تحية إلي شباب وشهداء وجرحي ومعتقلي الثورة المصرية

أ.د. ناصر أحمد سنه

تحية إلي شباب وشهداء وجرحي ومعتقلي

الثورة المصرية

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

E.mail:[email protected]

تحية إلي كل شباب وشابات الثورة المصرية الذين أعادوا وسيعيدون لهذه الأمة كرامتها وحريتها وتحررها وسيادتها.

تحية إلي كل من وطئت قدمه ميدان التحرير/ ميدان الشهداء، وكل ميادين وشوارع وحارات وأزقة مصر,, من الإسكندرية إلي أسوان، ومن السويس والإسماعيلية وبورسعيد إلي السلوم.

تحية إلي كل شباب الثورة المصرية الذين ظن كثيرون غيابهم عن ساحة الشأن العام، وأشاعوا انصرافهم لشأنهم الخاص. مضي وولي زمن القهر، والخوف والإذلال، والظلم، وخاب وخسر من راهن علي موت الشعوب. الشعوب لا تموت ومتحكميها هم إلي زوال.. مهما أدعو كما أدعي فرعون من قبل عن "موسي" ومن معه: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ" (الشعراء: 54-55).

تحية إلي كل من سقط شهيداً من الشباب والأطفال والرجال والنساء الذين خرجوا من أجل رفعة وكرامة وحرية وتحرر الشعب المصري الأبي العريق، فدفعوا من دمائهم الذكية الثمن المُستحق للحرية. مؤسف، ومحزن، ومؤلم، وممنوع، ومدان إطلاق الرصاص الحي علي تجمعات جماهيرية تطالب بحق الحياة/ العمل/ الحرية/ والحدّ من غلاء الأسعار.

تحية إلي كل من أخترق صدره ورأسه وعنقه وجسده الرصاص الحي والمطاطي المنهمر من آلة القمع الآثمة.

تحية إلي كل من جرح وأصيب إصابات قد تقعده بقيه عمره معاقا.

تحية إلي كل أعتقل وغُيّب في مراكز الاعتقال، وهو مرفوع الرأس يضحي من جهده ووقته وجسده من اجل الآخرين من أهله وشعبه.

تحية إلي كل من سُحل وركل علي الطرق والأرصفة، فارتفعت كرامته فوق ومكانته بين الأشهاد.

تحية إلي كل من لوح بيديه، رافعا صوته، من كل أطياف الشعب المصري، وحساسياته المتنوعة، تعبيراً مستحقاً عما يجول في نفسه، وما يريده ويستحقه هذا الشعب المصري من حياة كريمة، ومناخ سياسي واقتصادي واجتماعي أفضل.

تحية إلي كل من ذرف دمعة واحدة من تلكم السيول الهادرة من الدموع والاختناقات والهلع جراء القنابل التي قذفت بها آلة القمع البغيضة، المحتجون المسالمون، والذين ما فتئوا يرددون"سلمية، سلمية". لكنهم عادوا شهداء مرفوعين علي الأعناق، أو مختنقين أو مجروحين أو معتقلين.

تحية إلي هذا الشعب الأصيل الذي صبر وتحمل كثيرا، حتي بلغ السيل الزبي، فخرج معبراً عن غضبه، وشعوره بالظلم والقهر والعوز، وأعلنها مدوية:"الشعب يريد إسقاط النظام"، "تغيير، حرية، عدالة اجتماعية"، "يا حرية فينك فينك، الطوارئ بينا وبينك" الخ. لقد فقدت الحياة في نظر شباب ذوي مؤهلات عليا، متعطل متبطل، قيمتها فضلاً عن بهجتها، يصرخ الناس:"باطن الأرض خير من ظاهرها"، وزمن الاحتلال خير من زمن ما سمي "بالاستقلال"، في حين أنهم يستحقون حياة كريمة:

ليس من مات فاستراح بميت   =     إنما الميت ميت الأحياء.

إنهم يصرخون: لماذا يكون لأبنائهم المُلك، وقصوره، ومنتجعاته وطائراته ويخوته، ولأبنائنا  شركاء الوطن الصالحين المُصلحين  الفقر والحرق والمرض والشتات واللجوء والموت وقواربه؟؟. لقد باتت أغلي أمانينا أنْ تغرق بنا  مرة بعد مرة، ومرة  "قوارب الموت" بحثاُ عن "فرصة حياة/ عمل"، لدي أنظمة أوربا، التي تدعم الاستبداد والتخلف والفقر والجهل والمرض، وتكرسه في مستعمراتها القديمة / الجديدة / المتجددة. لقد فعلنا كل ما بوسعنا  تعلماً وتعليماً، قدرة ومُقدرة، كفاءة ومهارة يلقون حتفهم  يأساً في "قوارب الموت".

