد مسحولا، والمتوكل منحورا، وابن الفرات مخنوقا، والسادات مقتولا، ويحـيى حميد الدِّين مغتالا، والأرياني منفيا، والحمدي مشدوخاً، والغشمي مرضوخاً، وابن بِلاَّ مفصولاً، وعيدي أمين مضاعاً، وشاه إيران مبعدا، وهتلر منتحرا، وضياء الحق ملغَّما، وكندي مغدوراً، والسادات مرميا بالرصاص في منصة السطوة والافتخار بالعتاد والسلاح وسط قواده وحرسه وصدام مشنوقا صبيحة العيد ، وزين العابدين بن على هارباً ، وحسنى مبارك مسجوناً ، و القذافي مقتولاً، ولن تتوقف عجلة التاريخ ولن تنقضى صفحاته دون أن تضم ضمن طياتها فصولاً مأساوية جديدة لهلاك من لم يتعظ ويعتبر من الطغاة ، فهذا على عبد الله صالح طاغية اليمن الذي حرق بالأمس القريب وكاد يُردي قتيلاً في انفجار بقصره أمهله الله ليتوب ، ولكنه عاد لينتقم من شعبه ويقتل ويذبح أبنائهم ونسائهم ، وهذا الآخر طاغية سوريا الذي يقتل شعبه باسم الإصلاح ،و يهتك أعراض حرائر سورية على يد الشبيحة وهو لا يدرى أن مصارع الطغاة تتشابه وإن طال الأمد ، فالله عزوجل لا يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)

•فى السياق : الاستبداد: أعظم بلاء، يتعجَّل الله به الانتقام من عباده الخاملين، ولا يرفعه عنهم حتَّى يتوبوا توبة الأنفة. نعم؛ الاستبداد أعظم بلاء؛ لأنَّه وباء دائم بالفتن وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسَّلب والغصْب، وسيْلٌ جارفٌ للعمران، وخوفٌ يقطع القلوب، وظلامٌ يعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر، وصائلٌ لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي ( عبد الرحمن الكواكبي / طبائع الاستبداد).