دايتون ... ليس مأسوفا عليك

أسعد العزوني

دايتون ... ليس مأسوفا عليك ؟!

أسعد العزوني

[email protected]

قبل أيام انتهت ولاية الجنرال الأمريكي كيث دايتون الذي أنيط به اعادة تشكيل قوى الأمن الفلسطينية من فئة الشباب وتدريبهم وتأهيلهم لحفظ الأمن  الاسرائيلي ، ليسجل على الفلسطينيين أنهم باتوا ينافسون الآخرين في حفظ الأمن الاسرائيلي .

 وشهادة حق في الرجل أنه لم يكن مخاتلا ولا منافقا في عمله ، بل كان واضحا وضوح عقلية يهود في التلمود . وكان يقول للشباب الفلسطيني المنخرط في سلك شرطته  الذين تدربوا في الأردن ومصر:" اعلموا أننا لا ندربكم ولا نسمنكم لمقاتلة اسرائيل ، بل لحفظ الأمن لاسرائيل ؟!..

 ما دعاني لكتابة هذا المقال الذي لن يعجب البعض  هو أن كتابا ومثقفين أو هكذا يخيل أنهم ، تصدوا للدفاع عن " شرف وأمانة " الجنرال دايتون الأمريكي وأنه انجز الشىء الكثير لحماية أمن الشعب الفلسطيني في الضفة ، ومعروف أن غزة ( تحتلها ) حركة حماس ولذلك لم يتمكن دايتون من وضع بصمته الأمنية المميزة على غزة التى باتت ( مشاعا )   لجنود الاحتلال الاسرائيلي ، الذين يدخلون اليها متى شاؤوا ويعتقلون من يشاؤون دون ان تواجههم رصاصة ( دايتونية ) واحدة !

يستطيع الكاتب التلاعب بالألفاظ وتلوين المواقف بألوان السخرية ، وهذا ما فعلته في الأسطر الأخيرة ، ولكن الحقيقة غير ذلك .ففي الضفة ورغم وجود سلطة لها رئيس يستقبل في الخارج استقبال رؤساء الدول وتطأ قدماه طويلا على السجاد الأحمر  اضافة الى رئيس وزراء يشارك شعبه في قطاف الزيتون ويؤسس لدولة قيل عنها انها على مقاس أفكار نتنياهو ، ورغم هذا الثنائي ، فان الشعب الفلسطيني لم ينعم بالأمن ، مع انه قدم خيرة شبابه الى مشروع دايتون .

ماذا أعني بذلك ؟ يحق لي ان اتقمص شخصية القارىء وأسأل هذا السؤال ، ليكون جوابه كالتالي : ما نلاحظه يوميا أن جنود الاحتلال الاسرائيلي يخترقون مناطق السلطة ، - وهنا لا اعني المناطق الحدودية ، بل اعني العمق الفلسطيني في نابلس – ويقومون باعتقال الشباب الرافض للاستسلام والراغب باستمرار المقاومة ، ويختطفونهم الى السجون والمعتقلات النازية الاسرائيلية لتمارس عليهم ليس أسوأ انواع التعذيب والحرمان والقهر ، بل ليكونوا فئران تجارب لتطبيق النظريات الاجتماعية والنفسية والأدوية الاسرائيلية ، ومع ذلك لا يتصدى لهم احد من أتباع دايتون ، وكأن الأمر لا يعنيهم .

لا يقتصر  ذلك على الاعتقال والخطف ، بل يتطور الأمر الى القتل ، ولا أريد الحديث عن عمليات القتل في قلقيلية ونابلس لأن الأمر ينسحب على كل التجمعات الفلسطينية ، التي اصبحت مشاعا لجنود الاحتلال في الليل والنهار .

