الجيش والشعب والحكومة والإخوان يد واحدة
علاء سعد حسن حميده
باحث مصري مقيم بالسعودية
في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا المعاصر ومن عمر ثورة يناير العظيمة تنطلق كثير من الشائعات، وتقذف الفزاعات في وجوه الثوار والمواطنين، حتى تعم حالة من الفوضى واللا وضوح وغياب الرؤية نحو المستقبل الذي تتطلع إليه الثورة المصرية من إعادة بناء مصر الحديثة على أسس سليمة.. إن بعض هذه الشائعات وكذلك الفزاعات لها ظواهر أو أحداث – ربما كان بعضها عرضيا – يؤيدها ويؤججها، ولذا فإن كل متخوف يطرح تخوفه من خلال مشاهدات يستطيع جمعها من هنا أو هناك..
وفي حال مثل هذه لابد لنا من أن نتوقف وقفة متأملة أمام الحقائق الدامغة الواضحة لنبني عليها ونتجنب كل ما هو عرضي أو طارئ لأن هذا الطارئ ليس قاعدة ولا يمكننا بناء رؤيتنا الواضحة عليه..
الحقيقة الأولى أن الجيش المصري شريك أساسي في الثورة وهذه حقيقة يجب أن نؤمن بها في غير مجاملة ولا مداهنة.. عندما قرر الرئيس المخلوع أن ينزل بالجيش المصري إلى الشارع كان يهدف أن يقوم بتدمير وسحق هذه الثورة، وهذه حقيقة بديهية، فالجيش لم ينزل الشارع المصري مساء الجمعة 28/يناير من تلقاء نفسه ولا لقيادة انقلاب عسكري ضد مبارك، وإنما نزل بأمر من مبارك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان الدور المطلوب منه في هذه الحالة هو حماية النظام والرئيس من الثوار بسحقهم أو تفريقهم أو تحجيمهم.
ولقد كان في استطاعة الجيش أن يحقق هذه المهمة للرئيس المخلوع كما استطاع من قبل السيطرة على الوضع أثناء انتفاضة الأمن المركزي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
الجيش المصري رفض تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ووقف على الحياد، ولم يطلق رصاصة واحدة ضد الثوار.
التزم الجيش بالحياد يوم موقعة الجمل ولم يَحُل دون البلطجية واقتحام ميدان التحرير والاعتداء على الثوار، وستظل هذه علامة استفهام، لكن يبقى للجيش مكانته كونه وإن لم ينحز إلى الثوار صراحة حتى ذلك اليوم فإنه لم يُستخدم لقمعهم ولا لإخافتهم.
بعد مرور ستة عشر يوما على انطلاق الثورة، لم يبدُ أي أمل في الحسم النهائي ولا إجبار مبارك على ترك السلطة، لأن الثورة كانت شعبية سلمية ولم يكن في يدها سوى سلاح النفس الطويل والعصيان المدني وكان الناس قد بدءوا يتضررون فعلا من طول المدة وظروف معيشية صعبة مع إطلاق البلطجية والمساجين لإرهابهم، لم يكن من حل سوى تدخل الجيش لقطف الثمار.وكنا كثوار في حاجة ماسة لتدخل الجيش وإعلانه شريكا رسميا في الثورة.
في اليوم السابع عشر للثورة الشعبية حدث تطورا كبيرا في موقف الجيش وعقد اجتماع دائم لقياداته وأصدر البيان الأول خاليا من اسم مبارك كقائد أعلى للقوات المسلحة – في إعلان ضمني عن قيام الجيش بما يشبه انقلاب ناعم على مبارك.
في يوم الجمعة 11فبراير أجبر مبارك على التنحي، ويترك القاهرة، ويتولى المجلس العسكري شؤون تصريف البلاد. ويؤكد الجيش على احترام الشرعية الدستورية ويتعهد بإجراء تعديلات دستورية وانتخابات تشريعية ونقل السلطة إلى رئيس منتخب، ويقوم بتنفيذ كل هذه التعهدات خطوة بخطوة.. ويقوم الجيش المصري حتى الآن بملاحقة الفساد والفاسدين وتقديمهم إلى الجهات القضائية. ولم يعلن المجلس العسكري عن اختيار رئيس مؤقت لمصر، ولو فعل لكان إجراءً عاديا، لكنه لو اختار رئيسا عسكريا لمصر ولو بصورة مؤقتة لكان أدعى لإثارة الشكوك والمخاوف.. لقد قام الجيش بدوره كاملا، وقد التزم بتعهداته في ضوء الزمن والظروف المتاحة .
كل هذا يجعلنا نطمئن تماما إلى دور الجيش وحمايته للثورة، ونتأكد من أن بعض التصرفات أو الأحداث التي بدت غير منسجمة وغير مبررة أنها مجرد أحداث عابرة، ولا يمكن أن تقدح في الدور الرئيسي والمؤثر للجيش..
