وأد الفتنة..!! (3ـ4)

حسام مقلد

حسام مقلد *

[email protected]

تزداد حالة الاحتقان الطائفي التي شهدتها مصر مؤخرا حساسية وخطورة، خاصة بعد تردد أنباء عن دخول إرهابيين متعاطفين مع تنظيم القاعدة المتطرف على الخط، ولا أبالغ إن قلت: إن فتح هذا الملف بكل وضوح وشفافية وتجرد يزداد أهمية يوما بعد يوم؛ لوأد الفتنة في مهدها واحتوائها، والقضاء على أسبابها الداخلية والخارجية، وينبغي أن يكون ذلك أولا بنية خالصة لوجه الله تعالى، ثم لوجه الوطن، وبمنتهى الرفق والحذر والوعي، فكلنا نحب مصر ونخاف عليها أكثر مما نخاف على أنفسنا.

وقد ذكرت في المقال السابق أن الأغلبية الساحقة من أخواننا الأقباط في مصر لا تشعر بأية تفرقة أو تمييز ضدها من أي نوع وبأي شكل كان، فالأقباط هم وإخوانهم المسلمون المصريون كانوا على مر التاريخ شعبا واحدا وأمة واحدة ونسيجا واحدا، ولا يمكن أبدا بث بذور الفرقة والنزاعات بينهم.

ولكن هناك بعض الأفكار السلبية يتناقلها عدد من الشباب تبين وجود قدر من الوساوس والشكوك المتبادلة بين بعض الناس من كلا الجانبين المسلم والقبطي، وهذه بالطبع حالات فردية، ولا تمثل ظاهرة عامة إطلاقا، لكنها تتزايد وتتسع يوما بعد يوم بسبب الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها الشعب المصري كله ويعاني منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا وإعلاميا...

وأستكمل هنا عرض بعض المواقف الحقيقية التي عشتها بنفسي، والتي تشير عند تحليلها والتأمل فيها إلى أن هناك عوامل مختلفة تغذي ما نراه من احتقانات طائفية تطفو إلى السطح بين الفينة والأخرى، وينبغي على أولي الأمر وكل المخلصين والمهتمين بأمن هذا الوطن وسلامته أن يسارعوا إلى تنقية الأجواء وإزالة كل عوامل الاحتقان والفتنة؛ حتى نئدها في مهدها قبل أن يستفحل خطرها، وساعتها لا قدر الله لن ينفع الندم!!

· الموقف الثالث:

أثناء تأديتي لواجب الخدمة العسكرية كنت رفيق سلاح لأخوة أعزاء مسلمين وأقباط، وخلال أوقات الراحة اليسيرة كنت أحيانا أخرج (مصحفا من الحجم صغير) من مخلتي وأقرأ فيه ما تيسر، وذات يوم رأيت زميلا قبطيا اسمه (سامح...) يخرج(إنجيلا من الحجم صغير) وراح يقرأ ما تيسر، ولما انتبه لوجودي بالقرب منه أغلق الإنجيل وهمَّ بوضعه في (مخلته) فاقتربتُ منه وألقيت عليه السلام وأبديت له مشاعر فرحي وسعادتي به وبتدينه، وشجعته على المواظبة على ذلك كلما سنحت له الفرصة!! ولمحت في محياه وعلى أسارير وجهه انطباعات الفرح والدهشة، ربما لأنني كنت خطيب الجمعة في الكتيبة!! فقلت له ملاطفا ومداعبا:"كويس، الحمد لله أخيرا لقيت واحد مهتم بموضوع الدين زيي عشان نتكلم مع بعض" ويبدو أنه فهمني خطأ!! فقال:" لا..لا.. مفيش داعي للجدال في الحجات دي، كل واحد حر في عقيدته" فابتسمت وقلت له:"الظاهر إنك فهمتني غلط، أنا مش هناقشك في عقيدتك لأن دا شيء يخصك، ودا مش المكان ولا الوقت المناسب لمناقشة من هذا النوع، لكن أنا بس حبيت أقول لك إن أنا فرحان جدا عشان أنت شاب متدين، فمن وجهة نظري أن الدين ـ أياً كان ... ـ كمكوِّن من مكونات شخصية الإنسان لابد أن يحث على التحلي بالقيم الفاضلة والتَّخلُّق بالأخلاق الحسنة، وأما بالنسبة لنوع الدين فكل إنسان حر في اعتناق ما يشاء، والأصل في الإسلام أنه(لا إكراه في الدين) فالإسلام بطبيعته دين رحمة وتسامح، وقد قرر مبدأ حرية العقيدة وأباح لكل إنسان ممارسة معتقداته بحرية دون إكراه ودون تضييق، وشواهد التاريخ على ذلك أكثر من أن تحصى.

