خذوا "قطعانكم" وارحلوا

أسعد العزوني

خذوا "قطعانكم" وارحلوا

فلا أمن لكم في أرضنا !!؟؟

أسعد العزوني

[email protected]

صاحب الحق " عينه قوية " كما يقول المثل الشعبي بمعنى انه لا تثنيه قوة عن تحصيل حقه أو استمرار المحاولات لذلك كونه صاحب حق لا يتجنى  على أحد ، لكن ذلك لم يعد ممكنا بالنسبة لقيادة السلطة الفلسطينية التى دخلت  بورصة التنازلات المجانية واستمرت في اللعبة دون  قواعد منطقية وحسب نظرية البيع بالمزاد العلني"على أونه على دويه"!

فرئيس السلطة محمود عباس معروف عنه أنه هو صاحب الحديث عن المحرمات وهو الذي أوعز الى ممثلي منظمة التحرير عام 1972 بفتح حوارات سرية مع يهود واسرائيليين دون علم القيادة  الفلسطينية ، مع انه كان يشغل مفوضا ماليا في حركة فتح أي أنه كان بعيدا عن عملية صنع القرار السياسي ، ومع ذلك كان دائم السفر الى عواصم القرار الدولية وهذه بحد ذاتها نقطة مثار جدل .

آخر غزوات عباس كانت تنازله المثير أمام أعضاء اللوبي اليهودي في أمريكا " الايباك" الثلاثاء قبل الماضي بتوسله اليهم :" أعطونا دولة وسنوفر لكم أمنا لم تتوقعونه ولم تحلموا به " !! وكان سابقا قد التقاهم للمرة الأولى وأبلغهم أنه لا ينكر " حق اليهود في أرض اسرائيل الكبرى "؟!

ولعمرى أن الرجل تجاوز كثيرا ولا بد من وقفه عند حده لأنه اخترق الثوابت الفلسطينية متسلحا هذه المرة بالنفس الرسمي العربي الذي يريد أن يقول أن ما يجري انما هو رغبة فلسطينية .

 لو ان عباس سعى للقاء  أعضاء اللوبي الصهيوني الجديد في امريكا J.Street"   "   المناهض للصهيونية وشعاره " انقذوا اسرائيل من نفسها " وقال مثل هذا الكلام لاتهمناه بالتكتيك ، ولكن الاتصال بالايباك  والاندلاق أمامهم بهذه الصورة يتطلب اليقظة الثورية التى نفتقدها هذه الأيام .

الانسحاق أمام العدو والظهور بمظهر الفاقد لكل أسس القوة لا يجلب حقا ولا يخلق احتراما !! وما يجري على الساحة الفلسطينية منذ رحيل الرئيس السابق ياسر عرفات المسموم ما هو الا  تنازل مجاني عن الحقوق ، مع انني لا انكر أن المفاوضات هي محطة متقدمة من محطات الصراع شرط ان يكون الطرف المتضرر قد سطر شيئا على أرض الواقع ، لا أن نسعي لمفاوضات " مشلحة " بمعنى انه لا يجوز رمي البندقية والارتماء في احضان العدو ليملي علينا ما يشاء ونحن لا حول لنا ولا قوة .

 معروف ان عرفات كان يلتقي رؤساء وزراء اسرائيل ولكن على حاجز " ايريس "  وندا لند ، لا في منازلهم وبحميمية وانسحاق لا مثيل له ، كما انه كان يعمل على  ادخال السلاح الى فلسطين ولم تكن السفينة كارينا A اياها هي الأولى بل كانت السفينة التاسعة التى تحمل الأسلحة الى السلطة .

ليس فقط عباس من يظهر على الساحة بهذه الصورة بل هناك رئيس وزرائه  سلام فياض الذي ينادي بدولة اقتصادية وتحسين مستوى معيشة الشعب الفلسطيني أي استبدال الزعتر بالمايونيز ، وكأن الشعب الفلسطيني يناضل منذ مطلع القرن الماضي لاستبدال رغيف  خبز القمح برغيف " الفينو " وها هو فياض يسابق عباس ويندلق هو الاخر أمام الاييباك ليباركوه .