الحقيقة الثانية أن حكومة الدكتور عصام شرف هي حكومة استمدت شرعيتها من الثورة ومن ميدان التحرير ورغم كونها حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال إلا أنها أيضا التزمت بتعهداتها، وأخرجت كل الوجوه المرفوضة من الشعب من الحكومة، ويجب الثقة أن هذه الحكومة هي حكومة الشعب والثورة وعدم الالتفات إلى ما قد يكون من سلبيات أو أخطاء للتشكيك في انتمائها وتمثيلها.
الحقيقة الثالثة أن الإخوان المسلمين باعتبارهم الفصيل الأكبر في المعارضة التقليدية المصرية وباعتبارهم الأكثر تنظيما والأقدر على الحشد والتجميع لم يستغلوا فرصة الفراغ السياسي الحادث عقب سقوط مبارك ونظامه في الانقضاض على السلطة بأي صورة من الصور، والتزموا بتعهدم الكامل والواضح منذ البداية بأنهم مع الشعب المصري وثورته لا يتقدمون عنه خطوة ولا يتأخرون.. وأخص جماعة الاخوان المسلمين بالذكر لأنهم هم الفزاعة الأكبر – بعد الثورة المضادة وفلول النظام وجيوب الحزب الوطني – التي يطلقها البعض في وجوهنا.. لقد التزم الاخوان بتعهداتهم حتى الآن، ثم أنهم تعهدوا كذلك بأن ينافسوا في الانتخابات البرلمانية القادمة على نسبة ( 35% ) فقط من المقاعد، وأنهم لن يرشحوا مرشح إخواني لرئاسة الجمهورية.. وبعيدا عن الالتزام الأدبي والأخلاقي بوعود الجماعة فإن الواقع يقول أن الجماعة خاضت كل الانتخابات البرلمانية السابقة بنسبة أقل من ( 50 % ) من عدد المقاعد، فهي إما كانت في تحالف مع حزب ( الوفد ) أو حزبي ( العمل والأحرار )، وإما نزلت مستقلة على عدد أقل من نصف مقاعد البرلمان، وهي على ذلك لا تملك القدرة التنافسية الفعلية على أكثر من ذلك. كما أن الجماعة لم تقدم في الآونة الأخيرة شخصية كاريزمية يمكن أن تصلح للترشح لمنصب في أهمية وحيوية رئيس الجمهورية.. أظن أن الجماعة بالقياس الحقيقي لما يجري في محيطها تستطيع أن تدعم مرشحا لرئاسة الجمهورية وليس أكثر من ذلك.
من كل ما تقدم يتضح لنا أن اللاعبين الثلاثة الكبار في الوضع المصري بعد ثورة يناير يدهم مع الشعب والثوار كيد واحدة، لا يريد أحد منهم أن يستأثر لنفسه بدور أكبر مما تمنحه إياه الثورة نفسها، والجيش المصري الذي يشرف الآن على العملية برمتها، إنما يقوم بهذا الدور بعدما فوضته الثورة، بل وتمنت عليه وطلبت منه قبل 11 فبراير أن يقوم به.. وحكومة شرف جاءت بناء على مطالب الثوار..
كل هذا يجعلنا نلتفت إلى أن الخوف الحقيقي على الثورة وحمايتها كذلك يجب أن يكون من فلول النظام البائد وبقايا الحزب الوطني، هؤلاء فقط هم الخطر الحقيقي على الثورة المصرية..
التزام المصريين بالتصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية هو البرهان الحقيقي الواضح على أن الشعب والثوار لم يُفلتوا أيديهم من يد الجيش والحكومة، وأنهم يخطون معهم الخطوة الأولى نحو بناء مصر الحديثة.. لأن استمرار حالة الفراغ السياسي لن يكون إلا في مصلحة أعداء الثورة الذين يحاولون الآن إعادة تنظيم أنفسهم.. أما في حالة التصويت بنعم للتعديلات الدستورية فسيمكننا بعد ذلك أن نخطو الخطوة التالية نحو الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية في مسيرة طويلة نحو الاستقرار والبناء..
يا شعبنا المصري الأصيل ويا ثوار شعب مصر الأحرار، ويا مفكري ومثقفي مصر جميعا أرجوكم ألا تطيلوا مرحلة الفراغ السياسي بأي حجة من الحجج، ليس هناك ما يخوفنا من شيء في المستقبل وليس هناك من خطر سوى من فلول النظام الذين يدركون أن الوقت في صالحهم..
ضعوا أيديكم في يد الجيش والحكومة ومعكم الإخوان وقولوا نعم للتعديلات الدستورية لتفويت الفرصة على أعداء الثورة.