عن الكوماندوز البحري

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

تتصدر أخبار الكوماندوز البحري الاسرائيلي الأخبار هذه الأيام، فالتسريبات الإعلامية تقول أنّ هذه الوحدة قامت بعمليات خارج حدود فلسطين المحتلة - حسب ادعاء رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية -  وبينما تنسب صحف غربية لهذه الوحدة ما قيل عن  انفجارات في قاعدة صواريخ بعيدة المدى في طهران، تنسب  تسريبات أخرى نبأ إحباطها لعملية تهريب سلاح كبيرة لحركة "حماس" في قطاع غزة.

تتزامن هذه الإعلانات والتسريبات مع زيارات متلفزة لرئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير دفاعه ورئيس أركانه لهذه الوحدة، محاولين إظهار تقديرهم واحترامهم لجنودها الذين يحاولون إصباغ صورة ( السوبرمان) عليهم، وبالرغم من أنّ ما سرّب من معلومات أو أخبار من الصّعب  تصديقها  للعديد من الأسباب، إلا أنّ هذا التركيز الاعلامي الكبير على وحدة عجزت خلال حربي لبنان وغزة عن القيام بعملية واحدة ناجحة، يثير تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟.

فالقاعدة العسكرية للصواريخ البعيد المدى الايرانية تقع في منطقة في العمق الايراني، ومن البديهي أنّها محصّنة ومحروسة جيداً، فضلاً عن أن تكون مخازن الصواريخ في باطن الأرض  ومؤمّنة بطريقة ليس من السّهل الوصول لها، وهذه معلومات نشرها الاعلام الغربي تحديداً عن هذه القاعدة من قبل، فإن استطاع هذا الكوماندوز الوصول الى هناك، فهل كان من السهل تنفيذ ودخول القاعدة المحصّنة وتنفيذ التفجيرات والعودة براً حتى البحر ثم الوصول الى فلسطين المحتلة؟، وهل الجيش الايراني سيترك قاعدة صواريخ إستراتيجية مثل هذه بلا حراسة  لمجموعة جنود من الكوماندوز البحري ليدخلوا داخل القاعدة في باطن الجبال ويفجّروا صواريخها ويعودوا؟.

القصّة الأخرى التي تتداول في الأخبار، هي أنّ هذه الوحدة قامت بإحباط عملية تهريب كبيرة للسلاح من إيران الى حركة "حماس" في قطاع غزة، فالمعهود سابقاً هو عمليات سيطرة على السفن مثلما جرى مع السفينة "كارين إيه" التي كانت مرسلة من إيران  لحركة "فتح" في قطاع غزة، وأخرى قيل أنّها أوقفت وقطرت من المياه الدّولية للمتوسط إلى ميناء أسدود الفلسطيني المحتل، أو الاعلان عن تفجير أخرى في ميناء  بور سودان، أو قصف قوافل للسلاح في أراضي الغير كما جرى في السودان، أما أن يعلن عن إحباط عملية ثم يتبين أنّ سلطات موانىء دولة إفريقية تعلن أنّها هي فتّشت شحنة ووجدت فيها سلاح، فهذا يثير شكوك حول مصداقية التسريب، لأنّه في هذه الحالة يكفي تفتيش روتيني أو معلومة استخبارية فقط وليس عمليّة عسكرية بحرية للكشف عن هذا السلاح في الميناء الإفريقي.

من المعلوم أنّ هذه الوحدة قامت بعمليات فاشلة وفرّت من ميدان القتال عندما اصطدمت مع طلائع المقاتلين العرب في الحربين السّابقتين على لبنان وغزة، ومن المعروف أنّ هذه الوحدة قامت بعمليات قرصنة سهلة ضد آمنين في المياه الدّولية، وهي  تقوم بشكل دوري بالإعتداء على الصّيادين الفلسطينيين وتقتلهم وتخرّب قواربهم، و قامت بمجزرة ضد متضامنين دوليين في مهمّة إنسانية وفي المياه الدّولية، وكل هذه أعمال تشابه إلى حد كبير الأعمال التي يقوم بها قوات أخرى تسمّى خاصّة ضد متظاهرين آمنيين وأطفال، وأغلب هذه النّشاطات تتميز بالغدر والسادية والإجرام ولا علاقة لها بأي نوع من أنواع البطولة.

