(ساركوزي) و(ساركوزيّون)

د.محمد بسام يوسف

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

نعم!.. لقد ذكّرنا الرئيس الفرنسيّ (ساركوزي)، باحتضانه الدكتاتور السفّاح بشار أسد.. بأنّ فرنسة كانت تحتل سورية وأخواتها، وكانت تنتهك أبسط حقوق الإنسان فيها وفي الدول التي احتلّتها، وأنّ أول عملٍ أنجزه الجنرال (غورو) بعد اجتياحه دمشق، كان التوجّه إلى قبر البطل المسلم الفذّ (صلاح الدين الأيوبيّ) ورَكْله بقدمه، نافثاً حقده الصليبيّ، قائلاً بشماتة الطاغية الذي تمكّن من غريمه ذات ليل: (ها قد عُدْنا يا صلاح الدين)!.. لأنّ الجنرال (غورو) كان يعرف تماماً، أنّ البطل (صلاح الدين) هو مَن قوّض الممالك الصليبية، وحرّر بلاد العرب والمسلمين من سفّاحي أشدّ الحقب التاريخية ظلاماً تمرّ على أمتنا!.. لقد ذكّرنا (ساركوزي) بالوجه القبيح لفرنسة، فتراءت لنا مشاهد دمشق، رمز العروبة والإسلام، وهي تئنّ تحت قذائف العدوان الجوّيّ والمدفعيّ لدولة الحرية والسلام والثورة: فرنسة!.. تلك القذائف العدوانية التي لم يسلم منها، حتى مبنى البرلمان السوريّ، فكان مجرم الحرب الفرنسيّ الجنرال (روجيه)، الذي أطلق أوامره بإزالة دمشق عن الخارطة، هو أحد الوجوه الفرنسية، التي أبادت آلاف السوريين وانتهكت حُرمة برلمانهم، وامتدّت يدها القاتلة كذلك، إلى عشرات رجال الدرك الذين كانوا يحمون مبنى البرلمان، رمز وحدة السوريين وحرّيتهم ووطنيّتهم!.. لقد ذكّرنا (ساركوزي) هذه الأيام، بأنّ بلداً عربياً مسلماً كالجزائر، احتاج ليتحرّر من تسلّط فرنسة، ومن نير احتلالها وجرائمها ونهبها ولصوصيّتها.. إلى مئةٍ وثلاثين سنةً من المعاناة، ومليون شهيدٍ من أبنائه وبناته، وشلالاتٍ من الدماء التي سفكتها فرنسة باسم الحرية والسلام، كما تسفك أميركة اليوم دماءنا في العراق وأفغانستان والصومال، باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان!..

*     *     *

باستقبال (ساركوزي) للسفّاح بشار أسد في الإليزيه، عشية اقتراف الأخير آخر مجزرةٍ مروِّعةٍ حتى الآن في سجن صيدنايا.. يُذكِّرنا هذا الساركوزي بالوجه الصليبيّ الحاقد، لفرنسة التي فتّتت بلادنا إلى ممالك ودويلات، وعقدت المواثيق والاتفاقات مع طوائف وأقلّيات، ليستمرّ الخنجر الطائفيّ مغروزاً في صدر بلادنا وخاصرتها، الذي صار خنجراً أسدياً طائفياً وراثياً، بدعمٍ فرنسيٍ غير محدود، منذ أكثر من ثلث قرن!.. يذكّرنا ساركوزي بذلك، مثلما يذكّرنا بأنّ الرئيس الفرنسيّ السابق (شيراك)، هو أول من استقبل بشار أسد في الإليزيه استقبال الرؤساء، قبل أن يُنَصَّب بشار بن حافظ أسد رئيساً وراثياً على عرش سورية، ليمنحه عميدُ الإليزيه الدعمَ المطلوب، ويمنح والدَه حافظ أسد التأييدَ الفرنسيّ الكامل، لتحويل الجمهورية السورية إلى جمهورية عارٍ وراثيةٍ عائليةٍ طائفية!..

نعم، يذكّرنا (ساركوزي) بكل ذلك اليوم، لكننا مضطرّون لتذكيره، إن كان أهلاً للذكرى، بأنّ الشعب السوريّ كان أول شعبٍ من شعوب العالَم ينال استقلاله، ويطرد محتلّي أرضه الفرنسيّين شرّ طردة، ويردّ ركلة الجنرال (غورو) لقبر البطل (صلاح الدين) إلى (قفا) فرنسة الاستعمارية، وينتصر لدماء الشهيد (يوسف العظمة) ورفاقه، ويُعيد دمشق عروساً تزهو بالعمران والتقدّم والحرية والياسمين، لتنهض من جديدٍ ساخرةً من همجية الجنرال (روجيه)، ملقِّنةً فرنسة وجنرالاتها المهووسين (ألف باء) التحضّر والحرية والتحرّر والقِيَم الإنسانية، مذكِّرةً باريس، بأنه ليس كل مَن هدم الباستيل بقي محسوباً على البشر، فكم من هؤلاء قد عشّش في نفسه وروحه مئةُ باستيل، وكم من هؤلاء البشر، قد انضمّوا إلى معاشر البقر والحجر!.. فهل –يا ساركوزي- من معتَبِر؟!..

*     *     *

ليس الرئيس الفرنسيّ (ساركوزي) وحده يقف في قافلة أموات الضمير والأخلاق والقِيَم الإنسانية الحيّة، فهناك من يرفع شعار: (القرآن دستورنا)، ولا تستيقظ في نفسه ذرّة مروءةٍ أو حميّةٍ أو نخوةٍ بشرية، إزاء ما تعرّض له كتاب الله عزّ وجلّ ببساطير جنود الطائفيّ بشار أسد، وإزاء أرواح الشهداء المصفَّدين، المغدورين ببنادق الطائفيين الذين استقبلت فرنسة بشارَهم في الإليزيه، تكريماً له على جريمته النكراء!.. هؤلاء الساركوزيّون الذين يلفظون الشهادتَيْن، ويرفعون الشعارات الإسلامية كما يرفع الأسديّون الطائفيّون –تقيةً- شعارَ الوحدة والحرية والصمود والتصدّي والممانعة، منذ أكثر من أربعة عقود.. هؤلاء الساركوزيّون المعاصِرون جميعاً، عليهم أن يُعيدوا النظر في عقيدتهم وإيمانهم وحقيقة إسلامهم.. لينظروا، هل هم يعبدون الله عزّ وجلّ وحده لا شريك له، أم يعبدون طاغيةَ الأسديّين الطائفيين؟!.. أم يعبدون الدرهم والدينار والليرات الأسدية والشقق المفروشة والفنادق خمس نجوم؟!.. (تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ عبد الدرهم، تَعِسَ عبد الخميصة..) رواه البخاري.

ليت ساركوزي وكل الساركوزيّين، يملكون قليلاً من سعة الأُفُق، وبعضاً من العقل الاستراتيجيّ، ليكتشفوا –قبل فوات الأوان- أنّ مصلحتهم هي مع الشعب السوريّ لا مع طُغَاته.. وأنّ مستقبل علاقتهم بمنطقتنا ووطننا يحدّدها عشرون مليوناً من السوريين لا بضع مئاتٍ من الطائفيّين المجرمين المتسلّطين النهّابين.. وأنّ الحرية هي الأصل الصحيح الثابت لا الاستبداد، وأنّ الحقَّ حقٌ والباطلَ باطل، وأنّ غد الحرية لشعب سورية آتٍ بإذن الله، مهما زوّر المزوِّرون، أو تواطأ المتواطئون.. بل مهما تكاثر الساركوزيّون!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام