كفاك ... كفاك يا مبارك
أ.د/
جابر قميحة· إنها كلمات تنبع من القلب والعقل ، لا أريد بها إلا وجه الله أولا ، ومصلحة الوطن ثانيا ، محاولا الإيجاز بقدر المستطاع :
· يا مبارك لقد وصف حواريوك وحملة المباخرعهدك بأنه أزهى عهود الحرية . وهذا صحيح إذا فسرنا الحرية بما يقول به الواقع المر : إنها حرية التعبير بالانتحار ، وحرق الأجساد ، لتحقيق الحد الأدنى من العيش . وهذا النوع من التعبير لم نشهده إلا في عهدك ... يا مبارك .
· وعهدك يا مبارك هو عهد التزييف والتزوير ، وقد قلت في إحدى خطبك يا مبارك " لقد تمت انتخابات مجلس الشعب بنزاهة وشفافية ، وإن شابها بعض التجاوزات ... " . والصحيح الصيحيح يامبارك أنها كلها تجاوزات ... تجاوزات بشعة ، وهي حقيقة يعرفها كل الشعب . وإليك شهادة السيدة منى مكرم عبيد " الانتحابات حدث بها خلل ، مما جعل الحزب الحاكم في مأزق قبل الأحزاب المعارضة ... وليس معقولا أن يحصل الإخوان خلال انتخابات 2005 على نحو ثلث المقاعد البرلمانية ( 88 مقعدا ) ثم تأتي انتخابات 2010 فيخرج منها الإخوان صفر اليدين ... من يصدق ذلك ؟ لا أحد بالطبع ، ولكن ما يحدث يؤكد عدم مصداقية النظام في ترسيخ الديمقراطية بإبعاده لرموز المعارضة وإسقاطهم في الانتخابات الأخيرة ، وهي رموز محترمة ، وتلقى إقبالا شعبيا وجماهيريا كان يجب دخولها البرلمان .... " العربي الناصري 9 / 1 / 2011 . وللأسف نجد رئيس مجلس الشعب يقول بالحرف الواحد : " مجلس الشعب بدأ جلساته بمعارضة قوية للحكومة " بدأ مجلس الشعب أولى جلساته بقوة وموضوعية ، وأظهر النواب من الحزب الوطني والمستقلين والمعارضة رجالا ونساء العين الحمراء للوزراء من خلال ما تقدموا به من بيانات عاجلة وأسئلة وطلبات إحاطة تشغل الرأي العام ، وتحدث النواب بانطلاق وشهية مفتوحة ، وعلا صوتهم في محاسبة الوزراء وانتقاد سياستهم وسلبياتهم . وتزعم الدكتور زكريا عزمي قيادة المعارضة بانتقاد وبشدة . وموضوعات سياسات بعض الوزراء . وأثبت المجلس من أولى جلساته عكس ما توقعه البعض ، ومارس النواب بكل حرية معارضة الحكومة في الكثير من سياساتها وقراراتها بهدف الوصول لحلول للمشكلات التي يعاني منها الشعب .الأهرام الجمعة 21 / 1 / 2011 . ونقول لسرور حلوة حكاية العين الحمراء !!!!! . ولكن كلامك هذا نعتبره جزءا من " الكوميديا السوداء " التي تحدثنا عنها .
· وكانت جنايتك الكبرى يا سيدي هي صرف نظرك عن الدول الأفريقية حيث يأتينا منها مياه النيل ، فقطعت صلتك بها بعد زيارتك اليتيمة لأثيوبيا ومحاولة اغتيالك ، بينما قمت بمئات من الزيارات المكثفة إلى الدول الأوربية وخصوصا فرنسا . مما فتح المجال لإسرائيل أن تقيم مشروعات في بعض هذه الدول نتيجتها معروفة .
· وصدقت نفسك وحوارييك ... يا مبارك بأن ما يسمى " الحزب الوطني " هو حزب الأغلبية بنسبة 79 % من الشعب . فأين هم؟ وأين فاعليتهم ؟ وأين تأثيرهم في الشارع المصري ؟ وأين ؟ وأين ؟ ..... إن فاعليتهم الوحيدة هي القدرة الخارقة على استباحة الأراضي ، والهبر والهبش ، واحتلال المراكز الوظيفية الكبرى .
· ومن أيام رأينا ابنيك الشقيقين علاء وجمال حسني مبارك على قمة المشاهدين لمباراة كرة القدم بين مصر وأوغندا . فكم من الأموال أهدرت لمواكبهما وحراستهما ؟ . كنت أتمنى أن يكون حضورهما بين الجماهير للتخفيف من لوعة النكبة التي حلت بمصر بنسف كنيسة القديسين .
