أهلاً بكم في سورية العروبة والإسلام

د. محمد بسام يوسف

(2 من 2)

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

لعلّ الصدمة التي شعر بها النظام الأسديّ الوراثيّ الحاكم في دمشق، بعد أن نشرت الصحيفةُ الدانماركية (يولاندز بوستن) الرسومَ المسيئةَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في أيلول 2005م.. كانت شديدة الوطأة، وبخاصةٍ على وزارة الخارجية، التي أفادت في بيانها الاستنكاريّ بأنها (تشعر بالصدمة من تلك الرسوم المسيئة للمشاعر الإسلامية).. وبما أنّ الصدمة المذكورة كانت شديدةً على الوزارة البعثية الأسدية.. فقد غابت (أي الوزارة) عن الوعي أكثر من ثلاثة أشهرٍ مرّت على نشر تلك الرسوم المسيئة، وفي أول لحظات خروجها من (غرفة الإنعاش)، قامت الوزارة المذكورة -مباشرةً وفوراً- بدبج تصريحها (العاجل)، لتستنكر ما يجري من إساءةٍ للإسلام والمسلمين!.. وهي بطبيعة الحال غير قادرةٍ –منذ أربعة عقود- إلا على (الاستنكار)، مع أنّ النظام الأسديّ المتسلّط الذي تنتمي إليه وزارة الخارجية (المصدومة).. قد أثبت مؤخراً، أنه أرقى من مستوى ممارسة (الاستنكار والتنديد)، فهو قادر أيضاً عبر حرسه الجمهوريّ وجنود مخابراته وأجهزته الأمنية.. على (الصمود) بوجه منظّمات المجتمع المدنيّ السورية، و(التصدّي) للمدارس الشرعية، و(ممانعة) الحجاب والنقاب والصلاة وتلاوة القرآن في المدارس والسجون.. مع الاستعداد الكامل لتلبية طلبات إشعال الحرائق في المنطقة العربية كلها.. باستثناء الكيان الصهيونيّ!..

*     *     *

لمن لا يعرف طبيعة النظام الأسديّ الوراثيّ الحاكم، نفيده بأنّ ذلك النظام يتعارض فكرياً وعقدياً بشكلٍ كليٍ مع الإسلام، والبعث أصلاً، ليس إلا إحدى إفرازات الفكر العلمانيّ الغربيّ، الذي يحارب جوهر الإسلام.. لكنّ باطنية النظام، تجعله دائماً في مقدّمة صفوف المنافحين عن الإسلام والمسلمين، مع أنّ حقيقته وجوهر استمراره، قائمان على إقصاء الإسلام عن كل نواحي الحياة السورية!..

نحن هنا لا نتحدث عن الفساد السلطويّ، الذي أفرز كل مساوئ الحياة في سورية، وحوّلها إلى دولةٍ متخلّفة، ووضع شعبها في درجةٍ أدنى –على مستوى حقوق الإنسان والكرامة الوطنية- من درجات الشعوب المستعمَرَة خارجياً.. لكننا نتحدّث عن بعض الواقعات، التي ارتكبها النظام والحزب الحاكم طوال تاريخهما، أقلها انتهاكاً، يُعتَبَر أشد وطأةً وإسفافاً مما يجري حالياً في الغرب أو الكيان الصهيونيّ اللعين، من إساءةٍ للإسلام والمسلمين!..

لقد حدّثني شقيقي قبل أن يختفي –إلى الأبد- في سجون النظام الدكتاتوريّ منذ سنين طويلة، وكنتُ فتىً في مقتبل العمر.. أنه في السنوات الأولى لتسلّط حزب البعث على سورية، قام انكشارية النظام بحملات اعتقالٍ واسعةٍ (لم تتوقف حتى الآن)، وكان شقيقي من بين الشباب الإسلاميين الذين اعتُقِلوا أثناء وجودهم في الجامع الأمويّ بدمشق، بعد أن داهمت الدباباتُ الجامعَ، وانتهك جنودُ الحرس القومي البعثيّ حُرمة المسجد، وراح مئات الشباب ضحايا القتل والجرح والاعتقال.. أما الذين اعتُقِلوا في الجامع، فقد نُقِلوا إلى (سجن المزة) سيّئ الصيت بدمشق، وهناك، كان الجنود البعثيون الطائفيّون يسوقون الشخصَ المعتقَل بشكلٍ منفردٍ إلى غرفةٍ مظلمة، ويسألونه عند بابها: مَن ربك؟.. فيجيبهم: ربي الله جلّ جلاله.. فيقولون له: لا.. أيها الوغد، هذا هو ربك.. ويُشيرون بسبّاباتهم إلى لوحةٍ ضوئيةٍ، مركونةٍ في إحدى زوايا الغرفة المظلمة، مكتوبٍ عليها: (حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ).. ثم ينقضّ الجلاّدون على السجين الضحيّة، ويُشبعونه ضرباً وتعذيباً، ولا يتركونه إلا بعد أن يتأكّدوا من تكسّر بعض عظام جسمه!.. وكلنا نعرف أنّ البعث قائم تماماً على ما يعنيه صدر بيت الشعر البعثيّ:

