اللهمّ إنّي بريء من دم سليمان

مؤمن كويفاتيه

واغتيال وموت وإفراج في أسبوع واحد

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

كيف يمكن أن يتصور احدٍ إلاّ أصحاب الخيالات  المريضة أن أكون من ضمن المُتهمين باغتيال المستشار العسكري للرئيس الدكتاتور السوري المُحاط بأمن الرئاسة ، والذي يحرسه طابور طويل من المُخابرات المُدربين  ، مما يصعب اختراقه إلا على أصحاب الشأن ، ممن تُفتحُ له الأبواب من غير استئذان من حرس القصر الجمهوري ، والتي ليس إلاّ لها الحق في الدخول إلى أدق التفاصيل لهذا الضابط المكين وغيره من أركان النظام ، بينما أنا لا استطيع حتّى الاتصال بالأهل والاطمئنان على صحّة الوالد المريض ذا الثامنة والسبعين عاماً ، ليدلنا ذلك على  صحّة الأخبار التي تصلنا من المصدر ومنها صحّة خبر اغتيال المستشار العسكري وصلة الوصل مابين القصر وما بين الجهات الأمنية والعسكرية والحكومية ، ومن كان له الفضل في الترتيب لإغتيال رمز لبنان وبانيه الشهيد رفيق الحريري رحمه الله أولاً ، في أسلوب خبيث بغية أخذ المعلومة ، وكشف المُخترقين الذين يوصلون المعلومات للمعارضة ، بعد تفكك النظام ، وضعف سيطرته على المُحيطين به ، الذين أدركوا أن أيامه باتت معدودة ، ولذلك فهم يُسربون الأخبار التي في الغالب تكون صحيحة

وثانيا : صحة الأخبار التي وصلت من أنّ المغدور بالفعل قد مات برصاصتي قنّاص في الرأس والقلب و إضافة ثالثة اخترقت أمعائه ورابعة اخترقت كبده بواسطة أربعة قنّاصين كي لا يفلت من أيديهم ، وكان ذلك بعد اختفاء المغدور لأيام تعرض فيها إلى التعذيب الذي وُجدت آثاره على جسده لأخذ الإقرارات اللازمة منه ، ليُطلق سليمان فيما بعد من عندهم لتبدوا الأمور طبيعية عند قتله وبراءة النظام من دمه ، ليضعوه في المكان الذي قرروا فيه إنهاءه سواء كان على شاطئ الرمال الذهبية ، أو في الفندق الذي وُضع فيه او في الفيلة التي اقتحمها المُسلحون المُلثمون لإنهاء حياته ،لتتأكد لي هذه المعلومات التي وصلتني أكثر بعد  الاتصال الهاتفي المُفاجئ الذي جاءني بلغة المُحققين الأشاوس عن بُعد ، ومن دون مُقدمات كعادة زوّار الليل ولكن عبر الهاتف الذي لم تظهر أرقامه عندي ،حيثُ طلب احدهم منّي لاستكمال التحقيق في هذه القضية التي فتحوا فيها التحقيق بحسب زعمهم اليوم ،  أي بعد اغتيال الجنرال محمد سليمان بأسبوع تقريباً ، وطلبوا منّي معلومات بهذا الخصوص كوني من أوائل من عرف ، ليعرفوا من أين جاءهم  الاختراق في المعلومات التي وصلتني ، وكيف عرفت أنّه تعرّض للتعذيب حيثُ دققوا على هذه المعلومة كثيراً ، بُغية أخذ كلام منّي وأنا تحت تأثير النوم بأسئلتهم المُتسارعة التي لم أُجيب على شيءٍ منها ، بل كنت فيها مُستمعاً ومدهوشاً مما أسمعه ، لأُغلق عليهم التلفون في وجوههم ، بعدما قطعوا وعداً أثناء الحديث بمعاودة الاتصال صباحاً ولكنهم لم يفعلوا، بل استمروا في الاتصال فقط بعد الإغلاق  ولكنني لم ألتفت إليهم كونهم جاءوا في وقت كان الأجدى فيه أن يُعاملهم المرء فيه بازدراء ، ولكننا نعرف أسلوبهم الهمجي هذا في التعامل مع الآخرين

