الباحثون عن "عقيدة"، والباحثون عن "جريدة"
الباحثون عن "عقيدة"،
والباحثون عن "جريدة"
أحمد سعد دومة /غزة
عضو رابطة أدباء الشام
ذهبت _كالعادة- إلى نقابة الصحفيين في الصباح لأجلس مع
الصحفيين المعتصمين هناك ، ألقيت السلام ودخلت ،فلم أجد إلا القليل من الزملاء والزميلات في تغير ملحوظ في شكل الاعتصام وحجمة ومضمونه ، فسألت عن البقية ، وجائتني الإجابة- المؤلمة- قالها لي أحد الزملاء "راحوا لإدوارد" .
دخلت مع الزملاء في عدة نقاشات حول سبب الذهاب ومشروعيته الأخلاقيّة والمهنيّة ،ورغم قوتي البادية في النقاش إلا أنه تملكني- منذ سمعت الخبر -ألمٌ لم يتملكني منذ زمن بعيد فساءلت نفسي :كيف لهؤلاء الذين رضوا بالعمل مع من سرق حلمهم وبيتهم ؟،كيف لهم أن يكونوا سبباً في ضياع حق زملائهم ؟ألف كيف وكيف اجتاحتني ولم لأعرف لأيِّهم إجابة .
صحيح أنني لست صحفيّاً في الدستور ، أو قد لا أكون صحفيّاً بالمرة ، لكن صحيح أيضاً أن قضيّة الدستور اعتبرتها قضيتي ككل الشرفاء الذين يرفضون أن تتحول العقيدة الصحفيّة إلى تجارة ،ويتحول البيت الذي يلملم بين جنباته هذه التوليفه الرائعة من الصحفيين والكتاب إلى سلعة يتحكم فيها تاجر "خايب" كل همّه أن ينفذ تعليمات جاءت له من هنا وهناك .
تألمت عندما علمت بخبر ذهاب بعض الصحفيين للعمل في "دستور رضا" لأنني أؤمن أن هناك "عقيدة "وقناعة" اسمها الشرف الصحفي والأمانة التي حملها كل صحفي عندما كتب للناس وجعلهم يتابعونه زينتظرون كلماته وأخباره ، عقيدة تقول أن من حق هؤلاء -إن لم يكن من واجبهم- أن يظلوا متمسكين بمطالبهم لحين تحقيقها ، أن يظلوا واقفين ضد "اللصوص" الأغبياء الذين سرقوا بيتهم واغتصبوا الكثير من أحلامهم ، لا فرق في هذه -في رأيي- بين معيَّن أو غير معيّن .
ما وجدته اليوم أظهر أمام عينيّ صورة لم أكن أحب أن أراها في يوم أبداً ، أظهر لي مجموعة ممن ارتضوا أن يبيعوا الحق ويتخلوا عن الواجب من أجل"وظيفة" تمتهنهم ، وتحط من أقدارهم ، وتستعبد أقلامهم لتسلطها على رقاب زملاءهم وأساتذتهم ،هم يعرفون ذلك جيِّداً ومع ذلك ذهبوا .
قبلوا بمنصب أو اسم على الترويسة أو رئاسة قسم ثمناً للـ"عقيدة" التي كان يجب أن يتمسكوا بها إلى الأبد.
أعتقد أن قبولهم بهذا عقاباً يستحقونه ، فهؤلاء -جميعهم- يستحقون أن يكونوا عبيداً ،هم كذلك منذ ولدوا ، ولو ادّعى بعضهم غير ذلك ،أو حاول أن يلبس -لعدة أيام- رداء الأحرار أو يجلس معهم .
أشعر أن الكلمات تتهرب مني -رغم كثرتها- ،لكن هذا لن يمنعني أن اقول لهؤلاء الذين باعوا "كل شيء" لأجل "لاشيء" : اذهبوا حيث شئتم ،فلن يضر الشرفاء تخاذلكم ، ولن ينتصر اللص باستسلامكم ، فأنتم لم تكونوا يوماً طرفاً في المعادلة ،لقد ذهبتم إلى حيث تنتمون ،أما القضيّة فلها أصحابها ،والمدافعين عنها ، والمستعدين للتضحية "بالوظيفة"لأجل "العقيدة ".
ولتبكوا على خطيئتكم ، لكن لن ينفعكم البكاء حين تستنكركم كل كلمة شريفة ،ويتنصّل منكم كل مجلس محترم.