والعار كل العار علي هؤلاء القتلة لأناس عزل، فقدوا أثمن وأهم، بل كل ما لديهم.. حياتهم. بالأمس القريب قتل نحو مائتين وعشرين من الشهداء في تونس الحرة، واليوم في الثورة المصرية، ولما ينجلي الإحصاء بعد، عن ضعف هذا العدد أو يزيد. "لماذا يقتلوننا؟".

العار كل العار علي الذين يرهبون ويروعون الناس بكل الوسائل، ضربا وتعذيبا وسحلاً وقتلاً، وإذكاء للفتنة بين الناس، ولا نشاهدهم في قفص العدالة.. يغض الطرف علي ما يفعلون، ليس من أجل الحفاظ علي أمن الناس وهذه مهمتهم، بل من أجل حفظ أمن أفراد النظم الاستبدادية السلطوية القائمة. يقول الله تعالي:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (المائدة: 32).

العار كل العار علي الذين يدعون حرية التعبير والتواصل والانفتاح وهم قد عزلوا مصر عن العالم وجعلوا منها سجنا كبيرا.. قطعوا شبكة الانترنت والهاتف الجوال وحظروا التجوال والمواصلات الداخلية، فسار الناس علي إقدامهم للوصول لمنازلهم. لقد ظلت هذه التحية المُستحقة، وهذه السطور لا تري النور، حبيسة/ مقهورة لأيام.

يجب القصاص من هؤلاء الذين يكرسون "حياة" لا تُحق الحقوق لأصحابها، ولا ينعم الناس فيها بما وهبهم الله تعالي من حيوات ونِعم وثروات. إن الحياة والحرية والكرامة حق أصيل"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء: 70). نظم مستبدة تدعي تحمل مسئوليات جسام، وتراهم وأسرهم وأولادهم وذويهم يموهون ويتحايلون ويقاتلون من أجل البقاء.. حيث لا بقاء فقد سالت الدماء، وانعدمت "الثقة المتبادلة"، ومن قبلها غابت الشرعية والمشروعية والعقد الاجتماعي بين المتحكم وبين المقهورين.

يقول تعالي: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة:38-39). لا غرو أن نظماً قائمة كانت  ومازالت  أنظمة غنائم، لا مغارم، أنظمة مُلك عضود وتمّلك ومتعة واستمتاع لا عبئا ثقيلا ومهاما ثقالا يتخوف منها من يعرف قيمة المسئولية أمام الشعوب ثم أمام الله تعالي، من قبل ومن بعد. الذين يسرقون الناس ويعذبونهم، ويقتلونهم دون محاكمات مجرمون آثمون ينتهجون "شرعة الغاب" بحاجة لقصاص عادل. لكن الجرم أكبر، والقصاص آكد وأشد للذين يقتلون كل الشعب ويصفعونه، ويذلونه، ويهينونه، ويركلونه بالأحذية .. ليل نهار.

" صنع في أمريكا Made in U.S.A".. وسائل القمع والقهر من رصاص وقنابل وعتاد أمدت به أنظمة الغرب المنافقة الطامعة الناهبة الداعمة لنظم الطغيان، ليس من أجل ما يدعون من "استقرار"، بل من أجل استمرار"الاستبداد" الذي يحقق إغراضهم وأطماعهم، "...وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (227).

العار كل العار..علي أنظمة الغرب المنافقة العارية من كل أوراق التوت التي تداري عوراتهم المكشوفة. إنهم سبب أساس في كل هذه المشاكل والمشكلات. ليتهم يخرسون ويصمتون.. لسنا بحاجة إلي تصريحاتهم وشعاراتهم ومواقفهم التي تكيل بكل مكيال: "حقوق الإنسان، وحرية التعبير.. والمطالبة بعودة اتصالات الهواتف والإنترنت".

  جملة القول : لم تكتمل التحية والرضي لهؤلاء الذين ضحوا من أجل الوطن بالقصاص من كل من تورط في قتل وسرقة وتزوير وإهانة وإذلال وإفقار الشعوب. القائمة طويلة، وقائمة الجرائم التي تحتاج للقصاص أطول.. المطالبات كثيرة بقصاص عادل، وبمحاكمات قانونية لهؤلاء وأولئك، ففي هذا الحياة كل الحياة: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179).

شكرا للثورة التونسية، الذي فتحت الباب علي مصراعيه لمصر ولباقي الشعوب العربية، شكرا لشاعر تونس الكبير "أبو القاسم الشابي":

إذا الشعب يوماً أراد الحياة         فلا بد أن يستجيب القدر

ولا   بد  لليل   أن ينجلي         ولابد  للقيد  أن  ينكسر