آمنتُ بالبعثِ رَباً لا شريكَ لهُ = وبالعروبةِ دِينـاً ما لهُ ثانــي

طبعاً، صدر البيت وليس عجزه، لأنّ عجزه في عهد الوريث صار: وبالفارسية دِينـاً ما لهُ ثانــي.

*     *     *

منذ انقضاض حزب البعث على السلطة في سورية، وبخاصةٍ بعد سيطرة الطائفيّين ثم الأسديّين على الحزب والحكم والدولة ومرافق الحياة.. شُنَّت حرب عدوانية شرسة على الإسلام، عبر التحدّي السافر لقِيَمِه وعقيدته، وكان أزلام النظام أو اللائذون بحماهم، يُصرّحون بمعاداتهم لديننا الحنيف كلما استطاعوا ذلك.. وقد سجّل تاريخُ سورية في ظل حكم البعث المستمرّ حتى الآن، حوادثَ عدوانيةً للدّين الإسلاميّ يندى لها الجبين، من مثل: إلغاء كلمة (مسلم) من البطاقة الشخصية، وإغلاق معظم المدارس الشرعية، والاعتداء على القرآن الكريم، وإعادة صياغة كتب التاريخ وكتب الدين بما يتوافق مع العقيدة العلمانية الطائفية، كتمجيد الحركات الهدّامة (مثل حركة القرامطة).. ومضايقة مُدَرِّسي التربية الدينية والتنكيل بهم والعمل على إقصائهم، وكذلك الحال بالنسبة لسائر المدرّسين الإسلاميين، والمدرِّسات المسلمات الملتزمات، بل الطالبات المحجّبات والطلاب الملتزمين إسلامياً.. وكذلك الطعن بالإسلام في الصحف والمجلات، كما ذكرنا في الحلقة السابقة، في مقالة: (أسطورة آدم)، ومقالة (إبراهيم خلاص).. وغيرهما.

أما السخرية من الإسلام التي (صدَمَت) وزارةَ الخارجية العتيدة.. فقد مارسها إعلام النظام منذ عشرات السنين، كما فعلت (مجلة الفجر)، بنشرها صورة حمارٍ على رأسه عمامة!..

مداهمة المساجد بالمدافع والدبابات، كانت نهجاً ثابتاً لسلوك النظام البعثيّ الطائفيّ، كما وقع لجامع (السلطان) في حماة عام 1965م، ولجامع خالد بن الوليد في حمص، وللجامع (الأمويّ) في دمشق.. ولكل مساجد دمشق تقريباً بتاريخ 2/6/1980م، التي دوهمت من قبل أفراد المخابرات العسكرية في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، كما شرحنا في الحلقة السابقة. أما خلال مجزرة (حماة) وحدها (في شباط 1982م)، فقد قامت قوى النظام الأسديّ بتدمير ثمانيةٍ وثمانين (88) مسجداً في المدينة!..

وقد سبق ذلك في عام 1973م، الإعلانُ عن الدستور الأسديّ للدولة، الذي فرضه النظام، بعد إغفال دين الدولة ودين رئيس الدولة (الإسلام).. وكذلك إصدار القرارات التي تمنع التعامل مع الكتب والمجلات الإسلامية، وتمنع تداولها تحت طائلة العقوبة، وذلك في المدارس الرسمية وغير الرسمية!..

*     *     *

من جرائم النظام الفظيعة ضد الإسلام والمسلمين، ذلك الاعتداء الذي جرى في شوارع دمشق، على النساء المسلمات المحجّبات، وعلى حجابهنّ، من قبل سرايا الدفاع الطائفية والمظليات البعثيات الطائفيات، اللواتي انتشرن في شوارع دمشق بتاريخ (29/9/1981م)، وشرعن بالتعرض للنساء المحجّبات تحت تهديد السلاح، وبنـزع حجابهن من على رؤوسهن بالقوّة، مع شتمهن بالكلمات البذيئة. وقد سقط نتيجة هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية عدد من النساء والفتيات المسلمات.. قتيلاتٍ وجريحات، دفاعاً عن الحجاب والعِرض!.. ثم أصدرت السلطات بلاغاتٍ وُجِّهَت إلى المدارس والمعاهد والجامعات، تدعو فيها إلى طرد الطالبات المحجّبات ومحاربة الحجاب، وقد أدى هذا السلوك الإجراميّ إلى تخلي الكثيرات من الفتيات المسلمات عن دراستهنّ في المدارس والجامعات، حفاظاً على دينهنّ والتزامهنّ بالإسلام!..

أما في السجون والمعتقلات، فإنّ جنود (الممانعة-الصمود والتصدّي سابقاً) لا يكفّون عن استفزاز المعتقلين الإسلاميين، بشتم الذات الإلهية، وسبّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتمزيق المصاحف وامتهانها، وما يزال السجناء حتى اليوم يعاقَبون على تلاوة القرآن الكريم داخل الزنزانة، حتى لو كانت التلاوة من ذاكرتهم بصوتٍ مسموع!.. أو على الصلاة، أو الدعاء، أو الابتهال إلى الله عز وجل للتفريج عنهم، وذلك كما نقل كثير من المفرج عنهم في عهد الوريث الطائفيّ بشار أسد!.. وقد كان اندلاع المواجهات في سجن (صيدنايا) منذ سنتين، ما بين سجناء الرأي وجلاّدي السجن وضباطه، بعد تدنيسهم المصحف الشريف وتمزيقه وسبّ الذات الإلهية.. كان ذلك إحدى صفحات عدوانية النظام الطائفيّ الفاجر، على الإسلام وأركانه وكتابه الكريم.

على صعيد المجازر الرهيبة التي ارتكبها النظام الطائفيّ، فقد باتت معروفةً لكل ذي قلب.. فمجزرة حماة (على سبيل المثال) أودت بحياة أربعين ألفاً من سكّان المدينة. ومجزرة تدمر، وصل عدد ضحاياها في ليلةٍ واحدةٍ إلى أكثر من ألف سجين رأي، وسجن تدمر الصحراويّ، ما تزال تتردّد في جنباته، تكبيراتُ أرواح آلاف المظلومين الذين قُتِلوا واغتيلوا فيه، وأعدِموا بالرصاص الحيّ أو على أعواد مشانقه، بأحكام المحاكم العسكريةٍ الميدانية التي يرأسها جنود طائفيّون أمّيّون.. وما تزال استغاثاتهم تدوِّي وتشكو إلى الله عزّ وجلّ وحده، ظلمَ الظالمين وخِسّة المتواطئين!..

*     *     *

نذكر هذه اللمحة الموجزة عن ممارسات النظام البعثيّ الأسديّ الحاكم في سورية.. ضد الإسلام والمسلمين.. لنشرح مثالاً عن باطنية النظام الطائفيّ، الذي عبّر عن شدّة (الصدمة) التي أصيبَ بها، وترجمتها للجمهور وزارةُ خارجيّته البعثية، جرّاء نشر الرسوم النكراء، في صحيفة (يولاندز بوستن) الدانماركية وفي صدر صفحات زميلاتها الشقيّات الأوروبيات.. نذكر ذلك، لعلّ أطباء الصدمات يستطيعون وصف العلاج النوعيّ الدقيق، كي تستفيق الوزارة العتيدة بشكلٍ كامل من صدمتها، وتتابع نضالها الميمون في (الصمود والتصدّي والممانعة)، والوقوف بحزم، بوجه كل المحاولات الشعبية السورية لـ (توهين نفسية الأمة)، خلال هذه المرحلة الحرجة الميمونة من تاريخ الجمهورية الأسدية الطائفية الوراثية!.. سائلين الله عزّ وجلّ، القاهر الجبار المنتقم، أن يمحقَ فراعنتها وطغاتها وفاسديها وفجّارها، عاجلاً غير آجل.. قولوا: آمين.. اللهم آمين!..

                

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام