وثائق مضروبة ... وكذب مفضوح

أ.د/ جابر قميحة

وثائق مضروبة ... وكذب مفضوح

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

تُعرف الوثيقة أو الميثاق، بما يدل على الثقة في حالة الائتمان. والميثاق : العهد، والجمع مواثيق. والوَثَاق بفتح الواو وكسرها الرباط القوي. ويمكن أن نعرِّف الوثيقة في إيجازٍ أشد وتبسيط أوضح بأنها تعني عملاً مكتوبًا، يشمل مراسيم، أوقوانين ذات مضامين اجتماعية، أو سياسية جادة، يرجع إليها عند البحث والدراسة.

ويجب أن يتوافر في الوثيقة طوابع وصفات أهمها:

1 ـ جدية المضمون، وصدقية المحتوى، بعيدًا عن الكذب والتهريج.

2 ـ واقعية المعالجة للموضوعات بعيدًا عن التهريج والخيال.

3 ـ المرونة دون تزييف، أو تفريط او إفراط .

*  *  *

ولكننا للأسف نرى أعضاء مدرسة المستنقع للكتابة والصحافة يخوضون كل مخاض ويستهينون ما شاءت لهم الاستهانة.

إن العاقل -أي عاقل- بصرف النظر عن حظه من العلم والثقافة, لتأخذه الحيرة في «توصيف» العهد الذي نعيشه بصفات جامعة مانعة. ولا أملك إلا أن أذكر بعض ملامحه, لأنه كل يوم يفاجئنا بجديد لا يخطر علي البال, وهو جديد قد يكون غارقًا في مستنقع الغلط والخلل والعبث والتناقض, ولكن «المبررين» إخوان الشياطين جاهزون دائمًا لتجميل القبيح, وتزيين المشوه, ورفع شأن المختل, وعلي رأس هؤلاء " أعضاء هيئة التدليس بمدرسة روزليوسف", وأمير «حالة خُوار» -بالخاء- لا الحاء. وذلك المتثائب, الذي أوهموه بأنه «مفكر» إسلامي, ويدّعي في «حالة الخوار» أن عنده من «الوثائق» ما ينسف به الإخوان, ويزلزل الأركان, وتسير به الركبان من إنس وجان

ولأعد إلي «التوصيف التقريبي» فأقول : إنه عهد السقوط والهبش والهبر والتناقض والتزوير والادعاء, والتوثين والكذب, والاستهانة بالقيم والعدل والشعب وكرامة الأمة.

وفي هذه الأيام أصبح الإخوان المسلمون هم الهدف الوحيد لسهامهم السوداء , فالإعلان عن رأيهم تدمير وهدم, والتظاهر السلمي البريء فتنة وإثارة وتحريض علي التخريب, وكتلتهم في مجلس الشعب تعني «جهازًا سريًا» خطيرًا علي حاضر الأمة ومستقبلها, واستجواباتهم ومناقشتهم لسياسة الحكام يقصد بها النيل من الأمن والاستقرار, وإحداث الفتن في صفوف الأمة.

والكذب والتضليل من فضائل هذا النظام المنخور المدحور , ولا ننسي ما ادعوه من ضبط وثيقة خطيرة جدًا.. سرية جدًا.. وقعها النائب الثاني للإخوان المهندس خيرت الشاطر.. خطط فيها «لإعادة فتح مصر» (!!!)

وكأنما عز علي هؤلاء أن يوقفوا سلاح «الوثائق المدّعاة» المحمولة على الإخوان , والمنسوبة إليهم , فقرأنا في «أهرام» الجمعة 19/5/2006 عنوانًا ص12 نصه: «الأهرام حصل علي وثيقة خطيرة: جماعة الإخوان تدعو للخروج في مظاهرات» واعتقدت من أول وهلة - من وصف الوثيقة بالخطورة - أن من مضامين هذه الوثيقة أن الإخوان يدعون الجماهير لحمل السلاح والقنابل اليدوية وكوكتيل مولوتوف والسيوف والرماح والسنج والمسدسات, والخروج في مظاهرات تضرب وتحرق وتدمر... و.... و......

ولكني بعد أن قرأت نص هذه الوثيقة التي عرضها صحفي لا أعرفه اسمه أحمد موسى .. عرفت المعني الدقيق للسذاجة والعبط و«الريالة».

  تقول الوثيقة الأهرامية الأحمدية الموسوية: «ضبطت الوثيقة في التحرك الإخواني الذي يخضع أفراده للتحقيق, وتم حبسهم علي ذمة التحقيقات , وتضمنت الوثيقة 12 بندًا توضح أهمية المظاهرات , وأنها تعد نوعًا مشروعًا من إنكار المنكر, وأن الأصل فيها – شرعًا - الإباحة وأن التظاهر أصبح مقياسًا من مقاييس الرأي عند الأمم, وتخاطب الوثيقة الناس في النهاية فتقول: إن لم نظهر موقفنا وحميتنا وصوتنا, وتعاطفنا مع إخواننا المقهورين فماذا بقي ? ! ».