بعض الصّور المتلفزة التي ظهرت، أظهرت عكس ما أراده من حرصوا على ترويج صورة خارقة لهذه الوحدة، فقد ظهر رئيس وزراء دولة الاحتلال وهو يحادث  جندي، أو ربّما ضابط ،  مطئطاً رأسه بطريقة تظهر أنّه منهار، بينما يقوم رئيس وزرائه بمحاولة لرفع معنوياته، وهذه صورة لا تعكس صورة جندي عاد منتصراً في معركة خلف الحدود على الاطلاق، بل جندي منهار يبحث عن الطمأنينة والأمان المفقود. وفي صورة أخرى يحاول رئيس هيئة الأركان لهذا الجيش افتعال حركة مضحكة لإبداء جو إحتفالي  لمن يشاهد الحدث من خلال التلفاز، ولكن هذه الحركة أظهرت أنّها حركة خارج السّياق العام الذي يظهره الواقع في المشهد الأوسع.

من الملاحظ أنّ هذه الوحدة تعرّضت لانتكاسات نفسية وعملّية كثيرة، فضلاً عن فشلها العملياتي خلال الحروب في السنوات الخمس الماضية،  وعندما يقوم جنود يفترض أنّهم قوات نخبة بارتكاب مجازر ضد مدنيين غير مسلحين، وتبدأ الإدانات والملاحقات القضائية والاعلامية، إضافة للعوامل النّفسية التي يعيشها القتلة عادةً، يؤدي ذلك لصراع وانهيار نفسي لهؤلاء الجنود، إضافةً إلى أنّ متلازمة القاتل - اللص تخنق صاحبها، خاصّة وأنّ قائد هذه الوحدة يحاكم حالياً لسرقته جهاز حاسوب من متضامن تركي كان على متن  سفينة مرمرة،  وإذا كان قائدهم يحاكم لسرقته حاسوب، فما الذي قام بسرقته باقي الجنود؟.

الاعلان الأخير لأمين عام حزب الله  عن تفاصيل  عملية الأنصارية، وكيف أنّ عناصر هذه الوحدة البحرية كانوا ذاهبين إلى قبرهم في لبنان، وكيف أنّ الشّبكة العملياتية والتكنولوجية والمخابراتية الاسرائيلية التي تمهّد الطريق لعمليات هذه الوحدة مخترقة بالكامل من قبل حزب الله، وأنّ قوات حزب الله كانت بانتظارهم وأوقعتهم في فخ قاتل، كل هذا هزّ نفسيّة هؤلاء الجنود وأفقدهم الثقة بمن يجب أن يكون محل ثقتهم، وبالتالي كان لا بد من محاولات لإصباغ صفات خارقة على هؤلاء من خلال زيارات استعراضية  لم تفلح في إقناع العدو الخارجي، ولا أعتقد أنّها ستحل المشكلة الدّاخلية أيضاً.

بعض الفلسطينيين بدأ يتندّر على التّصرفات الاسرائيلية في تبنّيها لانفجارات عارضة خلف الحدود، وادعاء ضبط أسلحة ليس لهم يد فيها بالقول:-

" قديماً كان بعض الفصائل الفلسطينية يسارع للإعلان عن مسؤوليته عن أي حادث عرضي يضر الاسرائيليين، ويتفاخرون بذلك، مع أنّه ليس له يد من قريب أو بعيد بالحدث، وهذا كان يعكس عجز عن الفعل وتمنّي بالاستطاعة... ولكن حالياً انقلبت الحالة وأصبحت دولة الاحتلال تتبنى أحداث يقول الواقع والمنطق أنّه لا علاقة لها بها".