اجتثاث المسيحيين من العراق

فؤاد وجاني

جريمة حكومة الاحتلال:

فؤاد وجاني

يحتفل إخواننا المسيحيون في العالم العربي بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، لكن مسيحيي العراق يعيشونه هذه السنة الكبيسة والحزن والألم يعصران قلوبهم و قلوبنا لما حدث لهم وللعراق تحت ظلام حكومة الاحتلال الدامس .

لقد كان العراق نموذج التعايش بين الطوائف والأديان المختلفة، فالأرض مهد الإنسان، والفخر تأريخ، والجار للجار، والماء رافدان، والنسيم شط العرب، والحضارة سريانية كلدانية آشورية علوية أموية عباسية تركمانية كردية، والشريعة حمو رابية، والقلب بغداد، والسقف تراث، والدار كنيسة ومسجد ومعبد ودير وحسينية.  كانوا ذات الزُّمَيْن يتقاسمون البسمة مع الطعام والشاي، ويفرحون لفرح العراق ويحزنون لقرحه، ويتزاوجون وبينهم يتراحمون، لافرق بين هذا وذاك، الكل عراقي في تربة العراق وماء الرافدين.  بالضمة لسان حالهم ينطق عينَ العُراق لأن عين العُراق بهكذا وحدة لاتكْسر.  وتجاوزوا الاختلافين في الانتساب والاعتقاد الى صميم الإنسان العاشق للأرض والناس.

ثم جاءت حكومة الاحتلال العراقية على ظهر الدبابات الغربية مدججة بشريعة الصهاينة  لتنزع الطمأنينة من القلوب، وتزرع الإرهاب في النفوس، وتنشر الجوعين المادي والفكري في العقول، وتفرق ماجمعته الأرض، وتشتت ما اجتمع عليه الناس.

وكان المسيحيون في كنيسة سيدة النجاة من بين ضحايا كيد حكومة الاحتلال السياسي وتدبيرها الإجرامي تحت قيادة المالكي للتخلص من المسيحيين وغرز مخالب الرعب في المجتمع العراقي.  فقد سمحت القوات للمسلحين الدخول إلى الكرادة على الرغم من أنها أحصن المناطق ببغداد.  

شهود عيان نجوا من المجزرة بكنيسة سيدة النجاة أكدوا أن قوات مايسمى بمكافحة الإرهاب لم تقم بالتفاوض مع محتجزي الأسرى داخل الكنيسة، بل استخفت بأرواحهم، وبقيت واقفة تتفرج حتى قرب انتهاء المجزرة، لتتدخل خبط النوق العشواء بعد ساعات طويلة وبعد نفاذ ذخيرة المختطفين وتقتل بعض أولئك الذين بقوا على قيد الحياة من المسيحيين دون التمييز بين المواطن المسالم والمختطِفين.  وذكر شاهد آخر أن بعض المسلحين الذين اقتحموا الكنيسة  استطاعوا الخروج مع من بقي على قيد الحياة كونهم يرتدون زيا عاديا كباقي المتواجدين داخل الكنيسة.  وطلع بوق الباطل قاسم عطا بعدها ليقول "إننا سيطرنا على الموقف وتم فك أسرالرهائن وقبضنا على سبعة من الإرهابيين" ، وهو لم يحضر قَط الى مكان الحادث.

لقد ذكر الشهود أن المالكي أعطى الأوامر لقواته باستخدام القوة والضرب بيد من حديد مما أدى إلى مقتل العديد من المسيحيين الأبرياء .  وبعد تعالي الأصوات المنددة بجريمة المالكي وللتخفيف من حدتها، أمر باعتقال العقيد المسؤول عن منطقة الكرادة، ثم ختم جريمته النكراء بزيارة تفقدية للكنيسة ليقدم القاتل العزاء للقتلى قائلا: "يجب ان لايخلو الشرق من المسيحيين ولا الغرب من المسلمين". ولم يتحدث أحد عن احتمال خلو المسيحيين من العراق سوى المالكي، وفي ذلك فضح لنواياه المبيتة ضد المسيحيين والأطياف الأخرى من الشعب العراقي، والنفي في دهاليز السياسة وأوكارها معلوم عند علماء النفس على أنه ثبوت وتوكيد.

لقد هُجِّر الكثير من المسيحيين الى الأردن وسوريا واليمن وليبيا ودول غربية منذ وصول حكومة الاحتلال المتآمرة وتعرضهم لحوادث خطف وتقتيل في بغداد والموصل وكركوك والبصرة، وقد كانوا يمثلون خيرة الشعب العراقي من مثقفين وأطباء ومهندسين وأخصائيي التصنيع العسكري وأساتذة جامعات وعلماء وباحثين في مختلف الميادين.  وقد تعرضت مليشيات حكومة الاحتلال لرموز المسيحية الممثلة برجال الدين فاختطفوا وقتلوا المطران الكلداني الكاثوليكي بولس فرج رحو في شهر آذار من العام الثامن بعد الألفية الثانية.

وقد كانت نسبة المسيحيين تزيد عن ثلاثة بالمائة من أهل العراق لتنخفض الى نسبة ضئيلة بسبب التهجير القسري تحت ضغوط العنف الطائفي الحكومي بعد سنة 2003.

إن ماحدث للمسيحيين بكنيسة النجاة تدبير سياسي من حكومة الإجرام العراقية بقيادة المالكي.  وليس في الأمر شذوذ عن طبيعة المالكي، وليس فيه انحراف عن سر قدومه وعملاء آخرين الى العراق.  فقد سبق لصحيفة لوس أنجلس تايمز أن كشفت عن وجود سجن سري ببغداد لتعذيب العراقيين، وقامت هيومن رايتس واتش-وهي إحدى المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها- في شهر أبريل من سنة 2010 بمقابلة المعتقلينالذين كانوا محتجزين في منشأة حكومة الاحتلال.  ووصف المحتجزون وصفا مفصلا ألوان التعذيب التي تعرضوا لها.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن المحتجزين عُلِّقوا معصوبي الأعين رأسا على عقب، وحُرموا من الهواء عبر أكياس بلاستيك قذرة وُضعت على رؤوسهم، وتعَرضوا للركل والجلد والضرب والاغتصاب واللواط والصعق بالصدمات الكهربائية.  

وقد قابلت هيومن رايتس ووتش  إثنين وأربعين رجلا من بين ثلاثمئة رجل نُقلوا من معتقل سري في مطار المثنى القديم في بغداد إلى أقفاص في مركز الاحتجاز بالرصافة في26 أبريل 2010.  وقد بدت عليهم آثار التعذيب المنهجي واضحة ومتسقة مع الأحاديث التي سردوها.  وقال كثيرون إنهم أُجبرواعلى التوقيع على اعترافات ومحاضر كاذبة تتهمهم فيها حكومة المالكي زورا بالمساعدة والتحريض على مايسمى بالإرهاب والانتماء إلى القاعدة وحزب البعث.

وقد تسربت وثائق تؤكد إشراف المالكي على فرق الموت والتعذيب ومليشيات عسكرية مسلحة قوامها حزب الدعوة وأموال إيرانية، مؤامرة غض عنها البنتاغون الطرف آمرا جنوده بعدم التدخل حيالها.

إن منطق الدم الذي جاء به المالكي على ظهر الدبابات الأمريكية والدهاء الإيراني والخبث الصهيوني هدفه تقطيع أوصال العراق، وفك ارتباطه بعروبته، وزرع الفتن والذعر بين أبنائه، ومحو سمة التعايش بين أفراده، وتغيير البنية المجتمعية العراقية، وخلق صدوع بينه وماضيه، ليُفكك إلى دويلات فلاتقوم له قائمة، ويرتبط مصيره بإملاءات الفرس والصهاينة، سلاحاه في ذلك مليشيات سرية مسلحة وقانون احتلال جائر.

لن ينجحوا رغم كيدهم في اجتثاث المسيحيين من العراق كما لايُنتزع النخل من أصوله.  وسيأتي يوم يُساق فيه عملاء الاحتلال ناكسين رؤوسهم وعلى رأسهم المالكي للمقاصل، وسيحاسبون أشد الحساب على مافعلوه بالشعب العراقي، فأرض العراق طاهرة لاتقبل النبات الخبيث الفاسد.