لماذا 15 آذار
حسام خضرة
يسألني البعض لماذا؟، وأجيب ببساطة..هكذا، حتى تكون الحياة أفضل، ويعيش أخي الصغير بعدي حياةً كنت أتمنى أن أعيشها؛ حتى أرى أمي مبتسمةً كل يوم لأنني جالس بجانبها لا أستمع لصوت الوطن يعاني من الآهات.
ببساطة شديدة كي لا أرى سيدةً تلتقط ما وقع من الباعة في السوق لأن خلفها أطفال ينتظرون ما يطفئ لهيب جوعهم، وكي لا أرى شاباً ينظر إلى الجامعةِ بحسرةٍ ولا يستطيع الدخول إليها بسبب عدم توافر القدرات المادية لديه.
وبأبسط من ذلك كي لا أضطر لسماعِ أم أسير توجه دعائها إلى رب السماء على ساسة الوطن الذين تناسوا أن ابنها ضحى لأجل هذا الوطن، كي لا أرى أيضاً أناسٌ لا يفارقون نوافذ المؤسسات الخيرية التي تنتشر في كل ضواحي البلاد.
وبتعقيد أكثر، كي لا أرى عائلة هدم منزلها خلال الحرب غير قادرةٍ على توفير مأوىً يحتويها من حر الصيف وبرد الشتاء، وكي لا أرى أيضاً جنديٌ إسرائيليٌ ضل طريقه داخل مدينة فلسطينية وأعاده الفلسطينيون إلى مستوطنته سالماً.
وبلطف شديد، كي أستطيع تناول حبةِ بوظة دون أن يمسكني خمسة أطفال يقولون لي أطعمنا، وكي لا أرى الدائن ينتظر المدين على باب البنك يوم نزول الراتب ليستد أمواله، ولأني كنت صغيراً حين تمت الانتخابات الماضية لم يسمح لي بالانتخاب، لكني لان أحلم بوضع إصبعي في ذلك الحبر لأختار من يمثلني بشكل مشرف أمام العالم.
وبترف مريب، كي لا أرى نفسي لست قادراً على كي ملابسي بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وكي لا أرى يدي أمي قد اسودت بسبب استعمال بابور الكاز بسبب انقطاع الغاز.
وبشئ من الخفة، كي لا يطلب مني إثبات أن من تسير إلى جانبي في الشارع هي أختي التي أنجبتها أمي، وأيضاً كي لا أرى شخص يلاحق لمجرد أنه يربي لحية خفيفة ويصلي بالمسجد خمس مرات في اليوم.
وبذهول كبير، كي لا أرى والدي يعمل منذ 25 عاماً ولا يقدر على بناء منزل مستقل يحتوي أبناءه، وبالمقابل شخص يبلغ من العمر عدد سنوات خدمة والدي في عمله لديه سيارة ومنزل مستقل ولديه رصيد في البنك.
وبشدةٍ مذهلة، كي لا أشاهد سائقاً يلاحق لمجرد أنه ارتكب خطئاً بسيطاً ويضطر إلى دفع مخالفة مالية من المؤكد أنها من قوت أبناءه، وكي لا أرى أيضاً شابٌ حرمه ما نحن فيه من الزواج بالفتاة التي أحبها لمجرد أنه ينتمي لفصيلٍ غير الذي الفصيل الذي يحتوي عائلتها.
كي لا أرى أمي تحاول مسح دموع أخي الصغير لعدم قدرتها على جلب اللعبة التي يريدها، نظراً لأن ما في محفظتها لا يكفي إلا لشراء بعض الطعام للمنزل، وكي لا أرى الأخ يتعدى على أخيه عبر الفضائيات لمجرد أنه اختلف معه في قضية ما.
لا أعتقد أن هذا يكفي لبوح ما في نفسي، فلو جلست لأحصي لكم لماذا 15 آذار لن أنتهي إلا بالعام القادم، وربما يطول أكثر من ذلك ليصل إلى العام الذي يليه.
لا أريد أن أرى كل هذا العار، إنما أريد أن أرى أخي يجلس معي نتجاذب أطراف الحديث، فقد مر على آخر جلسة حب بيني وبينه 4 سنوات قطعت الود والوصال الذي كان بيننا في ذات المنزل.
أريد أن أرى وطني يبنى بسواعد الشباب الذين قدموا بأنفسهم شهداء وأسرى وجرحى؛ أريد أن أرى عماد هذا الوطن يلتفتون إلى عدوٍ واحد، وينظرون نحو مستقبل واعد، ويقبلون على بعضهم بالعناق لا بضرب الأعناق.
أريد أن أجلس أنا وجارنا عند جدتي لتروي لنا قصتها الحزينة، حين طردها الاحتلال من أرضها وقَتلَ جدي، الوطن هو من يوحدنا، وإذا لم يجمعنا حبنا له فلا أعتقد أن هناك شيئاُ آخر سوف يجمعنا.