وكان حكمدار السرية التي أنتمي إليها عرِّيف قبطي اسمه (ممدوح...) وصباح كل جمعة كان يوقظ الجنود النائمين مبكرا ليستعدوا للصلاة، وكان موعد نوبة حراستي في بعض أيام الجمع أثناء صلاة الجمعة، فوالله العظيم كان الأخ ممدوح يأتي إليَّ من تلقاء نفسه قبل موعد الصلاة بنصف ساعة ويطلب أن يتسلم نوبة الحراسة بدلا مني؛ وذلك حتى أذهب للصلاة، وكنت أرحب بمبادرته دائما، وأقف أنا بدلا منه في نوبة حراسته في أي يوم آخر.

هذه هي الروح التي تجمعنا نحن المصريين مسلمين وأقباط روح المحبة والأخوة والتسامح، نعم هناك اختلاف في العقيدة، وكل طرف يرى خطأ وانحراف عقيدة الطرف الآخر، وهذا طبيعي جدا وإلا لكان اعتنقها، ولكانتا حينئذ عقيدة واحدة، ولكن اختلاف العقيدة لا يعني حتمية وقوع الكراهية والشحناء والبغضاء بين الناس، ولا يجب أبدا أن يكون سببا لإثارة الفتن فيما بينهم، وكل إنسان حر في اعتناق الدين الذي يرتضيه لنفسه، ومصيره ومآله بعد ذلك لخالقه سبحانه وتعالى، وهو عز وجل الذي سيحاسبه ويعطيه جزاءه العادل.

نعم إن من مسلمات عقيدتي قول الله تعالى:"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" [آل عمران : 19] وقوله عز اسمه:"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران : 85] لكن من مسلماته أيضا قوله تعالى:" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [البقرة : 256] وقوله عز وجل:" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [الكافرون : 6] وفي ضوء فهمي للدين فكل طائفة لابد أنها سترى خطأ الأخرى وهذا طبيعي وإلا فكيف يكون الناس مختلفين، قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) [هود : 118 - 119]

لقد كفل الإسلام لجميع البشر حرية العقيدة أيا كانت، فعلى امتداد التاريخ الإسلامي لم يُجْبَرْ أحدٌ أبدا على اعتناق الإسلام، والقاعدة العادلة في إرساء أسس العلاقة الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم هي:" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة :8 ، 9].

· الموقف الرابع:

ذات يوم كنت ذاهبا مع أحد أصدقائي لشراء سلسلة ذهبية أراد أن يهديها لأمه، ومعروف أن أغلب محلات الذهب في مصر يمتلكها أخوة أقباط، وبينما نحن نشاهد واجهات المحلات لننتقي ما نريد إذا به يسحبني من يدي ويهمس في أذني قائلا: هيا من هنا!! وعندما ابتعدنا عن المحل سألته: ماذا حدث؟! قال: هذا المحل يمتلكه رجل قبطي متطرف!! فتعجبت قائلا: وكيف عرفت؟! قال: ألم ترَ صور القساوسة تملأ الجدران؟ فقلت: وماذا في ذلك؟ ألا يمكن أن يكون ذلك نوعا من طلب هذا الرجل البركة لماله وفق عقيدته؟ أليس من حقه أن يحرص على ماله؟!!

