قراءة في وثيقة
د. محمد ياسر عمرو
السجان الصهيوني ... ظالم منذ قرن مضى
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني سنة 1923، يرفع 300 من المساجين العرب في فلسطين وفي مدينة القدس تحديداً مناشدة واستغاثة إلى مفتي القدس الحاج أمين الحسيني يشرحون فيها مظلمتهم من مدير السجن الجديد "بنكس" اليهودي الصهيوني، هذه المناشدة التي سطرها السجناء في رسالتهم التالية ترسم لنا معالم عدة أهمها:
1- كيف عملت بريطانيا على تهويد المؤسسات المدنية العربية وسلمت قيادة كثير منها لليهود.
2- تصف الوثيقة مدى المعاناة الهمجية التي يتعرض لها السجناء الفلسطينيين والعرب دون غيرهم داخل السجون أيام حكومة الانتداب العادلة، فالعنصرية والكيل بمكيالين لدى إدارة السجن جزء من سياستها اليومية.
3- تظهر الوثيقة احتقار العدو الصهيوني للمرأة العربية وامتهانها وليس في سجونهم الحالية فقط، فامتهان الحرائر سياسة استمرؤوها على مر الزمن.
4- تنقلك الرسالة لتقارن بين السجان الصهيوني سابقا واليوم لتكتشف خبث النفس وسوء السريرة.
5- يستطيع المتأمل أن يقرأ من الرسالة أن هؤلاء المساجين كانوا بسبب المقاومة للانجليز ولمخططاتهم لا سجناء جنائيين ،كما ويتضح ذلك من لغة الخطاب المثقفة وأسلوب الوعي لديهم.
6- البعد الديني واضح في لغة الخطاب مما يدل على حالة عامة لدى المقاومة الفلسطينية ولدى عامة الشعب الفلسطيني في تلك الحقبة، ولعل ذكره أن الصهاينة يجبرون النساء على رفع غطاء الوجه دليل على اللباس المحتشم لنسائنا.
الوثيقة مهمة جدا وغنية للدراسة والتحليل، أتركك أخي القارئ مع نص الرسالة العاطفية المؤثرة ونتذكر معاً أن سجناءنا اليوم ليسوا بمنأى عن هذه المعاناة ...
شكوى سجناء القدس من مدير السجن اليهودي بنكس
أيغدرنا الزمان وأنت فيه وتأكلنا الكلاب وأنت ليث
ويروى من حياضك كل صاد ونعطش في حماك وأنت غيث
سيدنا ومولانا فضيلة مفتي القدس الحاج أمين أفندي زيد مجده آمين والمجلس الإسلامي المعظم ورئيس اللجنة التنفيذية- المقصود اللجنة التنفيذية للمؤتمر الفلسطيني الذي يرأسه موسى كاظم الحسيني-، قال الله تعالى"وأشد عضدك بأخيك" – الصحيح : "سنشد عضدك بأخيك" - فكن أيها المفتي سندا وعونا، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر" فمنا الغني ومنا الفقير ومنا عزيز قوم وغيره، فكن مغيثنا وارحمنا من مدير السجن اليهودي الصهيوني "بنكس"حررنا هذه صارخين إليك ومنادين فأجر من استجارك بك، ولتعلم يا سيدنا أن الأيام رمتنا بصروفها على اختلاف صنوفها وقد أصبحنا ممن تنطبق عليهم الآية" إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا" كن مجيرنا واعلم أن الله سبحانه وتعالى يسأل العبد عن جاهه هل أجار من لا جاه له، وقد جعلك الله كهفاً للخائفين ومجيرا لمن لا جاه له،ساقتنا الأقدار ورمانا القضاء بالسجن وحكمنا بأحكام مختلفة وقضينا مدة ونحن صابرون على حكم الله وقدره، حتى أن الحكومة – يقصد حكومة الانتداب البريطاني- عينت لنا مديراً للسجن يهوديا صهيونياً، وبدأ يعذبنا العذاب الأليم الذي لم يسبق له نظير، ولا في زمن الحجاج، ولا يخاف الله تعالى ولا الحكومة بأعماله، حتى أصبح الكل منا يقول إن الحكومة أصبحت يهودية وأن تعيين هذا مخصوص لأجل أن يقضي على حياتنا وأطفالنا وعيالنا الذين ينتظرون خروجنا بالدقيقة، فماذا نصنع والبلاء نازل والقضاء حكم شامل، فإن لم نلذ بعصمة الصبر فقد اعترضنا على مالك الأمر، وما لنا غير أن نفعل ما يفعله الذاكرون ونقول إنا لله وإنا إليه راجعون، كتبنا والقلم يئن أنين الثكلى، ويتوجع شاكياً إليك، وباسطين أيدينا لديك، ومتضرعين لك بعد الله ومتوسلين بك. كم وكم لك من العوائد، فأنت أهل لذلك يابن الأماجد، نسألك بالذي تكون بين يديه غدا أذل منا الآن بين يدي مدير السجن "بنكس" أن لا تطردنا عن باب رجائك، وأن ترق لحالتنا وقد أصبحنا نناجي ربنا مما ألم بنا من عذاب "بنكس" وسوف تجتمع يوما تحت راية الحق عند الله ويشهد لك ضميرك ورجليك ويديك على ما سعيت من الخير وأحييت نفوسا من الموت بالتعذيب. ندعوك صارخين ومادّين أبصارنا لك شاخصين نرجو ما نتمناه من علو شأنك وسطوتك، إن ما نتمناه عمل اللازم لقيام – عزل- "بنكس" من الحبس، فتكون حافظت على دمائنا الذي سيصبح السجن ملئانا منها وأجساداً مطروحة على الأرض بلا أرواح مما سنعمله إذا بقي مديراً في السجن"بنكس"
سؤال: لماذا اللجنة التنفيذية ومحررين الجرائد ساكتين عن تعيينه مديراً للسجن وثلالثماية محبوس عربي، والمومى إليه – أي المشار إليه-لم يعرف حرفاً واحدا من اللغة العربية.
