أماماً يا مصر
سماح سليم شمالي
ثلاثون عاماً يتجرع الشعب المصري الصابر عواقب الظلم الوخيمة من السيد محمد حسني مبارك ولا ردَّ سوى الصمت ربما لأنه كان من المحرمات و المحرم يجلب الغضب والغضب يجلب العذاب متبوعاً بالخلود في السجون دونما مغفرة وصولاً حتّى الموت ..
حديثاً .. تفهم شعب مصر أن لكل فعل ردة فعل مساوي له بالمقدار معاكس له بالاتجاه .
حديثاً .. اكتشفوا شيء عظيم يسمى " رد " .
حديثاً .. علموا أن الرد بمثابة الكرامة .
وسط معمعة القهر و انتشار الفساد الإداري والحكومي و عموم الواسطة و التنديد بالمسلمين والاضطهاد للإخوان المسلمين سراً في بعض الأحيان وعلناً في الغالب .. في ظل نهب أموال الدولة وتراكم الديون على حكومة مصر وكأنما تعيش في عهد الخديوي إسماعيل .. ومن بين سياسة تكتيم الأفواه وطمس العلماء و أمركة العقول و غلاء المعيشة من بين نشر الفساد الأخلاقي في وسط الشباب المصري و صهينة الاقتصاد و تعبيد الأحرار وسجن المجاهدين بتهمة الانتماء إلى الإسلام .. بين ذا وذاك .. بعث الله في قلب الشباب المصري ذرة غضبٍ للظلم .. فقامت الثورة ولم تقعد .. وأعلن الشعب غضبه على الطاغية .. فانقلب السحر على الساحر وصفَّت حاشية الرئيس إلى جانب الشعب المسحور كما خرَّ السحرة سجداً لله عندما رأوا عصا موسى وقد تحولت إلى ثعابين .. تماماً كما قال فرعون لأصلبنكم ولأقطع أيديكم وأرجلكم كان يريد السيد مبارك للشعب المصري إذا سكت عن الثورة .. تماماً كما نجَّا الله موسى ومن تبعه بفرق البحر نجَّا الشعب المصري بدك مزيد من الغضب في قلوبهم و أنعم عليهم بالثبات في ميدان التحرير رغم ما رأوا من أساليب لا تليق بإنسانيتهم .. وتماماً كما أغرق الله فرعون لعن الله مبارك فأعماه قلباً عن كل الحلول سوى الفرار والهروب ..!
ولكن لمَ طال اتخاذ قرار الهروب وترك الحكم لأهله .. يعتقد البعض أن مبارك كان يريد حلاً آخراً غير ذلك وقد يعتقد الآخرون أنه كان يريد إصلاحاً وتصحيحاً لما بدر منه طوال مدة حكمه .. أما أنا فاعتقد أنه ظلَّ ثلاثة أسابيع ريثما اتخذ قرار الفرار ليس تمسكاً بالكرسي فحسب .. كـــــلا ولكن مبارك كان في كامل الارتياح طوال فترة حكمه على ضمان أن من يتبعه في الحكم الابن جمال وهو بكلِّ تأكيد مبارك ثاني فلن ..
يعلن جمال أن الديون على مصر من بعد أبيه إجمالي 950 مليار جنيه .
لن يعلن أن متوسط الدخل يومياً هو أقل من دولار .
لن يعلن أن 35% من المصريين يقبعون تحت خط الفقر .
لن يعلن أن الأحوال الصحية كان في تدهور تام حيث أن نسبة الإصابة بالسرطان تضاعفت 8 مرات فكانت أعلى نسبة في العالم و أن البلهارسيا اختفت من كل العالم سوى مصر وأن 20% من حالات الذبحة الصدرية هي من فئة الشباب وأن 7 مليون مصري مصابين بمرض السكر كيف لا وقد أصبحت أعلى نسبة تلوث عند مصر فبلغت الخسائر حوالي 30 مليار جنيه سنوياً .
لن يعلن أن حالات الانتحار بلغت في السنة 3 آلاف محاولة .
لن يعلن أن عمالة الأطفال قد بلغت نصف مليون طفل .
لن يعلن أن الأمية بلغت نسبة 26% وأن 7% من الأطفال لا يدخلون المدارس بسبب الفقر هذا غير المتسربين من التعليم .
و لن يعلن جمال أخيراً أنه يتم إنفاق 6 مليار دولار سنوياً على تجارة المخدرات .
ناهيك عن المشاكل الأخلاقية كالرشوة والبلطجة والمحسوبية و توريث المهن و التسول و ما انتشر في الوسط المصري من دعارة وفساد طوال مدة الحكم .
فكان السيد محمد حسني مبارك يعد لتوريث الحكم و يبدو واضحاً من تزوير الانتخابات و قمع المعارضات والاعتقالات و التعذيب حتى الموت و إلغاء دور النقابات والجمعيات الأهلية وتوقيف مشاريع عدة أهمها مشروع القضاء على الأمية قبل عام 2000 و المشروع الياباني لزراعة الصحراء الغربية بالقمح فضلاً على مشروع جامعة د.أحمد زويل للتكنولوجيا .
فطال العمل على إخفاء الجرائم التي ذكرت والتي لم تذكر وتزوير المعاهدات الصهيونية الأمريكية مع مصر و بدلَّ من بعض الوثائق وربما أخفاها أو رحلها معه حتّى لا يعلم أحد بفساده ليس الفساد الإداري فحسب ولكن الفساد المالي و نهبه أموال الشعب المصري ودسها في خزينة أمواله الخاصة و إضافتها في رصيد حسابه .. لذا منذ اللحظة الأولى كان يدرك تماماً الرئيس أن لا خيار سوى الفرار ولكن تأخر مدة ثلاث أسابيع حتى يمحو في كل أسبوع خطايا عشر سنين حتى وصل الأسبوع الثالث وقد أخفى خطايا الثلاثين عام .. ومضى مبارك يقول لكل حاكم عربي : " أنا كنت عارف انه مليش خيار غير الفرار وبؤلكم اتركوا الكرسي بكرامتكم لانه الحبل على الجرار " .