متآمرون يبيعون القدس
كشف المستور ..
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
على خطي ويكيليكس كشفت أمس قناة الجزيرة اللثام عن وثائق سرية بلغت عددها1600وثيقة تشير كلها بجلاء واضح إلى أن المفاوض العربي الهمام ممثلا في السلطة الفلسطينية تنازل حتى النخاع ، تفاوض على مقدسات الأمة دون أن يفوضه أحد ، قدم التنازلات بما لا يملك وقدمها لمن لا يستحق ، تآمر على أسمى قضية في التاريخ قضية الأمة المحورية وقبض الثمن ذلة ومهانة وفتات على موائد الاحتلال ، رسم صورة له كاذبة في الإعلام طوال العقود الماضية أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بينما هو يتآمر على وجوده وأرضه ويبيع مقدساته ويتواطأ على المقاومة وينكل بالمجاهدين من أبناء المقاومة لأجل إرضاء أمريكا والاحتلال الصهيوني فمن جملة الفضائح التي كشفتها الوثائق التنازل عن المطالب بإزالة كل المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية باستثناء مستوطنة جبل أبوغنيم أو "هارحوما" بحسب التسمية الإسرائيلية، وأبدت استعدادها لتقديم تنازلات غير مسبوقة في الحرم الشريف وحييْ الأرمن والشيخ جراح.
وأظهرت محاضر جلسات المحادثات المتعلقة بما بات يعرف بـقضايا الوضع النهائي في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أن مفاوضي السلطة قبلوا بأن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس الشرقية باستثناء مستوطنة جبل أبوغنيم.
وبحسب محضر اجتماع بتاريخ 15 يونيو/ حزيران 2008 حضره مفاوضون أميركيون وإسرائيليون، قال رئيس طاقم المفاوضات في السلطة الفلسطينية أحمد قريع إن "هذا المقترح الأخير يمكن أن يساعد في عملية التبادل".
وأضاف "اقترحنا أن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس ما عدا جبل أبوغنيم (هارحوما)". ويتابع "هذه أول مرة في التاريخ نقدم فيها مقترحا كهذا وقد رفضنا أن نفعل ذلك في كامب ديفيد".
وقد مثل حديث قريع هذا خلاصة صريحة وواضحة لما عرضه -بالخرائط- الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسته في الرابع من مايو/أيار 2008، وهو الاجتماع نفسه الذي قال فيه قريع للإسرائيليين إن هناك مصلحة مشتركة في الإبقاء على بعض المستوطنات.
وقد نحا كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات نفس المنحى عندما قال في اجتماع بتاريخ 21 أكتوبر 2009 مع المبعوث الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط جورج ميتشل، وفقا لوثيقة سرية، "بالنسبة للمدينة القديمة فإنها تكون تحت السيادة الفلسطينية ما عدا الحي اليهودي وجزء من الحي الأرمني".
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يظهر فيها التراجع الفلسطيني عن التمسك بالحي الأرمني إذا ما قورن هذا الموقف بما تسرب من موقف للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد.
وحول الموقف من الحرم القدسي الشريف يتابع عريقات قائلا في الاجتماع نفسه "الحرم يمكن تركه للنقاش. هناك طرق خلاقة، كتكوين هيئة أو لجنة، الحصول على تعهدات مثلاً بعدم الحفر".
وقد نال حي الشيخ جراح في القدس هو الآخر نصيبه من مسلسل التراجع الفلسطيني كما تشير إليه الوثائق السرية.
فبشأنه يلمح قريع إلى إمكانية المساومة عندما يقول للجانب الإسرائيلي في أحد اللقاءات التفاوضية "في إطار تبادل الأراضي، بالنسبة لمنطقة في الشيخ جراح، لا بد أن أحصل على منطقة مكافئة".
وبحسب عريقات فإنه في مقابل العروض الفلسطينية، رفض الإسرائيليون مناقشة القدس التي تصر إسرائيل على أنها خارج دائرة التفاوض.
وتؤكد ذلك وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في لقاء في الـ15 من يونيو/ حزيران 2008 مع قريع ووزيرة الخارجية الأميركية إذ ذاك كوندوليزا رايس قائلة "أخبرنا الفلسطينيين أننا لن نعوضهم عن أي أرض هي جزء من إسرائيل"، قاصدة بذلك القدس الشرقية التي كانت تل أبيب قد أعلنت ضمها للسيادة الإسرائيلية.
وفي اجتماعات أخرى كانت ليفني تصر على أن القدس "هي العاصمة الموحدة وغير المقسمة لإسرائيل والشعب اليهودي منذ 3007 سنوات"، وهو ما كان يثير احتجاجا من قبل المفاوضين الفلسطينيين.
وخلال اجتماع عقده مع محامين من وحدة دعم المفاوضات في الخامس من مايو/ أيار 2009 يرفض عريقات أي علاقة للأردن بالمدينة المقدسة ويقول "لا أريد أن تكون للأردن أي علاقة بالقدس".
وفي اجتماع آخر له بتاريخ 15 يناير/ كانون الثاني 2010 مع ديفيد هيل، نائب ميتشل، شدد عريقات على أن "ما في تلك الورقة يمنحهم أكبر يوراشاليم في التاريخ اليهودي".
وبعد أن طالبه هيل بأن يكون "أكثر تحديدا" يقول عريقات "أنت تعرف الورقة- الورقة التي أعطيتها لدانيال، كتبها (الرئيس محمود عباس) أبو مازن بنفسه".
واقترحت رايس - وفقا لمحضر اجتماع بتاريخ 29 يوليو/ تموز 2008 مع قريع وعريقات- أن "تكون القدس مدينة مفتوحة. لا أريد للفلسطينيين أن ينتظروا إلى الأبد إجابة قد لا تأتي".
وأضافت رايس فيما بعد "1967 هو خط الأساس ولكن إذا انتظرنا إلى أن تقرروا بخصوص السيادة على الحرم أو جبل الهيكل... فإن أولاد أولادكم لن يتوصلوا إلى اتفاق. عندما يتعلق الأمر بالأماكن المقدسة، لا أحد سيجادل بشأن سيادة الآخر. اتركوها بدون حل".
وأشار عريقات في أحد الاجتماعات إلى أن التشديد على موضوع القدس هو قضية سياسية مرتبطة بالحرص على مستقبل وجود السلطة الفلسطينية.
والبقية تأتي - سيلا منهمرا- من الفضائح والتآمر على قضية الأمة علاوة على وثائق التنسيق الأمني التي ستكشف لاحقا وإن كانت ماثلة للعيان وحال الواقع لا يحتاج لأي وثائق ليدلل عليها ، لكن ثمة دلالات يجب أن نذكرها من مضمون هذه الوثائق التي عكف عليها مجموعة من المؤرخين والسياسيين والمحللين والمترجمين والمحققين ليتحققوا من صحتها ومطابقتها للأحداث لاسيما أنها تحمل أختام السلطة في فتح وتواقيع عباس وقريع وعريقات وغيرهم من جوقة المفاوضين الذي قدموا التنازلات تلو التنازلات من أجل الحفاظ على مصالحهم وكراسيهم وحساباتهم في البنوك .
- أكدت الوثائق أن من أطلقوا على أنفسهم الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هم وحدهم من باع قضية فلسطين وتآمروا عليها ومازالوا وبمباركة عربية وصلت في الكثير من التسويات إلى حد التآمر على قضية الأمة .
- المفاوضون في السلطة الفلسطينية ومن خلال الوثائق بدوا كرماء بما لايملكون وبلهاء وبعبارة أدق سماسرة وعملاء يتاجرون بآلام ومعاناة الشعب الفلسطيني وأقل ما يجب هو محاكمتهم كمجرمي حرب لا يقلون جرما عن المحتل الصهيوني فهم آلته وذراعه والمتحدث الرسمي باسمه.
- سقطت كل خيارات السلام الزائف الذليل والتسوية الفاضحة مع الصهاينة في استرداد مقدسات الأمة ، ولم يبق سوى الخيار الوحيد الذي يفهمه العدو هو المقاومة ( جهاد نصر أو استشهاد) .
- لا معنى لبقاء عباس المنتهى ولايته ولا السلطة التي يمثلها والتي فقدت شرعيتها بالأدلة القاطعة وتورط معظم قياداتها في ملفات فساد فاضحة مازالت تأتى تترا من دحلان إلى فياض إلى قريع إلى غيرهم من سماسرة الاحتلال .
- في الوثائق ما يثير الغثيان فيما يخص تحريض صائب عريقات وأحمد قريع على حماس، بما في ذلك مطالبة الأخير باحتلال معبر فيلادلفيا، وتشديد الحصار على قطاع غزة، لكن الأهم هو التحريض على عدد من الدول العربية مثل قطر، والحديث السلبي عن السعودية والتآمر الواضح الموثق في حرب غزة وهذا وحده كفيل بتقديهم للمحاكمة كمجرمي حرب وبتهمة الخيانة العظمى لشعبهم وقضية الأمة .
- ما تضمنته هذه الوثائق وستواصل الجزيرة كشفه يستوجب أن نلقى وبكل ارتياح خيار المفاوضات ومن يمثله إلى مزبلة التاريخ ولتعلو خيارات الشعوب بالمقاومة ولتسقط ضرورات الحكومات الداعية إلى التفاوض والاستسلام.