كتّاب البلاط ..

أ.د. حلمي محمد القاعود

كتّاب البلاط ..

وثقافة الخنزرة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

الرابط الذي يجمع كتاب البلاط أو مثقفي السلطة ؛ رابط واحد اسمه " هجاء الإسلام " وإقصاؤه ، وإلغاؤه ، دون نظر للشعور العام أو الحس القومي .

قبل أيام كان أحد النواب الإسلاميين في مجلس الشعب يطرح طلب إحاطة ، يسأل فيه الوزير المختص عن حقيقة ما يقال عن افتتاح قسم لما يسمى الرقص الشرقي في أكاديمية الفنون التابعة للدولة وخزينتها العمومية ؛ على أساس أن من يقبل في هذا القسم طالبات الثانوية العامة ، ضمن التنسيق العام للقبول بالجامعات المصرية الحكومية !

انتفض مثقفو النظام البوليسي الفاشي ، وصنعوا من طلب الإحاطة مناسبة إعلامية وصحفية لمحاكمة الإسلام ودعاته ، في بلد أكثريته الساحقة ( 99% ) من المسلمين الذين يؤمنون بالإسلام عقيدة أو ثقافة ..

بدأ المحاكمة صحفي حكومي في مجلته الأسبوعية ، ونشر على الغلاف صورة لراقصة بطن شبه عارية ، وبجوارها عنوان يسخر من الإسلام وتشريعات . يقول : " الرقص الشرعي ! " ، وخصص المذكور صفحات كثيرة في العدد للحديث عن " هز الوسط " وأفضاله على مصر الإسلامية ، حيث رفع رأسها عاليا في الخافقين ،وصار علامة مميزة لحضارة رقص البطن ، وتراثها الغالي ، وراح يستفتي العوالم والغوازي ؛ بوصفهن خبيرات في هذا التراث الخالد الذي أبدعته دولة " الهشك بيشك " ، وتركته للأجيال المصرية تستضيء بنوره الوضاح ! وتباهي به أمم الأرض جميعا .

 كان من ضمن المستفتين السيد رئيس الرقابة على المصنفات الفنية ، وهو أيضا رئيس ما يسمى المجلس الأعلى للثقافة ! وقال سيادته ما معناه : إن الرقص حلال حلال حلال ! ومع أن المذكور شيوعي سابق ؛ يخدم في بلاط النظام البوليسي الفاشي ؛ وينفذ سياسته الثقافية بحذافيرها ، فقد قرر أن الرقص يستحق الصبغة الشرعية ، وليمت علماء الدين الإسلامي بغيظهم وفقههم ومفاهيمهم !

بعد يومين ؛ ظهر على إحدى قنوات رجال القروض ، مذيع ومذيعة يسألان النائب الإسلامي الذي قدم طلب الإحاطة عن مضمون الطلب وأهميته ،وقبل ذلك سخرا من الطلب وصاحبه ، وعدّا المسألة من "التفاريح " في جوّ الكوارث التي أصابت البلد ، والنظام يتخبط ويترنح ؛ فشلا وإخفاقا في مواجهتها ،ومعالجة آثارها ، مثل أنفلونزا الطيور ، وأنفلونزا الخنازير ، ومآسي سرقة الأطفال ، والاغتصاب ، وصعوبة المعيشة ، و ...

ما كاد النائب الإسلامي يبدأ كلامه بالإشارة إلى المادة الثانية من الدستور ؛ حتى ظهر الامتعاض والاشمئزاز على وجه " المذيعين " ، وأخذا يسفهان الرجل ، ويخاطبانه بلغة التقريع بمعنى لا داعي للكلام عن هذه المادة السخيفة ، وادخل في الموضوع مباشرة ، ونحو ذلك ، والنائب المسكين يحاول استجداء الكلام دون جدوى ، كلما نطق جملة أو نصف جملة ، قاطعه المحظوظان ، وأخيرا أوقفاه تماما ، لأن واحدة من العوالم أو الغوازي على الخط ، تريد أن تشرح وجهة نظرها ورأيها في المسألة " التفاريحية " ، وانطلقت الست الهانم الشريفة العفيفة تعلن عن اشمئناطها وغضبها من هذا الشخص الذي يعيش في عصر ما وراء التاريخ ، ويتكلم في موضوع لا يجوز لأمثاله أن يتكلم فيه ، لأنه فن راق تباهي به مصر الدول و الأمم والحضارات !

فهمنا من المذيع المستنير أن الست العالمة ستعين أستاذا بقسم الرقص الشرقي بالأكاديمية ، وقد أبدعت الهانم في المقارنة بين رقص الباليه ، والرقص الشرقي ، وتحدثت عن الدراسات الحرة التي ستتم في الأكاديمية تحت الإشراف الرسمي الذي يجعل الراقصة غير أميّة ، فلا تقع في مآزق عند توقيع عقود هز الوسط مع الكباريهات والفنادق والصالات وما أشبه !

