كلام طائفي

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

يدمي الجرح السّوري القلب من شدّة إجرام النّظام الطّائفي في دمشق، و تثير بشاعة جرائم هذه العصابة القشعريرة من فرط استباحتها لدماء وأرواح وكرامات وأموال وأعراض النّاس، ولشدّة ساديّتها وإمعانها في القتل والإجرام، وتجاهلها لكل النّصائح والتّحذيرات، وتبعاً لكل ما يجري في سوريا لم يعد غريباً رؤية أي أفعال شائنة من التي يتم تسريبها عبر تصاوير مختلسة لهواة مناصرين لثورة الحرّيّة، أو لمجرمين يستمتّعون –بساديّة مقيتة- بارتكاب وتوثيق جريمتهم وصرخات ومعاناة ضحاياهم.

بالتّوازي مع التّعاطف مع ضحايا النّظام السّوري، لا يملك كل من يتّصف بالانسانيّة إلا أن يصاب بحالة من الغضب من الموقف المخزي وغير الإنساني والمنافق من قبل كل من النّظام الإيراني وحلفائه اللبنانيين والعراقيين، فهؤلاء يشنّون هجوماً كبيراً على الشّعب السّوري وقادة ثورته، ويصفونهم بالعمالة للغرب الاستعماري وبالتّفريط بحقوق ودور وجغرافيا سوريا للإحتلال الاسرائيلي ولتركيا وللغرب، ويحتجّ هؤلاء بأنّهم يدعمون الثّورات التي لا يناصرها الغرب، ويقفون ضدّ الثّورات التي يتمّ دعمها أو تأييدها منه، بالرّغم من أنّ الواقع يقول أنّ من يحظى بدعم وتواطؤ الغرب هو النّظام السّوري الّذي يقتل شعبه بدون أي رادع.

ففي الحالة الليبية ناصروا الثّورة في البداية، بسبب قضية موسى الصّدر، ولكنّهم عادوا ودعموا القذّافي إعلاميّاً ولوجستياً، كما أعلن عن ضبط أسلحة إيرانيّة وطيّارين سوريّين ، كما كشف عبد الرحمن شلقم عن دور للنّظام الليبي في تشجيع عمليّة التّشيّع في الشارع المصري عبر ولد القذّافي سيف، وعن دعم القذّافي للنظام الإيراني بصواريخ سكود لقصف المدن العراقيّة خلال الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبعد سقوط القذّافي أصبح ثوّار "الناتو" مجاهدين فجأة، لأنّ هناك من يريد منهم معرفة مصير موسى الصّدر؟!.

ولكنّ الغريب أنّ هؤلاء يقعون في ازدواجيّة تفقدهم أي مصداقيّة بعد اليوم، فمن ركب دبّابات وطائرات الغرب والنّاتو وساعدهم على احتلال العراق وأفغانستان وسرقة خيرات العراق وتدميره، كانوا هم وحلفاؤهم، بالرّغم من أنّ العمل العسكري الغربي لم يكن بفعل قرارات دوليّة وعربيّة، ولم يكن تحالفاً محدوداً مدفوع الأجر، ولم يكن قصفاً جوّيّاً مسانداً لقوّات من أهل البلد ثاروا على حاكم مجرم، فما كان في العراق وأفغانستان احتلالاً بكل ما للكلمة من معنى، بل تمت الفتوى بحرمة مقاومة الاحتلال الأمريكي - كمت يفتى اليوم بأنّ دغم المجرمين في سوريا واجب ديني- وتمّت مقاتلة المقاومة العراقيّة وتصفيتها بشراسة من قبل حلفاء إيران  الّذين يدعمون الآن النّظام الإجرامي في دمشق، وبالرّغم من إشعال تفجير المرقد في سامرّاء لحرب إبادة ضد العرب السّنة في العراق، إلا أنّ قصف الأمريكان لمرقد الإمام علي لم يدفع أي مرجع شيعي للفتوى بالدّفاع عن المرقد الّذي يهاجمه " الصّليبيّون الغربيّون" بل أدانت مراجع الشّيعة من قاتلوا من قصف المرقد، أمّا الآن فقد فطن هؤلاء بأنّ العراق محتل، وأصبحوا يريدون خروج قوّات الغرب، بعد أن تمّ التّمكين لحلفاء إيران في العراق بأيدي أمريكيّة، وأصبح عملاء أمريكا يدعمون النّظام " المقاوم والممانع" في دمشق؟!.

فهل التّحالف مع الغرب حلال للشّيعة وحرام على السّنة؟ وهل بنازير بوتو – عميلة أمريكا- التي أثار اغتيالها إيران وحزب الله، شهيدة وبطلة لأنّها شيعيّة، أمّا من يذبح بسكّين طائفي مجرم في سوريا، ويستغيث لإنقاذه فهو عميل للغرب ويجب أن يموت بصمت من أجل عدم إزعاج البعض في إتمام مشروعه الطّائفي في المنطقة.