· وفي عهدك يا سيدي مبارك نما النفاق ، وترعرع : رأينا صفوت الشريف يصفك بأنك أسطورة لم ولن تتكرر ، ورأينا رؤساء تحرير الصحف الحكومية المسماة كذبا بالقومية لا همّ لهم إلا التجميل والتبرير والتسبيح والتمجيد ، والهجوم الوحشي الضاري على كل من يعارضك أو ينتقد الوزراء والقادة . ومن قبيل النفاق والانحناء أن يصرح الشريف " إننا جميعا نعمل على تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس " ومن تصريحاته " إننا جميعا نعمل على تنفيذ تكليفات الرئيس " وهو يعني بـــ " جميعا " قيادات الحزب والوزراء . فأين الاجتهادات الشخصية وحرية اتخاذ القرار لتحمل المسئولية ؟ !! كأنهم يا صفوت مدرسون في مدرسة ابتدائية لا يتصرفون ولا يعملون في فصولهم إلا في نطاق أوامر حضرة الناظر وتكليفاته .
· وأخيرا رأينا أغرب مجلس نيابي في التاريخ كله : فكل أعضائه من الحزب الوطني ، ولا مكان لأحزاب المعارضة ، واهتدى رجالك يا مبارك إلى أن يشكلوا معارضة من أعضاء الحزب وُصِف بعضهم بأنهم مستقلون ، ونُصِّب " زكريا عزمي " زعيما للمعارضة . ولم أملك نفسي من الضحك " الذي هو ضحك كالبكا " حينما رأيته " يمثل دورا " من هذه المعارضة ... . وأحسست بصدق أنني أشهد كوميديا وهي تسمى في الفن الكوميديا السوداء"black comedy " . فإذا ما سألنا حوارييك أين المعارضة ؟ أتانا الجواب : إن المعارضة بالكيف لا بالكم . وهو حكم يسقطهم في التناقض البشع ؛ لإنهم وعلى رأسهم " عز الحديد " زعموا أن الحزب الوطني هو حزب الأغلبية الذي يمثل الشعب بنسبة 97 % . فأي المقولة نصدق يا مبارك : الكم أم الكيف .
· ومن قبل وجهت كلماتي إليك يا مبارك ، منها مقالات متعددة ، منها مقال عنوانه " نعم يا مبارك اتق الله". ومقال عنوانه " يا مبارك هل تنام ؟ " ومقال عنوانه " لا لأبناء الرؤساء " . ومقال عنوانه " يـا مبارك ...إليك ثلاثيتي " قلت لك فيه : " نعم يا مبارك ... ، إليك كلمات أوجهها من قلبي وضميري وشعوري ... ؛ لأذكرك بثلاثية ذهبية عاقلة قدمها للبشرية الإمام على بن أبي طالب في كليمات قليلة مباشرة ، وهي : ضعْ فخرك ، واحطـُط كِـبرك ، واذكر قبْرك . فهو يذكرنا بدليل الله الصامت ... الذي ينفذ ولا يتكلم ، وهو الحتمية التي لا ينكرها لا مؤمن ولا كافر... إنه الموت يا مبارك ،نعم أذكرك بهذه الحتمية الحاسمة في العرض القرآني المعجز : " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ..." النساء 78 .
· إنني أكتب كلماتي مساء الجمعة 21 / 1 / 2011 ويتمثل لي شخصيات دخلت التاريخ من أوسع أبوابه منهم : لولا العظيم رئيس البرازيل الذي اكتفى بحكمها حكما إصلاحيا لمدة عشر سنوات ، ورفض أن يجدد له . ومثله محاضير محمد الذي صنع ماليزيا وجعل منها دولة لها شأن كبير على مستوى العالم كله . وأذكر سوار الذهب الذي رفض حكم السودان ليتفرغ للعمل الدعويّ الإصلاحي . ولكنا نراك يا مبارك قضيت في الحكم أطول مدة قضاها حاكم في مصر . ومن بين 55 مادة في الدستور المصري تتضمن صلاحيات أو سلطات اختص رئيس الجمهورية بحوالي 35 صلاحية بما نسبته 63% من إجمالي السلطات والصلاحيات, بينما ترك للسلطة التشريعية بمجلسيها 14 صلاحية فقط بنسبة 25%, وإذا وضع هذا الأمر جنبا إلى جنب مع سيطرة رئيس الجمهورية واقعيا من خلال موقعيه الرئاسي والحزبي على السلطة التشريعية, فإن معنى ذلك هو سيطرة رئيس الجمهورية عمليا على 88% من إجمالي السلطات التي ينظمها الدستور .
· وأخيرا أقول لك : كفاية ... كفاية يا مبارك . ولا داعي لمد رئاسي جديد ، أو ترشيح نفسك في انتخاب معروف نتيجته مقدما ، وعمليا أقول لك سيقاطعه الشعب . فلتعلن يا سيدي ختام حياتك ــ مد الله في عمرك ــ بإعلان انسحابك ، وانسحاب الوريث من انتخابات شكلية لا داعي لها . نعم ... نعم كفاية ... كفاية يا مبارك .