انهزم النائب الإسلامي أمام الست العالمة . وهلل المذيعان لهذه الهزيمة الساحقة أمام هز الوسط الذي يعد متنفسا أو تنفيسا عن الكبت والأحوال الصعبة التي يعيشها المصريون الغلابة ، وطبعا فلا شيء يعني المذيعين المحترمين من كون هذا الرقص سيتم الإنفاق عليه من دم الغلابة والفقراء ، كما لا يعنيهما أن يبحثا عن متنفس حقيقي للمصريين التعساء ، وأيضا فإن المذيع الطيب ابن الناس ؛ لم يسأل نفسه ، لماذا يتفرج المصريون على الراقصة ولا يقبلونها زوجة . ولم يسأل نفسه : هل يرضى أن تكون إحدى قريباته راقصة تتعرى وتهز وسطها ، وتجمع النقوط ،  وتعمل في الكباريهات حتى قرب الفجر ، وتعود إلى البيت ورائحة الخمر والسهر واللهو عالقة بملابسها ؟

هناك من يفاخر بالراقصات ، ويؤكد أن هناك من يشرف أن تكون أمه فلانة أو علانة من أهل الرقص وهز الوسط ، ونحن من جانبنا نقدم له التهنئة ، ونبارك له ،ولكننا نؤكد له من ناحية أخرى أن هناك أغلبية ساحقة ترفض أن تكون أمهاتهم من خبيرات هز الوسط.. حتى لو كانت هناك ازدواجية بين الفرجة على العوالم ورفضهن اجتماعيا !

هناك شيء يسميه المصريون – بلاش الإسلام والأخلاق – الغيرة . حيث يغار الرجل ، زوجا وابنا وأخا وخالا وجدا وقريبا ونسيبا ، على المرأة قريبته ، ولا يريد أن يراها نهبا للعيون ، ومجالا تركض فيه خطط الشهوة ودروبها المظلمة ؟

إن الذي لا يعرف الغيرة يسميه المصريون خنزيرا ، لأن السيد الخنزير لا يغار على أنثاه ، ويقولون إنه لحمه حرام بسبب عدم الغيرة . هكذا يفسرون التحريم الشرعي لأكل الخنزير الذي سلكته الآيات القرآنية مع الميتة والموقوذة والمتردية والنطيحة .

ولكن يبدو أن إعلام المستنيرين ( التابع للسلطة ورجال القروض ) يريد أن ينشر ثقافة "  الخنزرة" ، أي عدم الغيرة ، أي رفض الأخلاق والقيم التي يحثنا عليها الإسلام ، والفطرة ، والشعر منذ مئات السنين ، حتى عصر شوقي صاحب المقولة الشهيرة " إنما الأمم الأخلاق .. " .

وللإنصاف فثقافة الخنزرة لم تبدأ اليوم ، ولكنها بدأت منذ زمان بعيد من أيام " بمبة كشر" ،  و"بديعة مصا بني ، و" سميرة العمشة " ، فقد صورتهن السينما والتلفزة والصحافة بطلات قوميات ، حاربن الاستعمار الانجليزي ،والاستبداد الوطني ،وحققن الاستقلال ، وصنعن الثورة ، وكافحن الهزائم ، وقمن ببطولات في عمق العدو ، ناهيك عن كفاحهن المرير في سبيل إثبات وجودهن وسط الظروف الصعبة اللاتي مررن بها شقاء وعذابا وألما في البيوت والقصور والمقابر ، وعلى يد الفتوات ؛ حماة الصالات والأفراح والمناسبات ؛ حتى صرن علامات فارقة في تاريخ مصر المحروسة ، ورفعن رأسها عاليا بين الأمم ؛ كما أشار سيادة الصحفي الحكومي في مجلته الأسبوعية بموضوعه عن الرقص " الشرعي " !

" ثقافة الخنزرة " ليست مرتبطة بعالمة أو غازية تكسب بعرق جسمها أمام العيون النهمة ، وقد تكون ظروف ما قد أوقعتها في هذه المحنة ، ولكنها سياق عام يجعل الكاتب أو المثقف أو المسئول أو المصري بعامة ، يُسقط من حساباته المعايير الخلقية ،والشرعية ، والقانونية ، والاجتماعية ، في سبيل منفعة رخيصة أو مصلحة زائلة ،ويسخر ممن يذكرونه بهذه المعايير ، ويمتعض لأن نائبا يحدثه عن " المادة الثانية من الدستور " !

الرقص الشرقي سُبّة في جبين مصر والإنسانية ، وإهانة للمرأة المصرية المكافحة الصلبة التي تغالب عذابات الواقع غير الخلقي بشجاعة ورضا ، ولا يسعدها أبدا أن تفخر بالأموال التي تقف فوقها " راقصة " وتري من خلالها زيمبابوي !

              

  حاشية :

-    خوخونة المهجر أثبتوا قوتهم في أزمة الخنازير ، وأثبتت السلطة انهيارها أمامهم ، يكفي أنها فتحت لهم إعلامها وإعلام رجال القروض .. لك الله يا مصر !

-    /span>  أستاذ الجامعة العجوز يحصل على ألفي جنيه في المتوسط ، القاضي الشاب يحصل على ما يقرب من خمسين ألفا . ووزير الجامعات يصر على إذلال الأساتذة باسم الجودة؛ ولذا حقق إنجازا هائلا بخروج مصر من تصنيف خمسمائة جامعة. ألف مبروك !

-    قتال في الصومال وباكستان وأفغانستان والعراق والضفة الغربية بين أهل السنة نيابة عن الصليبيين والصهاينة .. مع المزيد من القتلى والمهجرين .ما رأيكم دام فضلكم ؟