السلطة الفلسطينية والمواقف المتأرجحة

د. ياسر سعد

السلطة الفلسطينية والمواقف المتأرجحة

د. ياسر سعد

[email protected]

المراقب والمتابع لمواقف وتصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية فيما يخص مفاوضات السلام يصاب بالحيرة والاستغراب. فحينا ينبري المسؤولون الفلسطينيون بالشكوى المريرة من التعنت الطرف الإسرائيلي ومن قيامه بخطوات تقوض مسار المفاوضات ويهددون بتجميدها, وحينا آخر يعبرون عن تفاؤل كبير بقرب التوصل لاتفاق سلام. ولو كان هناك فارق زمني بين تلك المواقف المتناقضة, لعللنا الأمر بتغييرات على الأرض أو بمواقف إسرائيلية تفاوضية جديدة.

 الأمثلة على تأرجح المواقف والتصريحات كثيرة, غير أنني سأكتفي بسرد الأحدث من مسلسلها الطويل والمتواصل. فقبيل سفر أبومازن لفرنسا هذا الشهر ومع إعلان الإسرائيليين عن بناء 920 وحدة سكنية في جبل أبوغنيم في القدس الشرقية,  أكد ياسر عبد ربه بأن الرئيس عباس سيبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقائهما في باريس بأن السلطة سوف توقف المفاوضات والاتصالات مع الجانب الإسرائيلي إذا ما استمرت الأعمال الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. فيما حذر نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية من التأثير السلبي لاستمرار توسيع المستوطنات على مفاوضات السلام.

بمجرد وصول أبومازن لباريس تغير الموقف والنبرة الفلسطينية وبشكل صارخ. ففي مؤتمر صحفي ضمه وساركوزي واولمرت بدا عباس متفائلا ومبتسما ومستمتعا بالأجواء الباريسية. اولمرت قال في اللقاء: "يبدو لي أننا لم نكن يوما أقرب إلى التوصل إلى اتفاق كما نحن عليه اليوم". عباس وافقه بالقول: "إن الجانبين جادان وراغبان في تحقيق السلام."

يوم الثلاثاء الماضي هدد رئيس الوزراء سلام فياض بالتراجع عن تطبيق الخطة الأمنية في مدن الضفة الغربية إذا واصلت إسرائيل تدخـّلها في مناطق السلطة. وقال فياض إن إسرائيل تهدف إلى إضعاف عمل حكومته في فرض الأمن وسيادة القانون والتنمية بتصعيدها ممارساتها العدوانية تزامنا مع بدء السلطة بتنفيذ خطة الأمن. في نفس اليوم كان محمود عباس ينعم ولأول مرة -والابتسامة تشرق على محياه- باستقبال رسمي حيث التقاه  الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز في قصر الرئاسة الاسرائيلي في القدس.

السلطة الفلسطينية لا تملك خيارا أخر غير المفاوضات حتى ولو كانت عبثية وفيها إهدار للوقت والجهد. أو كانت تعلم -كما صرح أكثر من مسؤول فيها- بأن إسرائيل تماطل وتسوف حتى تغير الحقائق على الأرض من تهويد للقدس, واستكمال لجدار الفصل, وابتلاع للأراضي الفلسطينية بسرطان الاستيطان.

حكومة رام الله لا تستطيع أن تقف موقفا حازما من مسألة المفاوضات مهما أخل الإسرائيليون بالتزاماتهم أو تعاملوا معها باستخفاف واستهتار. فأي موقف جاد سيؤدي لوقف المساعدات والمنح وبالتالي ستعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها وستنهار وسيذهب معها أضواء الصحافة والإعلام والمؤتمرات والاستقبالات الرسمية وعبارات المديح الأمريكية والغربية والتي تشيد بشجاعة مسؤولي السلطة وحكمتهم وقيادتهم البارعة.

مواقف السلطة الفلسطينية من الحوار الوطني ومن المفاوضات مؤسف ومؤلم ويكشف عجزا بالغا ويرفع علامات استفهام على استقلالية قرارها.