فوجئ صديقي بردي، وسكت ولم يتكلم!! وبينما نحن نسير ونطالع واجهات المحلات ابتسم في وجهنا شاب قائلا: مرحبا أهلا يا عم الشيخ(هل لمجرد كون الشخص ملتحيا يصير شيخا...!!) وعندما دخلنا محله وجدت لوحة كبيرة مكتوب عليها(لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولوحات أخرى تحمل عبارات إسلامية متنوعة...!! فدفعني الفضول وسألته: لماذا تعلق هذه اللوحات؟! فقال: أبدا يا عم الشيخ بس هي لطلب البركة ولحفظ المال!! فقلت: وجيرانك المسيحيون لِمَ يضعون صور القساوسة؟! فقال: لنفس السبب طلب البركة وحفظ المال، فقلت: يعني مفيش أسباب تانية؟! فقال: بصراحة فيه، فالحاجات دي بتجذب الزباين، فبعض الزباين المسيحيين بيحبوا يشتروا من المسحيين بس؛ لأنهم بيثقوا فيهم أكثر، وبعض الزباين المسلمين بيحبوا يشتروا من المسلمين بس!! فقلت: غريبة!! الذهب سلعة عالمية، وسعرها معروف!! فقال: صح يا بيه، وأنا بقولك بعض الزباين بس هم اللي بيعملوا كدا، لكن إحنا تجار الدهب إخوات وحبايب وجيران وبناكل وبنشرب مع بعض، وبنآمن بعض، واللي معندوش بضاعة بياخد من اللي عنده بصرف النظر عن دينه، المهم في شغلتنا الأمانة، وكلها أرزاق والرزق على الله!!

· الموقف الخامس:

حكى لي شاب ذات يوم أن جارا مسيحيا له كانت تربطهما صداقة قوية بحكم الجيرة والزمالة، وكان هذا الشاب المسيحي طالبا ضعيف الإمكانات العلمية والقدرات المادية، وبعد أن أنهى دراسته الجامعية سافر فجأة إلى بلد أوربي(هولندا..!!) ثم عاد بعد عام ونصف تقريبا يركب سيارة فارهة، واشترى شقة فاخرة، وخطب فتاة جميلة من عائلة ثرية، ثم دعا صاحبه لحضور زواجه في أحد الفنادق الفخمة!! وبعد بضعة أشهر رآه صاحبه مصادفة في أحد النوادي فرحب به وجلس يتحدث معه، وسأله عن سر ثرائه المفاجئ!! فقال له: أنا سافرت لهولندا، وهناك لقيت تعاطف كبير من بعض الجهات عشان أنا مسيحي مصري، فوفروا لي عمل كويس براتب كبير، بس يا عم ما حدش أحسن من حد!!! زي ما بتروحوا السعودية وتلاقوا دعم هناك برضه إحنا لنا إللي يسندنا ويدعمنا!!!

في الحقيقة تعجبت من هذا الكلام الغريب، ولم أبْنِ عليه أية تصورات أو نتائج؛ لأنه في رأيي مجرد دردشة بين صديقين، لكن ما لفت نظري بعد ذلك ما سمعته أكثر من مرة من مداخلات في برامج وحوارات في وسائل الإعلام عما يسمونه: بـ(الفكر الوهابي، وتأثيره في الشخصية المصرية!!) وهذا كلام خاطئ تماما ومبني في الغالب على أوهام وليس على تحليلات علمية منطقية، فالمملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم حبا للمصريين مسلمين ومسيحيين، والشعب السعودي الشقيق ـ في أغلبه ـ شعب شديد الطيبة، ويثق في قدرات المصريين وإمكاناتهم ثقة كبيرة ويعتبرهم القدوة والمثل، وللشخصية المصرية حضور طاغٍ وتأثير كبير في العالم العربي كله، وفي الخليج والسعودية بشكل خاص، حتى إن أحد أصدقائي العاملين بالسعودية يقول: إن التلميذ النابغة في السعودية يلقبونه بـ(المصري!!) فهذا اللقب يعني بالنسبة لهم: الذكي والمتميز!!

والغريب أن نفس هذا الصديق المصري المسلم حكى لي قائلا: ذات مرة طلب مني زميل سعودي مطوع( يعني رجل ملتزم دينيا) طلب مني أن أذهب معه لشراء غرفة نوم جديدة، فذهبت به إلى نجار مصري مسيحي، وعندما دخلنا المحل كان هذا النجار يشغِّل شريط كاسيت عليه أغاني وترانيم مسيحية، فلم يثر ذلك أية حساسية، بل تفرجنا على غرف النوم الموجودة، واخترنا أحدها، ودفعنا ثمنها، وابتهج الشاب السعودي ومازحنا قائلا: "طبعا أنتم يا المصريين لازم تنفِّعُوا بعض، وعلى العموم فاحنا بنحبكم وبنثق فيكم وفي شغلكم" وناول بكل مودة وبشاشة النجار المصري المسيحي فلوسه قائلا: تفضل الله يبارك لك.

والسؤال المهم والمحير هو: ما سر هذه الشائعات؟ وما مصدرها؟ ومن المستفيد من زرع هذه الألغام في أذهان بعض المصريين؟!!

