القافلة تسير والكلاب تنبح

محمد فاروق الإمام

fgghsh921.jpg

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن المملكة العربية السعودية طلبت شراء طائرات من دون طيار من تركيا.

هذا الخبر حرك المياه الآثنة في طهران، وعلت فيها أصوات عواء الذئاب على لسان مسؤوليها وعسكرييها، بمجرد أن السعودية طلبت شراء هذه الطائرات من تركيا، كما تفعل كل دول العالم المستقلة في قرارها، وفعلت ذلك قطر وأذربيجان وأوكرانيا وغيرها، فما الذي جعل قم العمائم السود يعلو فحيحها على تركيا منذرة مزبدة، وكأن تركيا إحدى الدول التي حطت غربان الروافض فيها، تتحرك بفعل الأيادي الإيرانية الخبيثة التي تلوثت بدماء العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين؟

السعودية كان من المفترض أن تمد يدها لأشقائها الأتراك وتطلب مثل هذه الطائرات من الأيام الأولى لدخولها اليمن، بهدف تحريره من العصابة الحوثية التي انقلبت على الشرعية بقوة السلاح والعتاد والدولار الإيراني، ولو فعلت لكانت أنهت الحرب المأساة منذ سنوات، وعادت اليمن سعيدة آمنة كما كانت عليه مذ وجدت.

تركيا التي أقلقها تمادي الحوثيين على السعودية وانتهاك حرماتها المقدسة من قبل الصواريخ البلاستية والطائرات المسيرة الإيرانية التي تزود طهران الحوثيين بها، جعلت أنقرة تصدر منذ عدة أسابيع تصريحات تهدئة بهدف إصلاح علاقاتها مع السعودية، بعد سنوات من التوتر بينهما.

فقد قال وزير الخارجية التركي، تشاوش أوغلو، الجمعة 19 آذار الجاري، "ليس هناك من سبب لعدم تحسن علاقاتنا مع السعودية... إذا اعتمدوا موقفا إيجابيا فسنقوم بذلك أيضا، والأمر نفسه ينطبق على الإمارات".

وفي المقابل صرح مصدر قريب من دوائر الحكم في السعودية لوكالة فرانس برس، الشهر الماضي أن الرياض "تعمل على خفض حدة (العلاقات) من خلال إبقاء الخطوط مفتوحة مع (الرئيس رجب طيب) إردوغان".

وعلى إثر هذه التصريحات جنّ جنون إيران وانبرت صحفها ترغد وتزبد وتهدد، ففي مقال للكاتب الإيراني جعفر بلوري نشرته صحيفة "كيهان" الناطقة باسم رأس نظام الملالي "علي خامنئي"، ضمّن الكاتب مقالته بتهديد عسكري مباشر لتركيا وأراضيها، مع تصاعد الحديث عن تقارب بين الرياض وأنقرة، وإمكانية تزويد الأخيرة للرياض بأسلحة متطورة قد تقلب الموازين في اليمن ضد ميليشيا الحوثي، ذراع ووكيل النظام الإيراني المنقلب على الشرعية وثورة اليمنيين.

بلوري الذي تحدث في مقال مطول عما سماه "انتصار الثورة اليمنية" قاصداً بـ"الثورة" الانقلاب الذي نفذته ميليشيا الحوثي، ختم مقاله بالقول: "إذا دخلت تركيا الحرب في اليمن، فليس من المُستبعد أن الكارثة التي ألحقتها صواريخ أنصار الله بعيدة المدى بالسعودية ستلحقها أيضاً" في تهديد صريح لتركيا.

وأضاف "كما سيضع انخراط تركيا في مواجهة مع قطر (يقصد وجود القاعدة العسكرية التركية في قطر)، وفي كلام تهكمي بعيداً عن الأدب والدبلوماسية يقول هذا المختل عقلياً: "من المحتمل أن يُدرك السيد أردوغان بحساب بسيط؛ أنّ تكلفة دخول الحرب اليمنية بالنسبة لتركيا ستكون أكبر بكثير من الدولارات التي سيأخذها من ابن سلمان، لذلك نتوقع أن هذه الدولة (تركيا) لن تدخل الحرب اليمنية بشكل حقيقي وجدي، ولكن إذا فعلت فإنها ستأخذ بعين الاعتبار الصراع مع محور المقاومة القوي!"، لانعرف عن أي محور للمقاومة يتحدث هذا المختل، والطائرات الصهيونية تسرح وتمرح في سماء دمشق وتدك معاقل الإيرانيين وميليشياتهم الرافضية من حرس ثوري والميليشيات التي جندوها لذبح السوريين، وميليشيا حزب اللات، وبقايا مرتزقة بشار الأسد، والعالم ينتظر الرد من قبل هذا المحور على هذه الطائرات في الوقت المناسب والمكان المناسب الذي لم يقرر منذ نصف قرن.

