معك الأوباش والأنذال، ومعنا الله والأمة

د. طارق أبو جابر

فمن الغالب؟!

د. طارق أبو جابر

في وقت يسفك فيه الدم السوري ويسيل.. ويهون ، وتداس فيه كرامة المواطن السوري بالبساطير العسكرية .. وتهون ، ويشرد الناس من منازلهم ، وتحرق أرزاقهم ، وتنهب ممتلكاتهم ، و يعتدى على أعراضهم .. وتهون ، وفي موقف يعز فيه النصير ، ويغيب فيه الوجدان والضمير عن  المنظمات العربية والدولية  ورعاة حقوق الإنسان .. ينبري علماء الأمة الأخيار الأبرار، ليقفوا الوقفة المعهودة ، ويقولوا الكلمة السديدة ، وينبري أبناء أمتنا الغيارى ، الذين لم يحسب لهم الباغي الحساب ، يطوقون عنق النظام الهالك ، وينصرون الحق ، ويشدون الأزر، ويواسون الجرح ، ويعلنون الوقوف إلى جانب الشعب السوري المقهور المقموع ، المحروم من أبسط الحقوق الإنسانية منذ أكثر من أربعين سنة ، ويفضحون النظام المجرم الباغي ، ويحذرون الحاكم المستبد ، الذي لا يرقب في مؤمن ، ولا مواطن ، ولا جار، ولا طفل ، ولا امرأة ، ولا شيخ ، ولا شجر ، ولا مدر.. إلا ولا عهدا ، ولا رحمة ، ولا ذمة .. ويرفعون الصوت بالتأييد والمناصرة ، والاستعداد للبذل والتضحية ، من أجل أن يستعيد هذا الشعب الكريم كرامته المهانة ، وحريته المسلوبة ، وهويته الضائعة في أوحال الطائفية وأوضارها ..

لقد صبر الشعب السوري طويلا وعلى مدى أكثر من أربعين عاما على حكم هذه العصابة الأسدية ؛ صبر على عشرات آلاف المغيبين في السجون ، صبر على مئات الألوف المهجرين ، صبر على حرمانه من الهوية والوثيقة والبطاقة العائلية ، صبر على حرمان الأم من ابنها ، والوالد من ولده ، والوالد و الولد من أهلهما و بلدهما ، عشرات السنين، وأبناء سورية الكرام هائمون على وجوههم في الأقطار والبلدان ، يعانون من صعوبة الإقامة حينا ، ومن عدم الحصول على جواز السفر حينا ، ومن تهمة أنه (مطرود) من بلده أحيانا ، دون أن يسأل أبناء قومنا أنفسهم : من الطارد ؟ ومن المطرود ؟ وما الذنب إن كان ثمة ذنب ؟ ألا يكفي المرء فخرا وشرفا ونبلا .. أن يكون مطاردا من هذا النظام الباغي الفاسد المفسد ، الذي خلف مأساة متواصلة في كل بيت ، وكل أسرة ، وكل حي ، وكل قرية ومدينة .. والذي حارب الدين والفضيلة والخلق والوطنية الحقة ، وسعى إلى مسخ صورة الإنسان ، ليحوله إلى آلة لا ترى ولا تسمع ، ولا تفكر ، ولا تنطق إلا بما يملي ويريد .. وفتح أبواب سوريا للأوغاد والأوباش والأنذال والعاهرين ، يعيثون فيها فسادا ، ويحاولون أن يدمروا الدين والخلق والفضيلة ..

كان الناس يسألون إبان ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن .. لماذا الشعب السوري لا يثور، وعنده أضعاف ما عند غيره من أسباب الثورة ومبرراتها ؟ وكنا نطلب من الناس أن يعذروا شعب سوريا ، لأن مصيبته بهذا النظام ، وما يمكن أن يلاقيه فوق ما يتصورون ، عذرنا شعبنا وأهلنا ، ولكن شعبنا الحر الكريم لم يعذر نفسه ، ولأن المعاناة والقهر والذل .. كان فوق الاحتمال ، فقد حزم أمره ، وتوكل على الله ،  وانطلق بثورته ، يطالب بحريته الإنسانية ، وكرامته الآدمية ، وراح يقدم الشهداء تلو الشهداء ، وهو في كل يوم أشد تصميما ، وأشد إصرارا على مواصلة نضاله السلمي ، بالصدور العارية ، وبلحم الأكف ، وعظام الرأس ، ومقلة العين الحالمة بالنور ، وهي تواجه المخرز اللئيم  دون أن يرف لها جفن ، واثقا من عدالة مطالبه ، وصوابية مواقفه ، وسداد رأيه ، ونصر ربه عز وجل ، وهو في كل يوم يكسب أنصارا أحرارا لقضيته ، أعوانا شرفاء في محنته ، أبرارا أوفياء في نصرته .. إخوة غيارى في شد عضده ، ممن لم يحسب لهم الباغي حسابا ، ولم يقم لهم وزنا ..

فيا شعوب أمتنا الغالية .. أنتم ذخرنا وعزوتنا بعد الله ! ويا أيها المتكبر المتجبر المتغطرس السادر في غيه .. معك الأوباش والأنذال والأوغاد ، ومعنا الله والأمة والأحرار والشرفاء ، فمن الغالب؟!