“حارس القدس” هل هو النموذج النقيض لدراما التطبيع؟ ورامي مخلوف كمسلسل رمضاني منافس

شغلت فيديوهات رجل الأعمال السوري – الأسدي رامي مخلوف ملايين المشاهدين أخيراً، بحيث يمكن القول إنها باتت أحد المسلسلات الأثيرة المسلّية، كأنما هدية غير متوقعة في الموسم الرمضاني المملّ.

فيديوهان بثّهما مخلوف بفارق أيام فقط كان لهما حظوة المشاهدة والتعليق في وسائل التواصل الاجتماعي، كما تقارير عديدة على شاشات الإعلام التقليدي.

لا يمكن لرجل أعمال “ناجح” كمخلوف أن لا يلجأ إلى مستشاريه في مجال الإعلان والإعلام (ومن بين شركاته ما يعتمد بشكل كبير على الإعلان) للبحث في الطريقة التي عليه أن يظهر بها. كذلك فإن التطابق الشكلي بين الفيديوهين يثبت أن كل شيء فيهما محسوب.

اختار الملياردير الشاب خلفية الصورة جداراً حجرياً أسندت إليه كومة من الحطب، من دون أي تفصيل آخر؛ لا لوحة فنية، ولا عبارة أو قول مأثور بالخط العربي، فيما هو جالس على كرسي واطئ غير ظاهر للكاميرا، لكن المخيلة (السورية خصوصاً) ستأخذك إلى كرسي القش الواطئ القديم الذي يستخدمه قدامى البيّاعين حين يجلسون أمام دكاكينهم.

هو نفسه خلا من أي اكسسوار شخصي، حتى أنه لم يحمل ساعة اليد التي يجهد الأثرياء عادة في إبرازها أمام الكاميرات كعلامة غير مباشرة على الثراء.

لقد تقصّد إذاً الظهور في أبسط ما يكون، فإلى جانب الحَجَر والحطب كمواد قريبة على القلب، هناك التواضع والصوت الخفيض، وذكر الله مراراً، كل ذلك لا يمكن أن يكون عفو الخاطر، إنه محسوب للتأثير في ملايين السوريين تحديداً، فهؤلاء هم من يستهدفهم الفيديو، لا بشار الأسد، كما ييدو من خطاب المرسل مخلوف، وإن كانت كذلك فعلاً، أي رسالة إلى بشار فهي عبر محاولة مخلوف إثبات مقدرته على التأثير في الملايين، وخصوصاً في بيئة النظام، التي استفادت مبكراً، مع بدايات الثورة، من أعمال جمعيات مخلوف “الخيرية”.

الراسخون في قناعاتهم، الذين يعرفون بفطرتهم أو تجاربهم أو وعيهم أن النظام ليس سوى عصابة، لن يروا في الفيديوهات سوى حرب بين لصوص، انشقاقات في قلب المافيا تبشر بنهايتها، قربت أم بعدت، أما موالو النظام، الموالون مهما حدث، ومهما تغير، فلا شك أن الفيديو سيشغل بالهم بعض الشيء، ويترقب الجميع التداعيات المحتملة، فالرجل (مخلوف) ليس مجرد (عبدالحليم) خدام ما يفرّغون له يوماً من الشتائم في مجلس الشعب وينتهي الأمر.

لكن، ورغم حرص مخرج الفيديوهات على دقّة ظهور مخلوف كمسخّر نفسه للناس، كخادم للدولة، إلا أن عبارة فلتت لا يمكن للفقراء إلا أن يقفوا عندها، ليس من السهل أن تمرّ من دون الغضب اللائق بها، عندما قال لبشار: “خذ المبلغ وسدّ به جوع الفقرا”! فالفقراء يعرفون هذه العبارة جيداً كشتيمة تصيب فوراً كرامتهم، لا يمكن لمن يعطي الناس أن يقول لهم ذلك.

