سوريا ومصر

عبيد الله شدهان

تنحى حسني مبارك بعد أن اغتصب منصب الرئاسة في مصر لمدة ثلاثين سنة ، وسوف تغار كثير من الشعوب العربية ، ومنها الشعب السوري ، لذلك أردت أن أقدم مقارنة بين الحالتين السورية والمصرية ، بهدف الاطلاع والمناقشة ، والتبصر والاستفادة من التجربة المصرية .

1-   في كل منهما عاش الشعب العربي المصري والسوري تحت ظل قانون الطوارئ ثلاثين سنة في مصر وثمان وأربعين سنة في سوريا ، ولايعرفون غير المحاكم العسكرية والميدانية ....إلا أن وطأة الطوارئ في مصر أقل منها في سوريا بكثير ، فمنذ عشرين سنة أوتزيد نسمع عن اعتقال مجموعة من رجال الإخوان المسلمين في مصر ، ثم نسمع أنه تم الإفراج عنهم بعد أيام أو أسابيع أو شهور ....أما في سوريا فيعتقل كل من يشتبه به من الحركات الإسلامية ( إخوان أو غيرهم ) ثم ينطفأ خبره ويضاف إلى المفقودين ....

2-   في سوريا يعتقل المواطن في جنح الليل ، والناس نيام ، وينطفأ خبره كما قلت ، وفي مصر منذ أكثر من عشرين سنة يستدعى المطلوب إلى أقسام الأمن ، وقد يعتقل نهاراً من مكان عمله ، وفي كل الحالات يعرف أهله متى وأين أعتقل وأين سجن .... ثم يخرج من السجن ....

3-  للنظام المصري علاقات علنية مع الصهاينة ، وصلت إلى حد أنه أعطاهم الغاز بسعر أرخص مما يبيعه الشعب المصري ....كما وفر عليهم تكلفة نشر الجيش على الحدود مع مصر ، عندما تعهدج بحماية حدوده من ( حماس ) وغيرها ووفر على دولة الصهاينة مليارات التكلفة السنوية لحماية الحدود ......وللنظام السوري موقفان سري يقوم على التنسيق والتعاون ، وعلني تصدح فيه أبواق إعلام النظام السوري بالمقاومة والصمود والتصدي ....

4-  في مصر هامش من الحرية منذ عشرين سنة ، يشمل الصحافة المعارضة ، وأحزاب معارضة ( الوفد ، والناصري ، وغيرهم ، وجماعة الإخوان المسلمين التي تتصرف كأنها حزب غير مرخص له ) ، ومنذ عشرين سنة بدأ الشعب المصري يتململ ويعلن عن حركة ( كفاية ) وغيرها .... أما في سوريا فهامش الحرية قريب من الصفر ، وإذا استثنينا التيار الإسلامي الديموقراطي الذي استطاع المهندس غسان النجار ( فك الله أسره ) أن يقيمه وسط القهر والكبت ، وكذلك إعلان دمشق الذي سجن قادته عدة مرات ، ولذلك نقول هامش الحرية في سوريا لايعادل ثمن الهامش في مصر ...

5-  جماعة الإخوان في مصر تعيش داخل مصر ،وهي الحركة السياسية الأقوى ، وقد كسبت الشارع المصري في زلزال الثمانينات الذي وقع في القاهرة ، واستطاعت الجماعة يومئذ أن تقوم بأعمال الإغاثة أكثر مماقامت به الحكومة ، كما أن المنهج السلمي الذي سلكته الجماعة في مصر لعدة عقود جعلها تكسب احترام الشارع المصري ( حتى الأقباط ) ، وفي نهاية الثمانينات وجه الأمن المصري طلباً للمرشد العام للإخوان المسلمين يومذاك يطلب منه مراجعة المحكمة بتهمة الإعداد لقلب نظام الحكم ، ولما علم المحامون تقدموا لتسجيل أسمائهم لدى المحكمة للدفاع عن المرشد العالم للإخوان المسلمين ، ومن هؤلاء المحامين بضعة أقباط يدافعون عن مرشد الإخوان لقناعتهم أن الإخوان لايفكرون في قلب نظام الحكم ...وأن هذه حجج باطلة من الحكام ...وقد عبر الصهاينة عن مكانة الجماعة في مصر وخوفهم منها، عبروا عن ذلك بعد ثورة (25 يناير ) بقولهم [ إذا قامت في مصر حياة ديموقراطية وانتخابات نزيهة فلن ينجح غير الإخوان المسلمين ] ...

 أما جماعة الإخوان المسلمين في سوريا فقد استطاع حافظ الأسد أن يدفع الطليعة المقاتلة لحمل السلاح ، كي يضرب الحركة الإسلامية ككل ومنها الإخوان المسلمين ، كما استطاعت وسائل إعلامه أن تقنع كثيراً من الشعب السوري أن الإخوان حاولوا السيطرة على الحكم بقوة السلاح ....وأسهم تقصير إعلام الجماعة في رسوخ هذه المغالطة لدى كثير من الشعب السوري .... كما استطاع الأسد أن يقتل منها الآلاف ، ويسجن الآلاف ، ويشرد من تبقى من الجماعة لتعيش خارج سوريا كمعارضة خارجية ليس إلا .... بعيدة ومقطوعة الصلة بالداخل ... ومازال المرسوم (49) لعام (1980) يقضي بإعدام كل من فكر في الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين ....

6-   ومن الفوارق الهامة أن الشعب العربي في مصر يتكون من طائفتين فقط المسلمين والمسيحيين ، بينما يتكون الشعب السوري من عدة طوائف أكبرها المسلمون السنة ، ثم يأتي بعدهم العلويون الذين استند لهم النظام الأسدي وقام على أكتافهم ، وأكتاف طوائف أخرى كالدروز والإسماعيلية ، ثم رفسهم واضطهدهم جميعاً كغيرهم من أبناء الشعب السوري ، بعد أن سجل سوريا في ( الطابو) ملكاً شخصياً له ولأولاده من بعده ......

7-   وختاماً تدرب الشعب العربي المصري خلال عقدين على نسمات قليلة من الحرية ، فترعرع ونما وكبر ، حتى وصل يوم ( 25) يناير (2011) حيث فجر الثورة العربية الأولى ضد الاستبداد والطغيان ....بينما مازال الشعب السوري مخنوقاً يتسول من النظام المستبد  ( المطالب الإنسانية فقط ) ومنها الوثائق التي تثبت انتماء المواطن السوري المشرد لوطن على سطح الأرض ...ويعلن أنه لايريد تغيير أشخاص النظام ، بل يريد من أشخاص النظام تغيير السياسات ، ثم تصل  بعض فصائل المعارضة إلى مرحلة تتوهم أنها مع النظام في خندق واحد وهو خندق ( المقاومة ) ضد الصهيونية .... وهكذا ماعت المعارضة وضاعت القضية في سوريا بينما ترسخت المعارضة ونضجت في مصر .....