في سجن تدمر - إني لأجد ريح يوسف

قصة تدمرية واقعية

ارتفع صوت اذان العشاء مع وصولنا

ومعي صديقي الذي خرج من السجن الساعة

فقال لي كم انا مشتاق للصلاة في مسجدنا الكبير

و لكنني رفضت طلبه لعلمي بأن والده يصلي فيه دوما

قلت له يجب ان تستحم أولا

و تغير ثيابك

و غدا نصلي فيه إن شاء الله...

خرج من الحمام بوجه غير الذي دخل به

فقد بدأت تدب به الحياة من جديد

قال هل تعلم بأنني لأول مرة منذ عشرين عاما أحسّ بالنظافة و الإنتعاش

حاول أن يحدثني عن قذارة السجن و الجلادين

و لكن جاء صوت والدتي قاطعا حديثه

العشا جاهز يا اولاد

طلب مني بعد العشاء أن أتصل بأهله

فتحججت بأني لا أعرف رقم هاتفهم

فقلت له صبرت اكثر من عشرين سنة افلا تصبر للغد

قال : أحس أن هذا الغد لن يأتي و هذه الليلة أطول من سنين سجني كلها

قلت له ضاحكا : اولاد الحرام منعوك أهلك عشرين سنة دعني أمنعك ليلة واحدة

ضحك و قال انا ناقص كمان عذاب

تركته يذهب للنوم و اتصلت بوالده و أخبرته

أنّ عندي أخبار عن معاذ

فتغير صوته و أجهش في البكاء

معاذ بعده عايش ؟؟

مين خبرك ؟؟

مين انت ؟؟

أسئلة كثيرة متلعثمة يتخللها البكاء

قلت له اليوم التقيت رجلا

و أخبرني أنه بخير و ربما يفرجون عنه قريبا

و غدا أراك على الغداء

و نتحدث

تصبح على خير

مع طلوع الشمس طرقات متتالية على الباب

فتحت لأجده مع زوجته مستمران امام المنزل

قال اعذرني يا ابني و الله ما نمنا الليل

و ما صدقت يطلع الفجر صليت و اشتريت الخبزات و جيتك ما قدرت اصبر للظهر

قلت اهلا و سهلا وخبزاتك ساخنات

هسع منتفطر سوا

قال ما بدي أوكل و لا أشرب بدي تريح بالي و الله رجلي مش متحملاتني

كانت أم معاذ صامتة مذهولة لا يعلم ما يدور في رأسها إلا خالقها

قلت له اطمئن بالأمس رأيت رجلا كان معه في السجن

و أخبرني أنه سوف يفرجون عنه قريبا

سمعت حركة في الصالة يبدو أن معاذ أفاق من نومه

صمت الرجل قليلا و قال لي : بيجوز ما تصدقني

و الله من مبارح المغرب

*قلت لأمه انا شام ريحة معاذ*

و بعدها بتبكي و اجا اتصالك خربط كياني ........

و جاء الصوت من خلف الباب *(( يا با )) !!!!!!!'*

صرخ الرجل بصوت تقشعر له القلوب والأبدان *معاااااااااااااااااااااااااذ*

أراد أن يقوم فلم تحمله قدماه و انكب عليه ولده في عناق

و بكاء طويل

الأم كانت في ذهول و انقطاع عن الدنيا

كأنها تشاهد فيلما

لم يقطع ذهولها

إلا إلقاء ولدها نفسه في أحضانها

بدأت تنجب بلا دموع و كأنها حشرجة الموت

كانت تقبله تشمه

تقبل يديه

و تتحسس وجهه بعدك حلو بعدك صغير

بعدني حاضنينك بقلبي

من يوم رحت عشان ما تكبر بعيد عني

اخوتك الصغار كبروا و تخرجوا من الجامعة

و تجوزوا و صار عندهم اولاد

بس انت بعدك صغير بعدك مثل ما كنت

بعدك صغير

بعدك حلو

وسوم: العدد 933