جواب: تعيينه مخصص لأجل أن يقضي على حياة الثلاثماية شخص من العرب وأطفالهم وعيالهم ألوف، يعطيه خدمة لليهود، حتى أصبح كل يهودي يدخل السجن لم يلبس ألبسة السجن، بل يصير باسم حماية أجنبية حيث أن الحماية الأجنبية ممتازة بالأكل والشرب والمنام. تعيينه إذا حضرت مسجونة من اليهود يوضعها في بيته قبل أن تدخل السجن. تعيينه حتى يستخدم المسجونات من المسلمات المخفرات بالسجن ببيته لأجل تنظيف ما يغوطه وعائلته، والله أعلم ما يعمله. أين الشرف أين حماة الدين.
تعيينه إذا حضرت إحدى النساء اليهوديات الذي لا يعلم حالتها إلا الله لأجل زيارة أحد المساجين يوضعها في مكتبه ويحضر لها السجين الذي ترغب زيارته ويحضر لهما الكراسي ويجلسون عليها.
تعيينه لأجل كسر شوكة العرب وفضح عورتهم حتى إذا حضرت مسلمة لأجل زيارة أخيها أو أبيها أو زوجها لا يسمح لها برؤيته حتى تكشف عن وجهها كما وأنه عمل ذلك مع حريم فخري عبد الهادي– لعل المقصود روحي عبد الهادي مساعد السكرتير العام لحكومة الانتداب البريطاني- ولم يمكنهم من زيارته إلا بعد أن أمرهم بالقعود على الأرض بين الابواب والعساكر وهن من أعظم العائلات المشهورة في فلسطين ياللاسف على آل عبد الهادي الكرام وياللعار على روحي بك.
تعييته حتى إذا حضر أي من كان من الرجال لزيارة أدنى يهودي حتى يوضعه في مكتبة خلاف اليوم المعين للزيارة ويقضي له طلبه.تعيينه حتى إذا حضروا الأعظم من رجال العرب لزيارة أي شخص كان يمنعهم ويطردهم بدون أن يعتذر لهم.
تعيينه لأجل أن يطرد العساكر المستخدمين بالسجن بدون ذنب ويستخلف غيرهم من اليهود كما وأنه عمل مع عسكري يدعى الحاج عابد وآخر يدعى إبراهيم عمر رشيد وأمرهم بتقديم استعفاء، وإلا بيومين سيطردون.
تعيينه حتى أن يجعل أبناء العرب الكرام عبيدا له والذي لم يقل عند السؤال نعم يا سيدي يحكم عليه بسبعة أيام، غذاؤه عيش وماء.
تعيينه لأجل أن قطع ربع معاش العسكري من العرب بحجة انه أخطأ ولم يخطىء، واليهودي لو عمل أعظم شي لم يواخذ.
تعيينه حتى أن يجعل رئيس الكندرجية يهودي، والتنكجية يهودي، والأغرب أنه عين عسكري حتى يضيء اللوكسات للسجن، وكل يوم يحضر قبل المغرب ويذهب في الوقت الذي صار سنوات والمضيء لهم مساجين
وهكذا أسباب تعيينه، فعليه نسألك بجدك رسول الله صلى الله عليه وسلم التبصر بهذه المسائل كلها، وتراجع سعادة مدير الأمن العام بذلك، مع إرسال صورة عن هذا التحرير لسعادته ولرئيس اللجنة والمجلس وسعادة الحاكم استورس وإلا سيصير شيء في السجن لم يكن في الحسبان فتصير العاقبة وخيمة.
يا سعادة مدير الأمن العام، الحكومة يهمها المحافظة على الأمن، فوجود (بنكس) مديرا للسجن مما يخل بالأمن فكلنا خاضعين للأوامر مسترحمين باسم العدالة والشفقة على بني الإنسانية تعيين مدير للسجن الفلسطيني عربي عوضا عن ( بنكس )
المعذبين السجناء وعساكر السجن
23/11/25
المرجع: الوثيقة محفوظة في أشيف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى – مؤسسة إحياء التراث الإسلامي- القدس، مجلة حوليات القدس العدد العاشر، سميح جودة.