أيام إيران الصعبة

د. أديب طالب

لن تمنع المحادثات الأميركية ـ الإيرانية القادمة

د. أديب طالب *

[email protected]

اتّضح للعالم ان ثمة أياماً صعبة، عاشتها وتعيشها وستعيشها مستقبلاً الدولة والمجتمع الايراني، ستعيشانها معاً، حيث اتضح وهو الأهم، انه لم يعد ثمة اجماع شعبي على شرعية السلطة ـ المغتصبة للسلطة عبر تزوير انتخابي مدعوم من الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات ـ الحاكمة في ايران بقيادة نجاد ادارياً، وبقيادة المرشد الأعلى السيد خامنئي دينياً وسياسياً. ثمة أسباب غير مباشرة للانتفاضة الشعبية الخضراء بقيادة موسوي وخاتمي وكروبي، غير ناسين أو مهملين السبب المباشر وهو اهانة ملايين الناخبين الايرانيين عبر خيانة الأمانة الانتخابية والتزوير الفاضح الوقح، أهم هذه الاسباب: واحد، أكثر من ثلاثين مليون ايراني فقراء من اصل 70 مليون وفق احصاء عام 2008 ووفق بيانات هيئة الأمم المتحدة. اثنان، لم تتجاوز حصة الفرد من الدخل القومي الـ1800 دولار سنوياً، وبقيت ايران في المرتبة الـ95 من أصل الـ173 دولة في العالم شملها تقرير التنمية البشرية لعام 2007 ـ 2008، علماً انه وفق المقاييس الدولية لمعدل التنمية، كان من الطبيعي ان تكون في المرتبة الـ50. ثلاثة، أنفقت ايران على قطاعها العسكري ثلاثة أمثال ما أنفقته على قطاعي الصحة والتعليم، في الوقت الذي لم تهدد فيه أي دولة ايران، ايران هي التي هددت أمن واستقرار دول المنطقة بكاملها مذ قامت بـ"ثورتها" عام 1979، وما تزال!، اربعة، تجاوزت البطالة الـ28% والتضخم تجاوز الـ30%، خمسة، لكل ألف ايراني 95 خط هاتف ثابتا، ومكتبة لكل 80 ألف مواطن، و165 تلفزيون لكل 1500 من السكان. ويبدو كم ان حجم الخلل كبير، عندما نتذكر، بأن ارتفاع أسعار النفط في عامي 2007 و2008، الارتفاع فقط، أدخل في الخزانة الايرانية 170 مليار دولار فقط!.

أيام ايران الراهنة والمقبلة، لن تكون سهلة على الحكام والمعارضين الخضر، وكما الحال في جار ايران الأهم وهو العراق الذي بشّره الرئيس الأميركي باراك أوباما بأيام صعبة رغم انسحاب القوات الأميركية "المحتلة" من المدن العراقية ـ يوم الانسحاب، 30 قتيلا في كركوك ـ. الرئيس أوباما، مؤكد، أنه يعرف ان أيامه التفاوضية القادمة مع حكام ايران "المجدد لهم زوراً وبهتاناً ـ لن تكون بصعوبة أيامهم، رغم النبرة العالية لأصواتهم، بعد أن أعلنت الانتخابات المزورة انقسام الأمة الايرانية داخلياً أكثر منه خارجياً. ويعرف السيد أوباما أيضاً ان أولئك الحكام مأزمون، وظهورهم الى الجدار، مهما انفتخت أوداجهم آن يلقون تبعات انقسام مجتمعهم على الخارج، طبعاً لن يكونوا صيداً سهلاً على طاولة المحادثات القادمة، ولكنهم لن يكونوا أيضاً بنفس القوة التي يدّعونها ويستندون اليها في صراخهم أن لهم دوراً رئيساً في ادارة العالم، ومن يتعثر في ادارة بلاده عليه ان لا يتطاول الى ذاك الدور الرئيس المذكور، وعليه أن يدرس جيداً، خطوة التاريخ الى الأمام، حين انهار الاتحاد السوفياتي "العظيم" بسوء الادارة في الداخل، رغم أنه كان ممسكاً برقاب 40% من البشرية، وعليه أن يتذكر أن الشمولية صفة مشتركة بين الشيوعية والعقيدة الايرانية السياسية والدينية الراهنة. وعليه أن يتذكر أيضاً ان العقوبات الدولية ضد ايران والتي ساعدت في اظهار معاناة المجتمع الايراني الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي استخف بها السيد نجاد واضرابه... هذه العقوبات، قادر السيد أوباما، على التشديد لها لدرجة الامتناع عن شراء النفط والغاز الايراني فيما اذا تضخمت العظمة في الرؤوس الايرانية الحامية، وفيما اذا تأخرت الاستجابة ليده الممدودة قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها بغض النظر عن النتائج، كواحدة من المسارات الأوبامية لصنع السلام في عالم شديد الاضطراب.

أيام ايران الصعبة، قد تساعد في وضعها في حدود حجمها الطبيعي الاقليمي، وقد يفيد تقصير أذرعتها الممتدة خارجاً، ان ترتد تلك الأذرعة للبناء في الصحة والتعليم وخفض البطالة والتضخم.

على المراهنين على ايران "حربجية" ان يعيدوا النظر في رهانهم. وأن يجدّوا في البحث عن الحلول لمشكلاتهم الداخلية والخارجية، معتمدين على قدراتهم الذاتية، وعلى أن التاريخ يرسم مساراته الجديدة.

              

*معارض سوري