مَسْرَحَة خطاب رامي مخلوف لم تكتمل إذاً، لقد فلتَ طبعُه من بين يديه على الرغم منه. ربما عليه أن يرمّم ذلك في الفيديو المقبل، بحديث مستفيض عن حبه للفقراء، أو بلافتة على الجدار وراءه مكتوب عليها: “الصبر مفتاح الفرج”.

فلسطين قضيتي

الأعمال الخليجية المشجعة على التطبيع مع إسرائيل مقززة ومؤسفة، مقززة لأنها، وبوضوح شديد، تنفّذ توجهاً سياسياً بات معروفاً لدى القيادة السعودية لفتح الطريق أمام إسرائيل، يبدو معه صنّاع المسلسل وكأنهم مجرد مترجمين لبيان سياسي، لا مبدعين يعيدون خلق نص درامي نابع من وجدان أصيل لأناس لهم أفكارهم ولغتهم وتطلعاتهم. ومؤسفة لأنها جاءت على يد ممثلين لا يمكن إنكار مواهبهم، وكادوا قبل أن يجري توظيفهم سياسياً بهذا الشكل السافر أن يحتلوا المكان الذي تأخذه الدراما المصرية أو السورية في قلوب المشاهدين العرب.

دراما التطبيع أخذت نصيبها من الرفض والانتقاد والإهمال، وفي وقت حاول ممثلوها أن يقنعوا الناس بأن فلسطين ليست قضيتهم، انتشر في مواجهتهم، وعلى نطاق واسع، هاشتاغ #فلسطين_قضيتي . لكن هناك من يرمي إلى استثمار رفض الناس للتطبيع في التطبيل لأعمال لا تستحق أن تكون النموذج الضد، ونعني خصوصاً تلك العناوين التي تزعم أن مسلسل “حارس القدس” (إخراج باسل الخطيب)، الذي يتناول سيرة المطران الحلبي هيلاريون كبوتشي، هو الدراما التي تستحق أن نصفق لها.

صحيح أن “حارس القدس” يقدم جزءاً من حياة كبوتشي في القدس، ومن ضمنها تجربة المواجهة والاعتقال، لكنه، أكثر من ذلك، موظف لدعم النظام السوري في حربه ضد شعبه، لا بمجرد تلميح أو عبارة، بل إن حلقات بكاملها تدور حول دعم المطران لنظام الأسد، وبالطبع ليس هناك افتراء على مواقف الرجل، فـ”اليوتيوب” مليء بفيديوهات تصور مشاركاته الشخصية في دعم بشار الأسد.

صعب أن يهضم المرء مسلسلاً يناصر قتلة ومرتكبي مجازر (وللمفارقة فإن الفلسطينيين من بين ضحاياها. وهناك أرقام وإحصائيات لشهداء أبرياء ومعتقلين قضوا تحت التعذيب) بحجة مناصرته لقضية عادلة، حينها لن يكون مسلسل الانتصار للقضايا العادلة سوى تجارة وزيف.

وإلى جانب أن النظام يلعب من خلال المسلسل، وسواه، على وتر الأقليات الدينية، حمايتها ووقوفها إلى جانبه، فهو مسلسل رديء الصنعة، تمثيل هش غير مقنع، تحديداً على مستوى الشخصيات الرئيسة (رشيد عساف، أمل عرفة، ايهاب شعبان..)، ومشاهد ممطوطة على عادة الخطيب في تبديد الوقت في الاستغراق في المناظر مع الموسيقى، بل إنه هنا يضيف استخدام بعض الأغاني، كما لو كان فيديو كليب تعبويّا وتحريضيّا.

دراما التطبيع أمر مرفوض من غير شك، لكن رفض التطبيع، أو حتى ادّعاء الرفض، لا يكفي وحده للتصفيق لمسلسل، والاصطفاف وراءه من غير جدال.

وسوم: العدد 875