بعد زيارة نجاد إلى لبنان

محمد فاروق الإمام

لم تعد الجزر العربية الثلاث

هي المشكلة بيننا وبين إيران

محمد فاروق الإمام

[email protected]

أثارني مقال السيد محمد صادق الحسيني الذي نشر في جريدة القدس العربي المنشور يوم 18 تشرين الأول الحالي، وهو يطنب بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ويصف زيارته إلى لبنان بأنها تكريس لدولة إقليمية عظمى، وقد أربك في زيارته – كما يقول – قادة دويلة الجيش الذي لا يقهر - يقصد إسرائيل - حتى اضطروا أن يقولوا لأول مرة (نحن نعرف كيف ندافع عن أنفسنا).

لقد نظر الحسيني إلى ربع الكأس المملوء بالماء ولم ينظر إلى الفارغ منها، لقد غرته جماهير حزب الله وميليشياته التي اصطفت واحتشدت لاستقبال نجاد والاستماع إلى خطبه، وفاته أن ينظر إلى لون الأعلام والشعارات التي رفعت والتي تمثل حزب الله وميليشياته وثقافته المذهبية التي ما عهدها لبنان إلا في هذا الزمن الرديء الذي نعيشه في غياب العرب عن لبنان وتخليهم عنه متناسين ما لبنان من فضل على العرب كونه كان الواحة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي التي كانت تهفو إليها الشخصيات العربية الوطنية من المشرق العربي ومغربه لتغرف من معينه الرقراق والصافي العلوم والحرية والديمقراطية، لتخلو الساحة لنجاد ليظهر بأنه القائد المنقذ للبنان وشعبه!!

لقد فات السيد الحسيني أن الرايات والشعارات التي ارتفعت في بنت جبيل عند استقبال نجاد هي رايات خمينية لا صلة لها بلبنان لا من قريب ولا من بعيد، وحتى الصور المرفوعة كانت صور خميني وخامنئي ونجاد ولم يكن بينها صورة أحد من رموز الحكم في لبنان بمن فيهم رئيس لبنان الذي اختاره شعب لبنان كله، حتى ليخيل للمشاهد أن هذا الاحتفال يقام في قم أو طهران أو أصفهان وليس في مدينة لبنانية وفي بلد عربي اسمه لبنان.

كنا نتمنى على الرئيس الإيراني نجاد أن يحترم خصوصية لبنان ومكونات مجتمعه العرقية والدينية والمذهبية، ويكتفي بزيارة دولة إلى لبنان ويلتقي برجال الحكم فيه ويعقد الاتفاقيات التي تهم البلدين وترفع من مستوى العلاقة بينهما، لا أن يذهب بعيداً في تكريس الانشقاق والخلافات والتنابذ والتناحر وتقوية طائفة على حساب الطوائف الأخرى، ولو فعل ما كان عليه أن يفعل لوجد كل قلوب اللبنانيين تحتضن زيارته وترحب به وتؤيد ما يبرمه من اتفاقيات اقتصادية وغيرها من اتفاقيات تساعد على تنمية لبنان وازدهار اقتصاده، ليعود كما كان في مقدمة دول المنطقة في رغد العيش واليسار في المال والاستقرار.

وكان الأجدر بنجاد أن لا يطلق كلمات الوعيد والتهديد ويزيد التوتر والاحتقان في المنطقة التي كان لبنان مسرح لحروبها وتفجراتها، وقد دفع الثمن غالياً من أبنائه وبنيته واقتصاده، وهو ضيف على لبنان وليس مالكاً للبنان ويتحكم بمصيره ومصير أهله.

لقد ظهر نجاد في لبنان وكأنه المتحكم به والمالك له والمعبر عن إرادة شعبه والناطق الرسمي له، وهذا ما يدفع اللبنانيين والعرب إلى الخوف على لبنان ومستقبله ومصيره وقد ارتهن لما يريده نجاد له، ومن هنا فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن لبنان بات الجزيرة الرابعة، إضافة إلى جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى العربية، التي يسيطر عليها نجاد بغير وجه حق ودون إرادة أهلها، وهو في ذلك يجر المنطقة إلى صراع وصدام يشغل العرب عن صراعهم مع العدو الصهيوني الغاشم الذي يحتل فلسطين وأجزاء من لبنان وسورية، بدلاً من أن يكون إلى جانبهم في هذا الصراع كما يدعي ويعلن في كل مناسبة يظهر فيها على شاشة التلفاز.