مفاوضات .. ومستعمرات

أ.د. حلمي القاعود

مفاوضات .. ومستعمرات

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أ. د حلمي محمد القاعود

أعجب كثيرا لإصرار فخامة الرئيس آية الله محمود رضا عباس ميرزا , رئيس سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في رام الله , علي مواصلة التفاوض العبثي مع رئيس الوزراء النازي اليهودي المتهاوي تحت ضربات التحقق والإدانة لدرجة أنه لن يكمل – حسب بعض المراقبين – شهرا أو شهرين في منصبه , ولن يحقق التفاوض معه علي فرص ايجابية أية ثمار لحل المشكلات المؤقتة التي يعانيها الشعب الفلسطيني , أو حل القضايا الأساسية التي يفترض أن يتفق عليها المفاوضون .

لقد هرول فخامة الرئيس عباس إلي القدس المحتلة , وعانق أيهود أولمرت , عناقا حارا , وهو يستمع إلي أصوات رفاقه ومعارضيه , تطلب منه الرحيل والخروج من كاد يما ولزوم بيته وانتخاب زعيم آخر يقود الكيان الصهيوني بصورة أفضل . ولكن فخامة الرئيس لم يعبا بتلك الأصوات وأصر علي مواصلة الذهاب إلي صديقه الحميم الذي لم يعد يملك من الأمر شيئا في القدس المحتلة ليقضي معه الساعات , يخرج بعدها السيد صائب عريقات المسئول عن فريق التفاوض الفلسطيني ليقول إن هناك اختلافا عميقا بين الطرفين حول قضايا التسوية النهائية وان الفريق النازي اليهودي متمسك بمواقفه في تفسير هذه القضايا التي تعني دون أن يقول ذلك صراحة – أنه لا انسحاب من القدس , ولا عودة للاجئين ولا حدود 1967 , ولا كلام في المياه ولا حديث في المستعمرات .. أي إن القوم الغزاة النازيين اليهود يقدمون لعباس ما تبقي من كانتونات يكون حارسا عليها وهي خالية من الإرهاب ( المقاومة ) والسلاح والدعاية ضدهم . أي كانتونات ملحقة بالكيان الغاصب قبل 1948 مقطعة الأوصال بالمستعمرات والسواتر الرملية والحواجز العسكرية .

كل جلسات التفاوض الثماني عشرة بين عباس وأولمرت لم تنتج شيئا إلا مشاهد العناق والقبلات وشيئا آخر مهما وخطيرا . .

هذا الشيء هو الإعلان قبل كل جلسة عن بناء المزيد من المستعمرات . وقبل الجلسة الأخيرة في 2/6/2008م – وأظنها كذلك – أعلن أيهود اولمرت عن مناقصة لبناء تسعمائة مسكن في القدس الشرقية التي احتلت في عام 1967 ؛ ولم يراع  أن صديقه عباس سيزوره في الغد وسيعانقه عناقا حارا ويلتقط لهما المصورون صورا تذكارية تاريخية تنشرها الصحف والتليفزيون في شتي أنحاء العالم .

المستعمرات تهويد عملي للأرض العربية وتهويد للمدينة المقدسة التي حررها صلاح الدين من الصليبيين قبل ثمانمائة عام ، وهو ما يعني أن المفاوضات طريق عبثي للندامة وليس طريقا سليما أو مستقيما لاستعادة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني .

قال المدعو عبد ربه : إن لم تتوقف المستعمرات ، فستكون هذه نهاية أنا بوليس !! ولم يقل لنا الثوري السابق ما هو الخيار البديل لطريق الندامة ! بعد أن تم تنظيف الضفة من أفراد المقاومة ، وتجريدها من السلاح ، وتقديم أبنائها مجانا لسجون العدو !

كان الأولي بفخامة الرئيس ومساعده الشيوعي المتأمرك أن يسلكا طريق السلامة وهو أقصر من طريق المفاوضات العبثية بكل تأكيد ويتمثل هذا الطريق في إصلاح ذات البين وتوحيد الفصائل والتماسك الوطني في مواجهة الغزاة الأشرار، لكنهما  نكصا علي عقبيهما وألقيا أذنيهما للولايات المتحدة والغزاة النازيين اليهود , وعدّا ( حماس ) والفصائل المقاومة خطرا يجب القضاء عليه وسحقه وتفريغ الضفة والقطاع من كل أثر للمقاومة أو المقاومين وظنا أن ذلك سيقرب يوم التحرير ولكن هذا اليوم لم يأت حتى الآن ، وأيضا فإنهما لم يستطيعا القضاء علي المقاومة أو منظماتها .

ومع كل التنازلات والأحضان والقبلات لم يقدم الغزاة النازيون شيئا يذكر بل إنهم زيادة في البجاحة والإجرام يستبيحون مدن الضفة ، ويقتحمون بيوتها ومؤسساتها ويقبضون علي الفلسطينيين العزل ، ويضعونهم في السجون النازية اليهودية ، وتساعدهم في ذلك قوات الأمن الفلسطيني التابعة لفخامة الرئيس والموالية لتلميذه دحلان .

 إن الغزاة النازيين اليهود لا يفكرون في السلام ولا يسعون إليه ولا يريدونه ، لأنهم أقوياء ولا يخسرون شيئا يذكر ، بل إنهم يبحثون عن مزيد من القوة ، والنازي اليهودي أولمرت يطير بعد مفاوضاته العبثية مع أبي مازن إلى واشنطن ليتفاوض على طائرات هجومية من طراز إف 35 ، وشبكة مضادة للصواريخ القصيرة تؤمن جنوب الكيان الغاصب ، واليهود الغزاة يفكرون الآن في مرحلة ما بعد عباس : من الذي سيخلفه ؟ وكيف سيتعامل معهم ؟ ثم وهو الأهم كيف يمكنهم العمل علي استمرار شق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وتحويل الصراع من مواجهة بين الشعب الفلسطيني والغزاة إلي مواجهة بين فتح وحماس وبين الاثنين والجهاد أو التحريض للإيقاع بين الإسلاميين والعلمانيين أو بين أهل الضفة وأهل غزة علي أساس عنصري وقبلي .

والغزاة النازيون اليهود لا يخافتون بمخططهم هذا بل يعلنونه في صحفهم وإعلامهم ويسعون للاستفادة من كل العناصر والمواقف التي تؤدي إلي التمزيق والتفتيت مع ملاحظة أن هذا ديدنهم وهدفهم منذ وطئت أقدامهم أرض فلسطين قبل مائة عام أو يزيد فقد كانوا يحرضون الفرقاء الفلسطينيين ضد بعضهم بعضا ، واستغلوا جيدا " نقطة الضعف" الواضحة في العرب عامة والفلسطينيين خاصة ، وهي حب الزعامة والقيادة ولو كانت علي حساب المصالح الوطنية والاجتماعية فراحوا ينفخون فيها لإشعال النار وتوريث البغضاء ونسيان القضية ..

التاريخ يقول لنا إن العائلات الكبيرة الخمس في فلسطين كانت سببا في تدهور التماسك الفلسطيني قبل 1948 وإن الأنانية بين قيادات العمل العسكري والفدائي في عام 1948 كانت عنصرا فعالا في سقوط القسطل والقدس الغربية ولا أريد أن أفصح أكثر من ذلك .. لقد استمر مسلسل الخلافات والشقاق حتى يومنا هذا ، وهو ما جعل بعض الفلسطينيين يبدو ناطقا بلسان الغزاة اليهود أكثر مما ينطق بلسان الشعب الفلسطيني الأسير وتأمل عدد  المنظمات الفلسطينية وعديد الآراء التي تحكم أطرافها ، وقارن ذلك بما فعله الجزائريون في أثناء مقاومة الاحتلال الفرنسي والفيتناميون في مواجهة الاحتلال الأمريكي علي سبيل المثال , ستجد قيادة عسكرية واحدة وقوات مقاومة واحدة وتصحيح الأخطاء أولا بأول في ظل وضوح هدف ووحدة غاية ..

لقد بحت الأصوات من أجل أن يتوحد الفلسطينيون تحت راية واحدة وغاية واحدة وقيادة واحدة ولكن لا حياة لمن تنادي .. إذا قبل فريق الاستجابة فإن الآخر يرفض ويتعالي ويتغطرس علي أشقائه وإن كان يقبل ويستخزي ويتذلل أمام العدو النازي اليهودي وهو أمر مريب .

كان الناس يتوقعون أن تكون الانتخابات التشريعية الديمقراطية في عام 2006 طريقا للتوافق الفلسطيني والعمل المثمر ولكن الولايات المتحدة والغزاة اليهود لم تعجبهم نتيجة الانتخابات فحرضوا فريقا علي فريق وأغروا فريقا بالمال والسلاح لينقض على الآخر ،فانفصمت عروة التوافق وانقسمت السلطة الإدارية المحدودة إلي سلطتين وراح الفريق الناكص علي عقبيه يمضي في طريق الندامة، ويعلق آمالا واهية علي وعود كلامية لم تثمر إلا خرط القتاد والمزيد من الفرقة والآلام .

يا أنصار حرية التعبير ؟!

في معرض الكتاب الدولي – الدورة 26 - بتونس الخضراء ، قامت السلطات بمصادرة آلاف الكتب الإسلامية ؛ التي سمتها كتبا " ظلامية " ( هل يشرح لنا أحد المقصود بالكتب الظلامية ؟)، وقال مدير المعرض أبو بكر بن فرج " إنه لا يمكن لمعرض تونس الدولي للكتاب أن يقبل تحت أي ظرف (؟!) مشاركة أعمال تنشر خطابات أيديولوجية ظلامية تتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع التونسي !"وأضاف المذكور أنه " ليس لدينا مشاكل مع الكتاب الديني ( لعله يقصد الكتاب الديني غير الإسلامي لأنه لا يستطيع هو ولا من فوقه أن يقتربوا منه ) لأن تونس دولة الإسلام وصورته الحقيقية !!" ( صحف 27/4/2008م) ..

ونحن نسأل السادة بتوع التنوير وحرية التعبير ما رأيهم في حكاية الكتب الظلامية هذه؟ وهم يتنادون ويعلنون الحرب العالمية إذا اعترض أحد ، مجرد اعتراض ، على كلام سخيف ساقط لأحدهم من عينة " تزغيط البط " الذي  يسيء إلى الذات الإلهية ؟

ليتهم يتكلمون..!