نونا الشقية والتلفون

د. أسعد بن أحمد السعود

(((خلال عام 1989 كتبت عدة قصص قصيرة تربوية هادفة موجهة للأطفال بسنِ معينة ،

وكان القصد إخراجها بكتاب مع الرسومات المناسبة لها ، ولكن لم تحالف ظروف تلك

السنين مشروع الكتاب ، وها قد اخترت إحدى تلك القصص الآن تحت المقدمة ذاتها في

المجموعة :

تقول : الطفلة النشطة الذكية ( نوال) كان أهلها وكل من يطوف حولها وحتى في المدرسة

لا يعرفها إلاّ بلقبها ( نونا الشقية) ...)))

يوم من الأيام أرادت أم نونا الخروج من البيت لبعض الوقت ، وذلك من أجل عيادة إحدى

قريباتها ، وقد ألمّ بها مرض ، ووجب عليها زيارتها .

ولما كان عدم صحبة الأطفال لعيادة المريض هو الواجب ، فقد طلبت الأم من ابنتها نونا أن

ترعى أخيها الصغير . وكررت عليها التنبيه عدة مرات قائلة :

- لا تنسي يا نونا عندما يستيقظ أخوك ، أبدلي له ثيابه ، ثم أعدي له وجبته من الحليب

واحرصي على أن لا يبكي أبداً ، أليس كذلك ..؟

أجابتها نونا بكل انضباط وهي تودع أمها لدى الباب :

- حاضر يا ماما ، سأكون عند حسن ظنك ولا تقلقي أبدًا اطمئني .. وأخذت تردد في

سرها : اطمئني ..اطمئني ..!!

وما إن أغلقت الباب حتى انطلقت نونا إلى دروسها وواجباتها تلتهما بكل جد ونشاط وهي تكلم

نفسها :

- سوف أنهي كل دروسي وواجباتي قبل أن يستيقظ أخي ، ذلك من أجل أن أستمتع بكل

الوقت الباقي منه ..!

لكن نونا ما أن فرغت تماماً وشعرت أنها تملكت الوقت وأخيها لم يستيقظ بعد ، لمعت في

ذهنها فكرة !! وقالت لنفسها في غرور واضح :

- لقد أكملت كل ما طلب من دروس بسرعة هائلة ، ولازال لدي متسعًا من الوقت ،

سأتكلم مع صديقاتي ، فاطمة وهناء وعايدة وسارة ، وأرى ما حالتهم مع الدروس ، ثم أسرعت إلى جهاز التلفون وبدأت :

- آلو فاطمة مرحباً ، ماذا تصنعين ؟

- كما تعلمين لازلت في واجب الرياضيات وقد أنهيت واجب العلوم وأتمنى أن أنهيه

بعد قليل ، وأنت أين وصلت ..؟

- أنهيت كل شيء ، هيا يافاطمة ً ، كم أنت بطيئة ، أسرعي قليلاً لنخرج ونلعب في

مراجيح الحديقة ..!

واستمرت نونا في الحديث لزمن ، وهي تثرثرمع صديقاتها ،ولما أحست

أنها حققت مرادها ، أغلقت سماعة التلفون ، ثم أعادت الإتصال وقد نسيت صديقتها عايدة :

- مرحباً عايدة ماذا تصنعين ؟

- أكتب ماتبقى من دروس ألا تعلمين أن واجب القراءة طويل ويأخذ وقتاً ..!

- ها ..ها ..أنت كسلانة ياعايدة ، إنك لن تنتهي منه اليوم ، أنصحك بتأجيله ليوم غد ..!

- إذا أجلته فما أفعل الآن ؟

- نخرج سوياً إلى الحديقة ونلعب في المراجيح ، وقد أخبرت

فاطمة وهناء بذلك .

وهنا وعندما طال وقت حديثها مع عايدة ، سمعت صراخ أخيها ..!

- عايدة أرجوك ..لا تغلقي سماعة التلفون سأعود بعد قليل ، لقد استيقظ أخي الصغير ،

سآتي به انتظري ..

ولما عادت وجدت خط التلفون قد أغلق ولم يستجب لها أحد ،فالتفتت إلى أخيها وهو لازال

يبكي فزجرته قائلة :

- لقد أفسدت علي مكالمتي ، حسناً ..حسناً ، اسكت ..اسكت

سأعد لك وجبتك ..اهدأ قليلاً ..

تركت نونا أخيها يبكي ، ودخلت المطبخ لتعد ما أوصتها بها أمها ، وضعت إناء الحليب على

شعلة النار، وانتظرت هي تكلم نفسها

- سأغتنم وقت التسخين ،لأخبر صديقتي هناء بما أصنع فقد حدثتني يوما أنها تقوم

برعاية أخيها الصغير مثلي ..

- آلو هناء إلى أين وصلت في اعدادك للواجبات ؟

- انتهيت منها كلها ، ولكن بقي علي حفظ قصيدة الشعر .

- آه ..آه.. لقد انتهيت من حفظها ولكني قد نسيتها ،وقد اجتاحها فجأة ارتباك .. سوف

أرجع للتأكد من حفظها مرة أخرى . نعم.. نعم يا هناء لقد نسيت شيئاً عذراً منك ،إنني أشمّ

رائحة غريبة ..!سأعود إليك بعد قليل ..لا تغلقي التلفون ..انتظري دقيقة واحدة ..!

وما كادت نونا تضع سماعة التلفون ، حتى رأت أمها واقفة خلفها والدخان يملأ جو البيت ،

ولم تعرف ما الذي حصل ..!!

وسوم: العدد 920