ويأتي حديث صحيفة خامنئي في إطار حملة ممنهجة تستهدف التقارب التركي السعودي الذي بدأ يطفو إلى السطح مؤخراً، ونتمنى التسريع فيه لأن الوقت ليس من صالح السعودية، ومخاوف النظام الإيراني من تزويد تركيا المملكة السعودية بالطائرات المسيرة المتطورة "بيرقدار"، والتي كشف الرئيس التركي مؤخراً عن طلب سعودي لشرائها.

وكانت الصحيفة نفسها، أوردت خبراً عنونته "تركيا تبيع السعودية طائرات مسيرة"، اتهمت خلاله تركيا بأنها تسعى إلى دخول حرب اليمن، وحذّرت أنقرة من هذا التدخل الذي سيشكل "هزيمة أخرى للسياسة التركية الخارجية" على حد وصفها، معتبرة أن "طموح أردوغان فشل في المنطقة فشلاً ذريعاً وخاصة في سورية"، وكأن هذا الكاتب الأرعن الفاقد للبصر والبصيرة لا يرى هبّة الشعب السوري في المناطق المحررة تحي ذكرى مرور عشر سنوات على انطلاقتها المباركة.

ولم يسمع أو يرى هذا المارق الأرعن ما فعلته المسيرات التركية بالميليشيات الإيرانية ووكلائها وما كان لها من تجربة مريرة مع طائرة البيرقدار التركية الشهيرة، التي قتلت المئات من عناصر هذه الميليشيات في ريف إدلب الجنوبي، في عملية شنتها أنقرة باسم "درع الربيع" ضد ميليشيات أسد وحلفائها الإيرانيين، عقب مقتل 33 جندياً تركياً بقصف قاعدة عسكرية تركية بريف إدلب الجنوبي.

ولم تصل إلى مسامع هذا المختل أخبار ما وقع في معركة إقليم قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا والتي نتج عنها استسلام الأخيرة، عدا عن معركة فك الحصار عن العاصمة الليبية طرابلس ودرع الربيع في إدلب شمال غرب سورية.

ولم تكن التهديدات الإيرانية لتركيا هي الأولى من نوعها فقد ذكرت وكالت مهر للأنباء السبت أن الجنرال رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري للمرشد الإيراني، سبق وهدد تركيا بخفض العلاقات السياسية والاقتصادية إذا استمرت في سياساتها تجاه سورية.

وفي الوقت الذي دعا فيه صفوي تركيا إلى ما وصفه بالتعاطي الشفاف في تعاملها مع إيران، أضاف قائلا: "إن سلوك السلطات التركية تجاه إيران وسورية خاطئ، وأنا أتوقع أنهم يتحركون في سياق الأهداف الأمريكية".

وتحدث الجنرال الإيراني ملوحا بموقف إيراني وسوري وعراقي مشترك تجاه تركيا قائلا: "عدم توقف السياسات الخاطئة لتركيا سيؤدي إلى نفور الشعب التركي في الداخل، وسيؤثر ذلك على علاقات دول الجوار التركي كالعراق وإيران وسورية بها".

من يقرأ هذه التصريحات النارية المغلفة بالتهديدات الجوفاء الخاوية يحسب بأنها تصدر عن دولة عظمى، وهي في الحقيقة صادرة عن دولة مارقة خرقاء لا وزن لها إلا في عالم الإجرام والإرهاب، والتي لا تساوي عند دولة مثل تركيا جناح بعوضة تريد أن تخيف الأسد الهصور في عرينه.

تركيا من جهتها تجاهلت تخرّصات أحد أبواق طهران، غير آبهة بما حوت من تهديدات جوفاء حمقاء خرقاء، ولسان حالها يقول: (القافلة تسير والكلاب تنبح).

المصدر

 

*أورينت-18/3/2021

*زمان الوصل-9/10/2011

*عربي سبوتنيك-16/3/2021

*الحرة-16/3/2021

*الشرق الأوسط-16/03/2021

وسوم: العدد 921