هذا الموقف الطّائفي من ثورة الشّعب السّوري يثير تساؤلات حول قضايا أخرى، فهل النّموذج الّذي يتمّ تقديمه من قبل الحلف الطّائفي يسمح بكل الأفعال التي يفعلها الاحتلال والاستعمار، بل قد يكون هناك أفعال لا يمكن أن يفعلها الاحتلال نفسه، فهل فعل الفرتسيون بالسّوريين ما فعله الأب والإبن بهما؟ وكيف بمن يقدّم نفسه كمحارب للإحتلال يقوم بأفعال تشابه ما يفعله الاحتلال؟ وكيف يستطيع المرء أن يفرّق بين جرائم  شارون ورابين وبين جرائم بشّار وماهر الأسد؟ وكيف يمكن لمعتقلين في سجون أبو غريب وجوانتنامو وسجون الاحتلال الاسرائيلي أن يفرّقوا بين ما يقوم به المجرمون في سجون سوريا مع ما تمّ بحقّهم في سجون الاحتلال؟ وكيف يمكن التّفريق بين حرص بعض قادة الاحتلال على منع علاج من يصابون برصاصهم حتّى يموتوا، وبين أفعال مماثلة لقوى الأمن  في سوريّا؟ وكيف يمكن التّفريق بين قصف المساجد في غزّة والفلّوجة وأفغانستان وبين قصفها في حماة ودير الزّور وحمص وإدلب ودمشق؟ وكيف يقبل النّظام "الاسلامي" في إيران و"حزب الله" أن يدعموا من يقصف المساجد ويدوس على المصاحف ويجبر النّاس على السّجود لصور بشّار الأسد، ويجبرهم على قول " لا إله إلا بشّار، لا إله إلا ماهر الأسد؟".

صرّح حليف لبناني للنّظام السّوري بأنّه لا بأس بمقتل مليون سوري ثمناً للقضاء على ما سمّاه " المؤامرة" هذا التّصريح أثار في نفسي قشعريرة وتساؤلات مشروعة، ففضلاً عن كشفه عن عقليّة طائفيّة إجراميّة مستعدّة لفعل أي شيء من أجل استمرار مشروعها الطّائفي، إلا أنّه أثار سؤالاً آخر أكثر أهمّية، وهو أنّ من يستسيغ قتل آلاف ومئات آلاف السّوريّين من أجل مشروع طائفي يلبس عباءة المقاومة والممانعة، فهل مثل هؤلاء سيترفّع عن قتل رجل واحد مثل رفيق الحريري، إن اعتقد أنّه يقف في وجه مشروعه؟.

جرائم النّظام السّوري ودعم حلفائه لها تثير مشاعر وتعمّق الشّقاق والخلاف والعداء بين السّنة والشّيعة، ففي حين يصرّ ثوّار سوريا على نبذ الطّائفيّة، يثير هؤلاء تلك المشاعر في كل أفعالهم وأقوالهم، ويمارسون الإسقاط النّفسي على الشّعب السّوري وثورته، وكلمة حق ونصيحة توجّه لهؤلاء، بأنّ من لا يريد تعميق تلك المشاعر أن يقوم بكف يد هؤلاء المجرمين عن دماء وأموال واعراض ومقدّسات السّوريين، وعلى هؤلاء أن يدركوا أنّ معركتهم في سوريا خاسرة وأنّهم سيدفعون أثماناً باهظة إذا استمرّوا في دعمهم لقتل الشّعب السّوري، ولن تنفع بعض التّصريحات المراوغة التي تتناقض مع الأفعال الإجراميّة على الأرض، وما داموا يقولون أنّهم أصحاب مشروع مقاوم غير طائفي فالمطلوب منهم وقف دعمهم الفعلي والكلامي للمجرمين وإعلان البراءة منهم، وإعلان وقوفهم بجانب الشّعب السّوري، ووقف ضغوطاتهم على المقاومة الفلسطينيّة التي ترفض محاولاتهم للزج بها في الحرب ضدّ ثورة الشّعب السّوري.

وفصل الخطاب يقول إنّ المحافظة على حزب الله كحركة مقاومة عربيّة وإسلاميّة يتطلّب إسقاط نظام الأسد المجرم، وإعادة تحالف حزب الله مع الشّعب السّوري الثّائر، فمن يحرّر الأرض المحتلّة هو من يرفض تحويل مهمّة الجيش من تحرير الجولان إلى قتل الشّعب، فمن يقتل شعبه لا ينتصر أبداً، بالإضافة إلى أنّه ليس الشّعب السّوري من تنازل عن لواء الاسكندرون لتركيا، بل نظام الأسد الّذي تعهّد أيضاً بعدم المطالبة به أو الحديث عنه إطلاقاً. ولبناء علاقة تحالفيّة متوازنة بين العرب وتركيا وإيران، علاقة لا شوائب طائفيّة أو عرقيّة أوقوميّة أواحتلاليّة فيها، فلن تقوم تلك العلاقة الفاعلة إلا بسقوط هذا النّظام  في دمشق، كما أنّ استعادة العراق لحضن الأمّة والتّخلّص من الطّفيليات الأمريكيّة- الطّائفيّة لن يكون إلا بإسقاط عصابة الإجرام الأسديّة.