هذا الأسلوب فيه لغة الإرهاب التي استخدموها في حديثهم  معي بقصد الإخافة، لكنني تعاملت معهم بكل برود ، لأقوم أُصلّي الركعتين قبل الفجر التي انقطعت عنهما طويلاً ، ولأقف بين يدي الله سُبحانه وهم مُستمرون بالاتصال ، مما أزعجني ذلك ولأُغلق الهاتف تماماً فيما بعد كي لا يُشوشوا علي صلاتي ، ثُمّ قمت بالاتصال بالعديد من الأصدقاء المتواجدين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا لمناقشة الموضوع ، لكنهم كانوا على الأغلب نائمون ، وفي الصباح تناولت هذا الموضوع مع بعض الأصدقاء الذين هم معي على صلة وثيقة من باب الإعلام ، ومن الأمس إلى اليوم وأنا انتظر اتصالهم للتحقيق معهم وليس العكس لسؤالهم عن الأسباب التي دفعتهم لقتل رجلهم الجنرال، وعن سرّ التوقيت الذي كان فيه بشار الأسد في طهران لإحداث الجريمة، وعن فكرة اللامُبالاة التي أراد أن يظهر فيها رئيسهم بشار بدعوى ذهابه للاستجمام في تركيا وعائلته ، ليظهر بأنه لم يُعير أي اهتمام بقتل من صنعه ودرّبه أمنياً ، وخطط لصعوده على الكرسي الذي بفضله يقضي فُسحته هذه بتركيا كرئيس، على يخت أُسطوري قلّ من يستطيع حتّى النظر إليه ، بينما أبناء شعبنا السوري بمُعظمهم  يئنون ولا يجدون قوت يومهم بسبب الفساد المُستشري في البلد ، وسيطرة اللصوص من أركان النظام وآل مخلوف على كُل مُقدرات الدولة ، التي يعبثون بها كما يعبثُ بها بشار ، ويُنفقونها في الملاهي والملذات ، ويكنزونها في البنوك والخزائن حتّى وصلت قيمتها إلى ما يُقارب المائة مليار دولار أمريكي ، والتي يصعب على أي مخلوق الوصول إليها أو الاقتراب من دولار واحد منها

وبربط هذا الاتصال مع التهديدات التي لا تزال تصلني باستمرار من النظام وأذنابه ، بدت أشعر فيها بجدية التهديدات وازدياد حدّتها علي ، وبالتالي فإنّي أُحمّله المسؤولية كاملة عن أي ضرر يقع علي ، دون أن يؤثر ذلك على  مسيرتي السلمية مع المُعارضة لتغير النظام من الدكتاتوري إلى الديمقراطي الحر ، يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه ، مهما استمر في إرهابنا وتخويفنا ، ومُمارسات القتل والتشريد والاعتقال المُستمرة  والمُحاكمات الجائرة في الداخل ، وكل هذا لن يُثنينا كمعارضة ، ولن يُثني الأحرار في الداخل أو يُضعف من عزيمتهم ، وابسط مثال على ذلك الدكتور عارف دليلة المعارض الوطني العلوي الذي نفتخر به وبأمثاله من الشُرفاء ، والذي حُكم ظُلماً بعشر سنوات لمجرد حديثه عن الفساد ، ليقضي في السجن سبع سنين منها ، ويخرج فجأة دون سابق إنذار كما ورد في المرصد السوري نقلاً عن قدس برس ، وهو يُجيب على سؤال فيما إذا كانت السنوات السبع التي قضاها في السجن كافية ليلتفت إلى نفسه ويمتنع عن العودة إلى عمله كناشط في صفوف المجتمع المدني، فقال "إنّ تفاؤله بالغد لا يموت ، والربيع لا يموت أيضا ، والآراء الصحيحة تظل صحيحة ولا تتغير، ولذلك سوف يستمر على الآراء التي يعتقد أنها صحيحة ولا تضر بالوطن بل تخدمه".  ، ولكن هل نستدل من كلام هذا المُناضل الكبير بأن النظام أُرغم على إخراجه بما يُعرف بالعد التنازلي من قبل السلطة لإطلاق مساجين الرأي كي يُبيضوا صفحتهم قبل وصول الرئيس الفرنسي المراوغ السياسي الذي قبل بوجود دكتاتور بجانبه في المنصة في أغلى أيّام فرنسا ؟ ربما !! ولكننا لا ندري ماذا كان الاتفاق ؟ وهل معنى ذلك أن إخواننا في السجون السورية على موعد مع الحرية في القريب العاجل ؟ نأمل ذلك ، وإن كان مُقابل الانفتاح الفرنسي على النظام من ضمنه هذه الشروط وإنهاء الملفات الإنسانية فهذا أمر جيد ةغير كاف ، بعدما مللنا كُثرة المُطالبات والدعوات لإنهاء هذه الملفات  التي لا دخل لها بالسياسة  ، على كل حال دعونا نأمل ذلك مع أنّه ليس هناك بوادر بالأفق من خلال تصرفات النظام ، الذي بحسب علمنا أنّه لم يُخرج دليلة إلا لسوء حالته الصحيّة ولكي لايتورط فيه ، ولأن المُحاكمات الجائرة لازالت جارية وكذلك المُلاحقات والاعتقالات، وأيضاً لعودة النظام في ممارسته لعمليات الإغتيال كما جرى هذا الأسبوع مع الجنرال محمد سليمان ، وكذلك موت المُعارض السوري عدنان علي محفوظ 51 عام هذا الأسبوع أيضاً ، وهو السجين السابق لأربعة عشره عاماً دون تقديم أي اعتذار له عن الفترة التي قضاها في سجون الظُلاّم