حَبلُ النجاة الأخير للنظام الأسديّ
حَبلُ النجاة الأخير للنظام الأسديّ:
نتفاوض مع (إسرائيل) لتوقيع اتفاقية سلام
د.محمد بسام يوسف*
ليس لبنان سوى بطاقة نفوذ، يحاول النظام السوريّ استخدامها، لتعزيز موقعه وحماية نفسه وعرشه من العواصف التي تهبّ على منطقتنا بين الحين والآخر، وكذلك حال العراق الذي تعاضد عليه نظام أسد مع النظام الإيرانيّ الفارسيّ، ليكون بطاقةً ثانية، يستخدمها النظامان لتعزيز عوامل وجودهما، ولابتزاز بعض المكاسب والنفوذ، خلال عملية التنافس الفارسية-الأميركية على منطقتنا العربية والإسلامية، علماً بأنّ النظام السوريّ نفسه، قد قدّم سورية بطاقةً من بطاقات الابتزاز والنفوذ، إلى حليفه الإيرانيّ.
بعد طرده من لبنان، عاد نظام أسد إليه عن طريق عملائه من حزب خامنئي اللبنانيّ، وبعض حلفائه الذين استخدمهم الحزب أداةً ديكورية، لإبعاد الصبغة الطائفية عن المعارضة الشيعية، التي تأتمر بأمر الوليّ الفقيه الفارسيّ الإيرانيّ، وتستقبل الدعم اللوجستيّ من الحليف الطائفيّ السوريّ. وقد قام النظام الأسديّ متعاضداً أيضاً مع حليفه الإيرانيّ الفارسيّ، منذ طرده من لبنان، بإرهاق الساحة اللبنانية، بتدخّلاته وعَبثه فيها، وذلك بعمليات الاغتيال والتخريب والتحريض وتهديد السلم الأهليّ اللبنانيّ، وإيصال البلاد إلى حالة الاحتقان السياسيّ والطائفيّ، وتعطيل الحياة السياسية اللبنانية.. كل ذلك بهدف إبعاد شبح المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، وهو الهدف المرتبط مباشرةً بالهدف الأعظم: حماية النظام من السقوط، وحماية عَرشه من الاهتزاز.
في العراق، ظهرت في الآونة الأخيرة علامات التوافق الأميركيّ الإيرانيّ، بالحملات الأميركية ضد ميليشيا الصدر، إحدى المؤسّسات الشيعية المصنَّعة إيرانياً، هذه الحملات التي تشترك فيها حكومة الاحتلال العراقية المدعومة إيرانياً.. وبذلك بدأ النظام السوريّ يفقد إحدى بطاقاته التي لعب عليها طويلاً في الساحة العراقية!.. وفي لبنان، تصاعدت الأحداث باحتلال حزب خامنئي اللبنانيّ لبيروت الغربية، وظنّ النظام السوريّ بأنه قد عزّز موقعه العابث بالساحة اللبنانية، لكنّ توقيع اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية يوم الأربعاء في 21/5/2008م، أطاح بكل آمال النظام باستمرار امتلاكه للبطاقة اللبنانية، فيما انعكست تلك الأحداث على حليفه الشيعيّ اللبنانيّ، بحالة الغضب الشعبيّ والرسميّ العارم من سلوكه الإجراميّ باحتلال بيروت، وما رافق ذلك من ارتكابٍ لكل المحرّمات بحق الشعب اللبنانيّ، لاسيما بحق أهل السنة، الذين تزيد نسبتهم في سورية نفسها على الثمانين بالمئة.. وأصبح سلاح حزب خامنئي اللبنانيّ، لأول مرةٍ في تاريخه، مَحَطّ تساؤلٍ واضح، ومَثار جدلٍ حقيقيّ، ليس في لبنان وحده، بل في كل بلاد العرب والمسلمين، وهذا في واقع الأمر، لا يعكس إلا حقيقةً واحدة: هزيمة الحزب، وهزيمة مُحَرِّضيه من حلفائه، أولهم نظام بشار أسد، فمهما قيل عن نتائج حوار الدوحة، وعن الغالب والمغلوب فيها، تبقى الحقيقة واضحةً في الشارع اللبنانيّ والشارع العربيّ والإسلاميّ، وهي انكشاف الدور المشبوه لهذا الحزب التابع للوليّ الفقيه الفارسيّ الإيرانيّ، وانكشاف زيف شعاراته وزعمه بأنه حزب مقاوِم للعدوّ الصهيونيّ، وانكشاف الحقيقة الباطنية لزعيم هذا الحزب، الذي طالما غرّر باللبنانيين والعرب والمسلمين، بزعمه أنّ سلاح حزبه غير موجَّهٍ إلى لبنان وصدور اللبنانيين، فغدا هذا الحزب –أخيراً- عارياً تماماً، في ساحات بيروت وشوارعها التي سطا عليها بقوّة السلاح، ما ألهب صدور اللبنانيين وأهل السنة في سورية والعالم كله، ضده وضد حلفائه الفرس والأسديين.. وهذه في الحقيقة هي جوهر الهزيمة التي مُنِيَ بها الحلف الاستراتيجيّ (الإيرانيّ- السوريّ-حزب خامنئي اللبنانيّ).. ومن هذه الحقيقة، ننظر إلى التسارع المريب في التجاوب لحل الأزمة، قبل أن تتسارع الأحداث باتجاه مقاومة اللبنانيين لهذا الحزب الذي فقد كل مبرّرات وجوده، فقد ضاقوا ذرعاً به وبحلفائه وبدوره المشبوه.
(جَرِّبونا)!.. هكذا كان يصرخ بشار أسد، فَيَصل صراخه إلى تل أبيب، لكنّ الذي كان يجري بين النظام الأسديّ (الممانِع) والكيان الصهيونيّ من وراء حجاب، ما كان يظهر سوى لِماماً، تارةً على لسان رجل الأعمال السوريّ الأميركيّ الطائفيّ (إبراهيم سليمان)، وتارةً بمصافحةٍ متلفَزَةٍ لكاتساب يقترفها بشار أسد، وتارةً بتصريحاتٍ خفيةٍ يتولى كِبرها سفير النظام في واشنطن.. إلى أن وقعت الهزيمة الحقيقية للنظام، بتوقيع اتفاق الدوحة، وبدا أنّ العبث في الساحة اللبنانية، لا يمكن أن يستمرّ بنفس القوّة التي كانت تجعل من لبنان بطاقة مساومة، فما كان من حَلٍ سوى الإعلان رسمياً، عن قيام مفاوضاتٍ للسلام بين النظام والكيان الصهيونيّ، إذ كان هذا الإعلان المنسجم مع التصريحات العديدة التي صرّح بها قادة الكيان، بأنّ [نظام بشار أسد هو خيار (إسرائيليّ)، لأنه نظام يلتزم بتعهّداته في حماية (إسرائيل) على جبهة الجولان].. كان مَلجأً للنظام، وملاذاً يحميه من الضعف فالسقوط، وذلك بعد سقوطه من الحسابات، في لبنان الذي كان يستخدمه ورقةً تقي عرشه من الاهتزاز!..
الساحة اللبنانية، مجرّد بطاقةٍ امتلكها النظام الأسديّ، ثم سقطت من يده مؤخّراً، بسقوط حليفه الطائفيّ: حزب خامنئي اللبنانيّ، فما بال الأوراق الباقية التي يتشبّث بها هذا النظام المخادِع (وليس الممانِع)؟!.. سؤال موجَّه إلى (الكِنّة)، فهل ستسمع (الجارة): حماس، و(الجارة الثانية): الجهاد الإسلاميّ؟!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام