"شراء المواقف" تجارة رابحة في الأسواق السياسية

رأفت عسلية

"شراء المواقف"

تجارة رابحة في الأسواق السياسية

رأفت عسلية

اعتقدت شعوب العالم ولا سيما الشعب الفلسطيني اليتيم بان تركيا اصبحت حليف قوي للفلسطيينن , في ظل ما شاهدوه من مساندة تركية واضحة لاهالي قطاع غزة المحاصر , وما اثلج صدورهم من تصريحات اعلامية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحاشيته , الذين اعتادوا على مهاجمة اسرائيل باتهامها بالارهاب وغير ذلك , وترسخ هذا الاعتقاد في قلوب الفلسطينين بعد القرصنة الاسرائيلية على سفن اسطول الحرية التركي وقتل تسعة اتراك في عرض المياه الدوليه ,لتأتي النتيجة ادانة تركية ومطالبة بالتعويض والاعتراف , اوه من هذا الرد !فكيف يمكن لتركيا العظيمة ان تساوم على دماء ابنائها مقابل اموالا تضر ولاتنفع , فضرها يأتي حينما يعرف اهالي شهداء مرمره بأنهم يأكلون ويشربون من دماء ابنائهم الذين بيعت في سوق المواقف.

الموقف التركي بدأ يتأرجح تارة في كفة العرب واخرى في الكفة الاوروبية , ليأتي يوم التشجيع والدعم للقيادة التركية لاعادة العلاقات مع اسرائيل ,وذلك حينما نشب حريق الكرمل في اسرائيل وادى الى مقتل حوالي ثلاثة واربعين سجانا وظابطا  من جيش الاحتلال الاسرائيلي , وادت هذه الحرائق الى جذب تعاطف القلوب التركية , واقصد القيادة التركية ما دفعهم لارسال مساعدات وطائرات للمساهمة في هذا الحريق , وتركيا تعلم جيدا بأن النيران التهبت سجانين ظالمين منتهكين للحقوق كرامة الانسان بين ازقة السجون وغرف التحقيق.

لم تكتفي انقرة بهذا , بل رأت من هذا الحريق فرصة مناسبة لاعادة اللحمة مع الصديق والاخ اليهودي (اسرائيل) لهداية المياه الى مجاريها بعد ان تاهت في عمق المواقف التركية المنادية بفك الحصار ومعاقبة اسرائيل.

سيدي اردوغان ماذا حل بك؟ هل اسحروك ؟ ام انك عاهدت الزعماء العرب ان تكون مثلهم (صم – بكم – عُميٌ), وكيف تقبل ان تخذل الشعبين الفلسطيني والتركي والشعوب العربية والحرة, باعادة العلاقات مع اسرائيل واقفال باب التضامن مع الشعب الفلسطييني كما كان سابقا , واعني هنا , اعتقادي بان المواقف التركية ستظل تساند القضية الفلسطينية ولكن بشكل محدود, اقل مما كانت عليه قبل حريق الكرمل.

هذا الانحراف التركي نحو الحصول على الرضا الامريكي والاسرائيلي لم يكن جديد على الساحة السياسية  الفلسطيينة, فانا اجزم بان الكثير من دول العالم تؤمن بأن فلسطين  سوق جيد لبيع  بضاعة المواقف للضغط على الطرف هذا اوذاك, فوثائق ويكيليكس كشفت عن وجود تعهدات سورية لامريكا بأنها ستعمل على خنق الفصائل الفلسطينية في دمشق بحال تم الانسحاب الاسرائيلي من الجولان المحتل , والسئوال الذي يطرح نفسه لماذا تدعم سوريا المقاومة ومصر ترفض دعمها , والاجابة واضحة هو ان سوريا تجد من الفلسطينين عصاة لضرب الاهداف الاسرائيلية , وايضا تجد منهم رسالة الى المجتمع الدولي , بأننا قادرون على ترسيخ واحلال الهدوء , وقادرين على اشعال الحرب , لا سترداد الاراضي السورية المحتلة عام 1967م , اما مصر فلايوجد لها شبر محتل , فالاموال شعبها احق بها من الشعوب الاخرى.

الامر كذلك مع حزب الله اللبناني وايران وحتى تركيا , وكوريا الشمالية وعدة دول , وحتى العراق والاتحاد السوفيتي سابقا , والولايات المتحدة الامريكية التي تدقع للعالم الاموال وتضمن للزعماء كراسيهم مقابل محاربة من تصفهم بالمتشددين ,ولم نسمع يوما وجود دعم عربي او اسلامي او دولي للمقاومة بسبب العروبة او القومية او الاسلام , الا في حالات نادرة , كدعم زعماء التحرر القوميين للشعوب المحتلة , ودعم جماعات وحركات التحرر لهذه الشعوب.

 بهذا تكون الرسالة واضحة الى القيادة الفلسطينية , والفلسطينين , وكل من يعتبر نفسه مسئول عن الدم الفلسطيني , والقضية الفلسطيينة, ليكون يقظ ومتنبه لهذه الامور , والا يجعل من شعبه طعم للوحوش , والا يقبل بأن يكون سلعة بين ايادي العالم , تباع حسب رضا الاخرين, وايضا على القيادة الفلسطينية ان تلتف حول شعبها بانجاح الحوار الوطني وانهاء الانقسام المدمر , كسبيل وحيد لتقوية ودعم الموقف الفلسطيني اما الضغوطات الخارجية , والمصاعب المنتظرة في ظل هذه التحالفات الداعمة لاسرائيل , بالاضافة لاستمرار الغول الاستيطاني بنهش الاراضي الفلسطيني والسيطرة عليها بالقوة , وطرد اصحابعها , وسجنهم داخل جدار ظالم , فالانقسام حقيقة الحق العار بقضيتنا, وبشعبنا بعدما قدم هذا الشعب الكثير من الشهداء والجرحى والاسرى في ملحمة الدفاع عن الارض والعرض والحقوق , لتبقى الراية مرفوعة , والعزيمة قوية, لانهاء الاحتلال الجائر على ارضنا الفلسطينية المقدسة.