والكذب هنا مفضوح, فالإخوان ليسوا في حاجة إلي كتابة مثل هذا الكلام الساذج!! وعلي فرض أنهم أصحاب «الوثيقة» فأين عنصر الخطورة فيها?! وأي عنصر من عناصرها يخالف الدستور?

*  *  *

حقًا إنه من قبيل العبث ولعب العيال يا سيد أحمد موسي  . ويشاء الله أن ينشر الأهرام علي يمين هذه «الوثيقة» الخبر التالي ونصه:

«..ألقت الأجهزة الأمنية القبض علي حسن إبراهيم حسن 26 سنة «استورجي» في أثناء وجوده بشارع 26 يوليو المواجه لدار القضاء العالي, وتبين أنه يرتدي حزامًا خشبيًا حول جسده وموصلاً به مجموعة من الأسلاك وصواريخ الأطفال. وتعاملت الأجهزة الأمنية مع المتهم, وقامت باستدعاء سيارة مزودة بالكلاب المدربة للبحث عن المواد المتفجرة».

وما أراه أنا إلا واحدًا من الشعب أراد أن يعبث بهؤلاء «النشامي» ويكشف تهويلهم وأقول: إن هذ الوثيقة الخطيرة لا تختلف عن هذا «الحزام الخشبي العيالي» المزروع بصواريخ الأطفال..

وإذا لم تستحي فاكتب ما شئت.

وأصبحت كلمة الوثيقة تستعملُ استعمالاً سيئًا، وتأخذ مفهومًا تابعًا لهوى هؤلاء:

فقرأنا عن (وثيقة إعادة فتح مصر!!) التي نسبها حمدي رزق للمهندس خيرت الشاطر.

وقرأنا عن وثيقة تصم الإخوان بالعمل لتشكيل تكوينات سرية، وغيرها الكثير والكثير.

ويتسع هواهم إلى التقول على فضيلة المرشد، نشر أحمد موسى في أهرام 14/4/2007م الخبر التالي:

في الوقت الذي تبحث فيه قواعد جماعة الإخوان المحظورة عن ثمن الدواء، نجد أن المرشد مهدي عاكف يتجول في المدن، والمحافظات الساحلية للبحث عن مطاعم الأسماك الشهيرة من العين السخنة للإسكندرية؛ ليتناول وجباته الغذائية المفضلة ويدفع قيمة الفواتير بمبالغ كبيرة لا تتناسب مع حالة الزهد التي يحاول المرشد، ورفاقه الظهور بها لكسب تعاطف الغلابة، فالرجل لا يعنيه من هم داخل السجون، فهو ينام مرتاح البال دون مبالاة ويبدو أنه ذهب هذه المرة لأحد المطاعم الشهيرة بالإسكندرية لتناول الغذاء المفضل للهروب من تساؤلات قواعده عن الذمة المالية، والأموال التي تدخل للجماعة دون حسيب أو رقيب.

وحتى تكون قواعد المرشد شاهدة على تصرفاته فأقدم إليهم قائمة بفاتورة الغداء الذي تناوله عصر يوم الجمعة 6 إبريل الحالي بمطعم شهير بالإسكندرية وشملت أنواعًا مختلفة وهي: 6 كيلو بوري بمبلغ 224 جنيهًا، و 2 كيلو سمك موسى بمبلغ 136 جنيهًا، 2.5 كيلو جمبري جامبو 484 جنيهًا، وكيلو سبيط بمبلغ 60 جنيهًا، 2 كيلو برببون 172 جنيهًا، و 3 شوربة سيفود بمبلغ 60 جنيهًا، وبلغت فاتورة غداء المرشد وصديقيه 1136 جنيهًا (ألف ومائة وستة وثلاثون جنيهًا) بالهنا والشفا!!

ومضمون الخبر يعني أن كل واحد من الثلاثة أكل خمسة كيلو جرامات من السمك، هذا غير الأرز والخبز، والسَّلطات. وهذا ما يعجز عنه أي آدمي حتى لو رزق بأضعاف أضعاف ما يملكه من أمعاء.

وهذا يدل على مدى ارتباط وثائق هؤلاء بالكذب المفضوح.

لقد اشتدت محاولة الإساءة إلى سمعة الإخوان في هذه الأيام ـ مع قرب انتخابات الشورى ـ حتى أصبحت عادة لا تتخلف أبدًا. وعلى سبيل التمثيل نقرأ في الأهرام بالمانشيتات الكبيرة، العناوين الآتية:

ـ أسرار فتح حوار بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان.

ـ السفارة الأمريكية نظمت اللقاء المنفصل بين نائب إخواني وعضو بارز بالكونجرس.

(الأهرام 14 / 4/ 2007).

ـ فشل مشروع الإخوان الوهمي للإعلان عن حزب سياسي مدني.

ـ الجماعة تمارس الشغب السياسي، والترويج الدعائي لإبراز وجودها على الساحة.

(الأهرام 21 / 4/ 2007م).

ـ توالي المفاجآت في وثيقة جديدة من عضو مجلس شورى المحظورة.

ـ الشاطر وعزت يقودان التنظيم الخاص السري للإخوان.

(الأهرام 28/ 4/ 2007م).

في وثائق جديدة ينشرها الأهرام:

ـ الإخوان يعترفون بمجموعة في الظل تدير شئونهم.