· الموقف السادس:

بعد أحد الأعياد المسيحية، وبعد انتهاء إجازة الأخوة الأقباط وعودتهم للعمل، قابلت أحد زملائنا المسيحيين فسلمت عليه وهنأتُه بالعيد، فابتسم الرجل وقدم لي بعض الكعك فتناولتُه من يده وأكلتُه شاكراً ومضيت، ورآني زميل آخر(معروف بحدته وتزمته، وغلظة طبعه الإنساني بغض النظر عن دينه...) فغضب مني وقال عاتبا: يا ريتك يا عم الشيخ ما عملت كدا، فقلت له: "عملت أيه؟!!" قال: "أنت بلحيتك دي قدوة، والمفروض إنك فاهم دينك وعارف إنه ما يجوزش تهني غير المسلم بعيده؛ لأن دا فيه موالاة وإقرار منك بصحة عقيدته!! وكمان مبحبح العملية معاه وعمَّال تضحك وتنكِّت، وأخدت الأكل منه وأكلته وأنت عارف إن دا طقس ديني عندهم... يا أخي حرام عليك، ما ينفعش كدا!! دا حتى الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن إلقاء السلام على غير المسلمين، ووصانا نضيق عليهم الطريق وهما ماشيين علشان يحسوا بخطأ عقيدتهم!!"

ابتسمت وقلت لهذا الأخ: يا أخي أنا شخص عادي جدا أطلق لحيتي اتباعا لهدى ديني وتنفيذاً لتعاليمه، ولست شيخا ولا فقيها ولا عالما، ولكنني أختلف معك في كل ما قلته، ومن وجهة نظري أن هذا الفهم السقيم للدين ينفر الناس منه، ولا أتخيل أبدا أن الإسلام يحث المسلمين على الجفاء والغلظة مع الناس بهذا الشكل الذي تتحدث عنه، بل هذا يخالف صريح القرآن الكريم، ألم يقل الله تعالى:"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" [آل عمران : 159] ؟!! وكيف أباح الله تعالى للمسلم الزواج من الكتابية(اليهودية والنصرانية) ثم نتصور أن هذا الزوج المسلم مطالب بمعاملة زوجته بكل غلظة وقسوة فلا يلقي عليها السلام ولا يؤاكلها، ولا يمازحها بل يضيق عليها الطريق؟!! فكيف إذن ستتولد بين هذين الزوجين المودة والرحمة التي ذكرها الله في كتابه الكريم حيث قال:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم : 21]

يا أخي إن الإسلام دين رحمة وتسامح، ولا بد من فهم النصوص الدينية فهما شاملا متكاملا، وعدم إخراج نص معين عن سياق معين وفهمه بطريقة خطأ، ثم بناء مواقف وتوجهات على هذا الخطأ، ولنترك الأمر لأهله من العلماء الثقات فهم أقدر الناس على الفهم الصحيح للنصوص وتطبيقاتها، إن الإسلام أوصى خيرا بالمعاهدين من أهل الكتاب، ومنحهم كافة حقوقهم وعلى رأسها حرية العقيدة، وحذر أشد التحذير من اضطهادهم والإساءة إليهم،فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما" (رواه البخاري) وفي فهمي وتصوري الإنساني العام ليس من الإسلام في شيء الغلظة والقسوة، أو التجهم للناس ومعاملتهم بفظاظة وجفاء، فإن تلك المعاملة الجافة القاسية من أكثر الأمور التي ستنفر الناس من المسلمين وتصدهم عن الإسلام، والحمد لله تعالى فهؤلاء القساة غلاظ الأكباد قلة قليلة وندرة نادرة بيننا، ولا تعرف الغالبية الساحقة من المسلمين إلا تسامح الإسلام ونبله ورحمته!!

وبعد ذكر هذه المواقف المتباينة وسرد تحليلاتها المختلفة أقول: ما أحوجنا نحن المصريين اليوم مسلمين وأقباط إلى خطاب الرحمة والمودة والتسامح والتصافح والتغافر، أما خطاب التهييج والإثارة والتجاهل والتهميش، أو الإقصاء والاستعداء والاستقواء بالآخرين... فلن يزيد الطين إلا بلة، ولن تحمد عقباه أبدا!! وللحديث بقية بإذن الله تعالى.

       

* كاتب إسلامي مصري