نظام فاشل لا يريد أن يتعلم من تجارب غيره
نظام فاشل لا يريد أن يتعلم من تجارب غيره!!
محمد فاروق الإمام
[email protected]
في مقال سابق لي تحت عنوان (مشكلة سورية في مصادرة حريتها وليس
في إقالة محافظ أو وزير) وأجدد منبهاً النظام السوري الذي يلعب خارج ساحة الميدان..
إن إقالة الوزارة وتشكيل وزارة جديدة تختلف أقنعة الوجوه فيها وتتوافق بالمضمون
والمحتوى، وقد سبق أن فعل نظام زين العابدين بن علي التونسي نفس اللعبة عندما كلف
الاقتصادي محمد الغنوشي بتشكيل حكومة جديدة مبقياً على معظم رموز حكم بن علي فيها،
وسار على نفس الخطى نظام حسني مبارك في مصر عندما كلف وزير الطيران أحمد شفيق
بتشكيل حكومة جديدة جاءت بنفس الشخوص الفاسدة لنظام مبارك، وثبت بلا مجال للشك أن
الحكومتين جاءتا لاستغفال الجماهير والاستهتار بعقولهم ظناً منها أنها بذلك ستمتص
نقمة هذه الجماهير وتوهن من عزيمتهم، ولم تنطل على الجماهير لعبة هذه الأنظمة
الفاشلة، فرفعت سقف مطالبها التي كانت تنادي بالإصلاح والتغيير، إلى المطالبة برحيل
الرئيس، وأمام تشبث هذه الأنظمة بالحكم بوسائل ملتوية، رفعت الجماهير سقف مطالبها
منادية بإسقاط النظام وقد تحقق لها ذلك، فسقط النظام الديكتاتوري في تونس بعد 23
يوماً من انطلاقة ثورة الشباب، وسقط النظام الديكتاتوري في مصر بعد 18 يوماً من
انطلاق ثورة الشباب.
اليوم يلعب النظام السوري نفس اللعبة، وكأن ما حدث في تونس وما
حدث في مصر كان في كوكب آخر غير كوكب الأرض، ويتعامل مع الانتفاضة الشعبية بعقلية
الثمانينات من القرن الماضي، وكأن الزمن توقف ولم يتحرك كما خطط النظام السوري
وأراد لسورية ولشعب سورية هذه المراوحة في المكان لأربعين سنة!!
النظام السوري بألاعيبه المكشوفة وحيله الساذجة التي لم تعد
تنطلي – في ظل ثورة الاتصالات والأنترنت- على أطفال سورية وهم يتقدمون صفوف
الانتفاضة، وجل الشهداء والجرحى والمعتقلين منهم، كما تنقل وسائل الإعلام العربية
والعالمية التي تمكنت من اختراق أسوار تعتيم النظام السوري، وقد باتت فبركاته
الممجوجة عبر وسائل إعلامه الخشبي الذي لا يستمع إليها أو يقرأها أو يشاهدها أو
يصدقها إلا أنصاف الرجال وغوغاء النظام ورعاعه، وقد فضح النظام واحداً من أبرز
أعضاء مجلس الشعب الشيخ (يوسف أبو رومية) الذي قال في مداخلة له بجلسة مجلس الشعب
يوم الأحد 27-3-2011 (إن حوران ليست المحافظة التي تقبل الغدر أو الخيانة على هذا
البلد العزيز، حوران معروفة بأصالتها وفي عروبتها وبوطنيتها، وتاريخ حوران ماضي
ومجيد بمواقفها المجيدة الوطنية).
وأشار أبو رومية في مقطع فيديو، تم تداوله عبر موقع يوتيوب ووصل
إلى الفضائيات العربية والأجنبية التي كررت تداوله على شاشاتها، إلى أن (رعونة
العميد عاطف نجيب المسؤول عن الأمن السياسي في درعا الذي استدعى قوات الأمن بطائرات
الهيلوكوبتر ونزلوا فوراً لإطلاق النار على المواطنين في درعا فأردى ما أرداه من
قتلى وجرح ما جرح)، مضيفاً بأن (نجيب كان قد منع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى إلى
المستشفى فأخذوا الجامع العمري مستشفى للجرحى، وكان الأطباء يستغيثون بالمآذن وأنا
أسمعها في إذني وكنت موجود في درعا).
وأخيراً وجه الشيخ يوسف أبو رومية كلامه إلى رئاسة المجلس
قائلاً: (أرجو من مقام الرئاسة أن تبلغ هذه الرسالة إلى السيد الدكتور بشار الأسد)،
وأشار رومية إلى أن (الحوارنة كانوا ينتظرون فعلاً قدوم الرئيس الأسد إلى درعا
لتعزية أهل القتلى، واعتبر لو كان الأمر هكذا لما حصل أي شيء في حوران رغم عدد
القتلى والجرحى).