(الأهرام 5 / 5 / 2007م).

وأصحاب هذه (الوثائق) استحلوا كل القيم الهابطة وخصوصًا الكذب والتزييف.

ويا ليتهم وصلوا إلى مستوى عربي كافر وهو أبو سفيان الذي رفض أن يكذب مع أنه كان كافرًا بالإسلام.

قال أبو سفيان: فوالله أنا لبغرة إذ هجم علينا صاحب شرطته فقال أنتم من قوم هذا الرجل الذي بالحجاز؟ قلنا نعم. قال انطلقوا بنا إلى الملك. فانطلقنا معه فلما انتهينا إليه قال : أنت من رهط هذا الرجل؟ قلنا نعم. قال : فأيكم أمس به رحمًا؟ قلت أنا. قال أبو سفيان: وايم الله ما رأيت من رجل أرى أنه كان أنكر من ذلك الأغلف يعني هرقل. فقال: ادنه فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي. ثم قال: إني سأسأله فإن كذب فردوا عليه، فوالله لو كذبت ما ردوا عليَّ ولكني كنت امرأ سيدًا أتكرم عن الكذب وعرفت أن أيسر ما في ذلك أن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك على ثم يحدثوا به عني، فلم أكذبه. فقال أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدعى ما يدعي. قال فجعلت أزهد له شأنه وأصغر له أمره. وأقول له أيها الملك ما يهمك من أمره؟ إن شأنه دون ما يبلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك. ثم قال: أنبئني عما أسألك عنه من شأنه. قلت سل عما بدا لك. قال كيف نسبه فيكم؟ قلت محض أوسطنا نسبًا. قال فأخبرني هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما قال فهو يتشبه به؟ قلت لا. قال فأخبرني عن أتباعه منكم من هم؟ قال قلت الضعفاء والمساكين والأحداث والغلمان والنساء.

وأما ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد. قال: أخبرني عمن تبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قال قلت: ما تبعه رجل ففارقه. قال: أخبرني كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال قلت سجال يدال علينا وندال عليه. قال فأخبرني هل يغدر؟ فلم أجد شيئًا مما سألني عنه أغمزه فيه غيرها.

قلت لا ونحن منه في هدنة، ولا نأمن غدره. قال فوالله ما التفت إليه مني ثم كر علي الحديث.

قال : سألتك كيف نسبه فيكم فزعمت أنه محض من أوسطكم نسبًا، وكذلك يأخذ الله النبي إذا أخذه لا يأخذه إلا من أوسط قومه نسبًا. وسألتك هل كان أحد من أهل بيتك يقول بقوله فهو يتشبه به فزعمت أن لا. وسألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث، يطلب به ملكه فزعمت أن لا. وسألتك عن أتباعه أنهم الضعفاء والمساكين والأحداث، والنساء، وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان. وسألتك عمن يتبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه، فزعمت أن لا يتبعه أحد فيفارقه وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا فتخرج منه. وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا. فلئن كنت صدقتني عنه ليغلبني على ما تحت قدمي هاتين ولوددت أني عنده فأغسل قجميه. انطلق لشأنك. قال فقمت من عنده، وأنا أضرب إحدى يدي بالأخرى، وأقول : أي عباد الله لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة ( محمد ) ، أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام. قال : وقدم عليه كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذ الكتاب فجعله بين فخذيه وخاصرته.

*  *  *

ومما يؤسف له أننا نرى أعضاء هيئة التدليس بمدرسة المستنقع الصحفية – من أمثال كرم جبر , وعبدالله كمال , وحمدي رزق , وأحمد موسى , وغيرهم ...ينكرون على الإخوان وجودهم , ولا يعبرون عن الجماعة إلا ب " المحظورة " . وكل أولئك هراء لا قيمة له , بل إنه يأتي بنتيجة عكسية , فتزداد شعبية الإخوان , والتفاف الشارع المصري حولهم . ورب ضارة نافعة  .

  وهذه الحال تذكرني بعجز الخليفة هشام بن عبد الملك عن لمس الحجر الأسود بسبب شدة الزحام , وتدافع الطائفين . فلما ظهر زين العابدين  علي بن الحسين بن علي ليطوف بالكعبة ,  ويقبل الحجر الأسود , أخلى له الناس المكان طواعية وحبا . فكاد هشام يتفج نقمة وغيظا , فقال – وهو ينظر إلى زين العابدين نظرة احتقار وإزراء – من هذا ؟؟؟  

فقال الشاعر الفرزدق , على البديهة :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته         والبيت  يعرفه   والحل  والحرمُ

هذا  ابن  خير  عباد  الله كلهمو        هذا  التقي  النقي  الطاهر  العَلمُ

وليس  قولك : مَنْ  هذا بضائرهِ        العُرْب تعرف من أنكرتَ والعجم

*  *  *

نعم – يا مدرسة المستنقع – إن الإخوان المسلمين تيار أقوى من أن يدفع , أو يحظر , والبقاء للأصلح دائما . وقد قال تعالى  : وكان حقا علينا نصر المؤمنين.