ولا يتعلق الأمر بالجنود فقط ، بل هناك سعار من نوع آخر يعاني منه الشعب والأرض في فلسطين وهم قطعان المستوطنين الذين يعيثون فسادا ما بعده فساد !! فهم يقتلون الفلسطينيين بالدهس وباطلاق النار ويستفزونهم بالحركات ، ويقطعون أشجارهم المثمرة ويحرقون حقولهم وبساتينهم تحميهم قوات الاحتلال الاسرائيلي ، ومع ذلك لا يخرج عليهم من تدرب في حضن الجنرال الأمريكي  الشاب كيث دايتون ليصدهم وليتصدى لهم دفاعا عن أمه وأخته  وزوجته وشرفه وكرامته !

هذا الوضع يقودنا الى السؤال الكنز الذي سينبثق عنه الجواب الكنز أيضا ، وهو : ما دور السلطة حاليا ولماذا التنسيق الأمني مع اسرائيل رغم اعلان فشل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة !!؟ وماسر صمت قوى دايتون عن تجاوزات جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين ؟ لماذا استنفرت قوات شرطة دايتون عن بكرة أبيها في الضفة ابان العدوان الاسرائيلي بالوكالة على غزة أواخر العام 2008 ، ومنعت الشعب هناك من تنظيم ولو مظاهرة واحدة لنصرة غزة ؟ علما ان جزر الواق واق شهدات مسيرات ومظاهرات تستنكر  العدوان الاسرائيلي بالوكالة على غزة واهلها .

الجواب الكنز يكمن في ان قوات دايتون كما سبق وأسلفت لم تخلق للتصدي للاحتلال وحماية الشعب الفلسطيني من أذاه ، بل جاءت أداة قمعية جديدة ضد الشعب الفلسطيني ، لينتقل الحال الى وضع آخر وهو فرز قامعين جددا من ابناء الشعب الفلسطيني ليقمعوا شعبهم ويفروا الأمن لأعدائه ، وهذه  وظيفة كان يبدع الآخرون فيها سابقا .

ذلك التحول المؤلم يقودنا الى ظاهرة أفرزتها اتفاقيات أوسلو سيئة السمعة والصيت  وهي التنسيق الأمني مع الاحتلال الاسرائيلي ، لمصلحة الاسرائيليين طبعا ، وهذا يعني وقوع الشعب الفلسطيني تحت انعكاس مرآة حارقة ثلاثية الأبعاد وهي الاحتلال وعملاؤه وشرطة دايتون اضافة الى البعد الرابع وهو سلطة رام الله صاحبه التنسيق الأمني مع اسرائيل حتى بعد فشل المفاوضات التقريبية وغير التقريبية مع الاحتلال !!

ما يجرى على أرض الواقع ليس سوء قراءة او خطأ في التقدير ، بل هو عمل ممنهج هدفه تحقيق اهداف العدو الذي لم يتمكن من تحقيقها بقوة السلاح وبالبطش ، وهم القائمون على أمور الشعب الفلسطيني  ينفذون هذه المهمة ، ويسجلون أنهم نجحوا في ما فشل فيه اعداء شعبهم ، وخلقوا جيلا فلسطينيا  انحرفت بوصلتهم بعيدا  عن اهداف الشعب الفلسطيني ولم تقترب فقط من نبض الاحتلال بل اندمجت فيه حد التيه .

ما هو مطلوب أولا ابتعاد الكتاب وأشباه المثقفين عن خط النار الدايتوني وعدم الدفاع عنه وعن  وانجازاته والابتعاد أيضا عن الدفاع عن انجازات السلطة ، لأن هذه السلطة لم  تسجل انجازا واحدا على الاطلاق بل على العكس من ذلك ، اسهمت في انحدار القضية الفلسطينية الى ما هو اعمق من الحضيض .

ومن لم تسمح له ظروفه المعيشية تعظيم شأن الصمود والمقاومة ، فعليه التزام الصمت لأن هذا اكرم له عند الله وعند شعبه.

" ليس كل ما يعرف يقال ، ولكن الحقيقة تطل برأسها" ؟ !