إشكالات الجمع بين العملين السياسي والإعلامي؟

د. حسين إبراهيم قطريب

إشكالات الجمع

بين العملين السياسي والإعلامي؟

د. حسين إبراهيم قطريب

يجمع الكثير من السياسيين والاعلاميين بين مهنتي العمل السياسي والاعلامي ، ودرج ذلك المنهج في صفوف المعارضة السورية بشكل واضح ، بالرغم من التناقض الكامل بين طبيعة العملين ، فهل يستطيع المحترف لأحدهما أن يوازن بين تناقضهما ؟ ، ويخرج سالما بسمعته ومصلحته ، أم ينجح في مجال منهما ويفشل في الآخر ؟ ، أو يفشل في الاثنين معا وهو يحسب أنه يحسن صنعا ؟.

السياسي غالبا مايكون من رجالات السلطة التنفيذية ، وأما الإعلامي فإن لم يكن مما يسمي بالسلطة الرابعة ، فهو أقرب ما يكون للسلطة القضائية ، لأنه يبحث عن الحقيقة ، ومهمته تبيانها للناس بكل أمانة وصدق وحيادية .

ومهما يكن فإنه لا يختلف منصفان على ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث أو الأربع، كي لا يطغى التنفيذي فيها على التشريعي والقضائي والإعلامي ، ويسخر الجميع في خدمة هواه ونفوذه ومصلحته ، كما هو الحال في الأنظمة الشمولية الدكتاتورية ، الدساتير على مقاسها ، والقضاء في نصرتها ، والإعلام عينها التي لا ترى غير ما يوافق مزاجها ، ولسانها الذي لا ينطق إلا بنشيدها .

وعودة إلى إمكانية الاحتراف في كل من العمل السياسي والإعلامي في آن واحد ، وهل ذلك ممكنا في ظل التناقض الواضح في أسس العمل بالمهنتين ؟ وخاصة لسياسيي الدرجة الأولى ، أو ما يوازيهم في صفوف الإعلاميين البارزين ، الذين لبسوا تاج السياسة المزركش ببريق مهنتهم الإعلامية ، وظنوا أنهم رافعتهم كلماتهم ، ليصبحوا في السياسة جنبا إلى جنب مع سياسيين امتطوا خيل الإعلام أيضا ، وهرولوا في ميدانه ناسين أنهم سياسيون ، ومانعتهم قيودهم ومصالحهم من الهرولة فيه.

لا أعتقد أن بإمكان السياسي البارز أن يجمع بين الأختين السياسة والإعلام ، ويكون بارا لكل منهما ، لأنه من الصعب عليه أن يكون مزدوج الشخصية ، بسبب اختلاف مقومات كل من الشخصيتين السياسية والإعلامية ، ويمكن توضيح ذلك الاختلاف بالآتي :

1- يشترط في العمل الإعلامي الحيادية ، فيما ينصب العمل السياسي كله على تحقيق المصلحة وفي ذلك قمة الانحياز .

2- تكمن براعة الإعلامي ونجاحه في صدقه وأمانته في نقل المعلومة ، بينما تظهر قدرة السياسي في المراوغة وحسن الخروج من المواقف الصعبة .

3- الإعلامي غير مسؤول عن مواقفه في حالة قول الحقيقة وله ما يحميه قانونا وعرفا، بينما يحصى على السياسي أنفاسه ومخارج حروفه وحتى تقاسيم الوجه المعبرة عن موقفه .

قد يستطيع السياسي أن يتخذ الاعلام وسيلة عند الحاجة للتوضيح المباشر أو للتصريح بموقف ، ولكنه أبدا لا يستطيع أن يكون إعلاميا محترفا أو ممتهنا ، لأن في ذلك آفة تأتي على مصالحه التي يناضل من أجلها الواحدة تلو الأخرى ، لأن خطأ السياسي من الصعب أن يغفر له ، وربما يسجل تاريخيا عليه وعلى تنظيمه أو فكره الآيديولوجي الذي ينتمي إليه .

إن ما دعاني لكتابة هذه الأفكار هما أمران ،أولهما: هو الظهور الواضح للإعلاميين السوريين المعارضين في واجهة العمل السياسي وخاصة في تشكيلة المجلس الوطني السوري ، وثانيهما: مقالة فضيلة الشيخ منير الغضبان ( رسالة إلى توكل ) وهو السياسي البارز الذي تناقض في مقالته تلك مع المصالح السياسية لتنظيمه الذي ينتمي إليه .

وأنهي فكرتي هذه التي هي مجرد رأي شخصي في هذا المقال بالقول: إن ما هو حلال لرجل الإعلام لا يحل لرجل السياسة ، والعكس هو صحيح أيضا ، فكيف يمكن أن يجتمع الحلال والحرام لشخص ما على مائدة واحدة ؟!