لا بد من التوكيد ان رحيل عرفات مسموما فتح صفحة جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني لا تبعث  على الفخر ، حيث المفاوضات " المشلحة " التى لا فائدة ترجى من ورائها ، بل ستفضي الى تهويد القدسي ومصادرة أراضي الضفة الخصبة ، والاعتراف بيهودية اسرائيل وشطب حق العودة ، ومع ذلك فان قادة اسرائيل يناورون ويبتزون حتى امريكا ويطالبون باطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد الذي كان يتجسس على امريكا لصالح اسرائيل في وزارة الدفاع الأمريكية .

ويقول هؤلاء القادة انهم سيعرضون أي اتفاق يتم بينهم وبين السلطة على الكنيست وعلى الشعب للاستفتاء ، علما ان قادة السلطة غارقون حتى ما فوق رؤوسهم بالتنازل عن الحقوق والثوابت .

ليس سرا القول ان الاسرائيليين ينصبون فخا لعباس ، ولن تشفع له تنازلاته من أجلهم منذ التحاقه بحركة فتح عام 1969    ولا انكر أيضا أن الواقع الرسمي العربي هو الآخر منسحق تماما امام اسرائيل ، ولا تزال كلمات أحد اعضاء وفد برلماني اسلامي زار غزة المحاصرة والتقى مسؤولي الجامعة العربية  في القاهرة وقالوا له :" نحن كعرب نسينا القضية الفلسطينية ، فلماذا أنتم البعيدون عن المنطقة منشغلون بها " ؟

ومع ذلك فانه لا يحق للقيادة الفلسطينية ان تساير الضغط الرسمي العربي وتفرط بالحقوق وتتنازل عن الثوابت ، ولا أظن أن من المنطق بمكان التعذر بالضغوط الخارجية ، فقد تعرض عرفات الى ما هو ابعد من  ذلك وهدده مدير السي آي أيه السابق جورج تينيت بالقتل ، ابان مباحثات كامب ديفيد 2 حين قال  له " أننا نستطيع تغيير دول واشخاص "وعندها دعا عرفات الرئيس كلينتون الذي سمع ذلك التحذير الى المشاركة في جنازته .

ومعروف أنهم أقفلوا باب الحمام على عرفات   بالمفتاح لمدة ساعتين كي يموت غيظا وقهرا ويقال بعدها أن ميتته كانت طبيعية وبالتالي يرتاحون منه ، وقد كانوا طلبوا منه التنازل عن القدس فوافق شرط توقيع الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي على ذلك ومن ثم يصادق عل توقيعه كونه كان امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي آنذاك ، وفي موضوع اللاجئين طلب منهم الحصول على توقيع د. عصمت عبد المجيد  كونه امين عام الجماعة العربية في ذلك الوقت .

ما أعنيه أن القيادة والمسؤولية تتطلب الحصافة والحفاظ على الحقوق لا الظهور بمظهر الساذج والمفرط بكل شيء مقابل الرضا الاسرائيلي .

الدولة الفلسطينية التى يسعى لها الشعب الفلسطيني هي التى تجبل بدماء ابنائه وتبنى بجماجمهم ، وتأتي عن طريق الكفاح المسلح وليس عن طريق التذلل للايباك  والوضع الطبيعي ان ينسحق الاسرائيليون أمام الفلسطينيين لأنهم جربوا استخدام القوة التى لم تجدي اي نفع امام  قوة الحق ، لا أن ينعكس الحال ويصبح الفلسطينيون اصحاب الحق هم المنسحقون امام عدوهم .

لا اكشف سرا اذا ما قلت ان التغول الاسرائيلي  قد ظهر وتعمق منذ اوسلو والسعي نحو ما يسمونه سلاما ، ومازاد الطين بله ان العرب الذين دفعوا الفلسطينون الى اوسلو ظهروا هم الآخرون بشعارهم المعروف ان " السلام خيارنا الاستراتيجي " وأهدوا للمجتمع الدولي ما اطلقوا عليه " مبادرة السلام العربية " التى ركلها شاون وكافأ أصحابها باعادة احتلال غالبية مدن الضفة .

ما كان على عباس ان يقوله للايباك هو " خذوا ( قطعانكم وارحلوا ) فلا أمن لكم في أرضنا " ولكن " ... ليس كل ما يعرف يقال ولكن الحقيقة تطل برأسها ...!؟