وما جاء على لسان عضو مجلس الشعب الشيخ أبو رومية ينفي دعاوي
النظام في أن من افتعل الأحداث في درعا هم من المندسين أو العصابات، وأن فبركة وجود
أسلحة وأموال في الجامع العمري هي من تلفيق الفرع السياسي في درعا.
كان على بشار أن يستمع لصوت العقل الذي جاء على لسان الشيخ أبو
رومية ويذهب إلى درعا ويعزي بوفاة أبنائها ويأمر باعتقال مسببي الأحداث ويستمع إلى
طلبات المحتجين الذين كانوا يرفعون شعار (بدنا حرية.. شعب حوران موجوعان) ولهذا
الشعار مغازي ومعاني كبيرة وهي تخص الشعب السوري كله والكيان السوري كله من أقصاه
إلى أقصاه وليس فقط مطالب اجتماعية ومعيشية تخص درعا وحدها، كان على بشار أن يصيخ
السمع إليها بقلبه وعقله ويسارع إلى اتخاذ الإجراءات التي تحول دون تفجر شلالات
الدم كما حدث في تونس ومصر، وحتى لا يذهب بعيداً في أتون نفق ليبيا واليمن الدامي،
ويختصر الطريق ويحرق المسافات ويطوي الزمن، لأن اللعب على أوتار الزمن ليس في صالح
النظام ولا في صالح سورية والشعب السوري، كان على بشار أن يأمر بإلغاء قانون
الطوارئ وكل الأحكام التي ترتبت على إعلانه، وإطلاق سراح السجناء من أصحاب الرأي،
وإلغاء القوانين الاستثنائية، وفتح أبواب الوطن لعودة المهجرين والمنفيين، وحل مجلس
الشعب والجبهة الوطنية التقدمية، وتشكيل وزارة مؤقتة من خارج النظام تحظى برضا
الجماهير، تشرف على انتخاب هيئة تأسيسية تقوم بإعداد دستور عصري وقانون لتشكيل
الأحزاب، وتتفق على نظام حكم جديد، وطرح هذه القوانين على الجماهير السورية للتصويت
عليها، والالتزام بما تقرره هذه الجماهير، ومن ثم دعوة الجماهير لانتخابات برلمانية
بموجب قانون انتخابي جديد يلبي أماني الجماهير وتطلعاتهم ويكفل النزاهة والحيادية
والشفافية، وبمراقبة من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمنظمات العربية
والدولية ذات الاختصاص، بعد ذلك يتقدم الرئيس بشار الأسد باستقالته ليتثنى انتخاب
رئيس جديد للبلاد عبر صناديق الاقتراع دون إقصاء أو شروط تعجيزية، تكفل وصول الأنسب
والأحق في قيادة البلاد ولأربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولو فعل ذلك بشار
لدخل التاريخ من أوسع أبوابه ولكتب اسمه بماء الذهب، ولو فعل بشار ذلك لقام في
سورية نظام ديمقراطي يكون قدوة وحديثاً على ألسنة الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها، ولكنه لم يفعل وباعتقادي أنه لن يفعل والوقائع على الأرض تشير إلى ذلك وتؤكد
عليها!!
النظام الفاشل في دمشق لا يريد – كما قلنا - الاتعاظ بما قامت
به أنظمة الاستبداد والقمع في كل من تونس ومصر، وهو يسير على خطاها خطوة خطوة..
يوزع الاتهام جزافاً مرة على المندسين ومرة على عصابات مسلحة مجهولة ومرة على عملاء
للصهيونية ومرة على أصوليين إسلاميين يريدون جر البلاد إلى فتنة طائفية، ومرة إلى
مؤامرات أعداء سورية لدعمها المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ثم يجيّش طلبة المدارس
وعمال المؤسسات والمصانع وموظفي الدولة والاتحادات المهنية وشبيبة الثورة واتحادات
الفلاليح وأعضاء حزب البعث الشمولي في مسيرات ترفع صور الرئيس بشار، وحناجر الكل
تصدح مكرهين أو طواعية تصدح بشعار ممجوج (بالروح بالدم نفديك يا بشار).. (الله..
سورية.. بشار وبس).. وهذه المسرحيات المستهلكة لن تفيد النظام في شيء أو تمد في
عمره فالعاصفة هبت ولن توقفها عصا أمن غليظة مهما ألهبت ظهور الجماهير التي انفلتت
من عقالها فلا خوف بعد اليوم، فالنظام السوري ليس عصيّاً على الشباب السوري الذي
استلهم العزيمة والإصرار من أشقائه شباب تونس وأشقائه شباب مصر، ولن يكون أقل منهم
مصابرة ومجالدة وفداء وتضحية حتى تحقيق أهداف ثورته في إسقاط النظام ورحيل رموزه.