تخيل طفلك في زنزانة : أطفال فلسطين في سجون الاحتلال اليهودي (١من ٢)!!

وليد الهودلي

هذه المرة اتحدث كشاهد عيان : كنت شاهدا عندما اختارتني اللجنة الوطنية العامة للفصائل الفلسطينية في سجن كفار يونا عام 1999 للاشراف على اشبال السجن تربويا وثقافيا لمدة سنة كاملة فاطلعت على معاناتهم بكل تفاصيلها ثم كنت شاهدا ايضا بعد ثماني سنوات عندما كانت ابنتي مع امها في السجن وخرجت بعمر السنتين وشهرين فعاينت نفسية طفلة غضة طرية قد وقع عليها قهر السجان بداية رحلة عمرها ..

عندما جاءنا تسعة وثلاثين طفلا نحن المعتقلين الكبار في سجن كفار يونا وجدنا انفسنا أمام صدمة من العيار الثقيل .. كان احدنا قد اعتاد على رؤية اطفاله خلف الشبك في زيارة سريعة لا تكاد تبدأ حتى تنتهي فيعود الطفل الى حضن أمه بعد ان رأى أباه وقد قطع شبك الزيارة وجهه الى قطع صغيرة .. رأى اباه متناثرا متلاشيا وكأنه طيف شبح عابر ورأى الاب المعتقل طفله ايقونة بريئة لا تحتمل رؤية السجن وما فيه من مآسي رغم كل الابتسامات والضحكات التي يتفنن الاباء في صناعتها والتدرب عليها كي يخففوا من وقع الصدمة على ابنائهم ..

أما أن يرى أطفالا تسير على قدميها داخل الفورة " ساحة السجن" ثم تعود لدفن ارواحها الصغيرة في زنازين لا تتسع الى خيال طفولة ولا الى براءة ارواحها الصغيرة .. يا الهي انى لهذه القلوب الرقيقة ان تحتمل المبيت في هذه الصحاري القاحلة .. لا شيء فيها سوى عوائهم ونبح كلابهم .. كيف ينام هذا الطفل تحت بطانية لا يجد في ثناياها دفء أمه ؟ كيف تغمض عيناه على صورة بؤساء مثله تتقاسمهم أصوات الحديد الصدئة ؟

ستداهم روحه ليلا صورة المحقق الشرس الذي أخرج له أنياب الحكايات المرعبة : يرى الغول والذئب دون ليلى وصورة الجندي الذي وضع القيد في يديه والقى بالكيس النتن على رأسه ورمى به في غياهب زنزانة لا حدود لقسوتها .. لن ينام قبل ان يستعيد شريط الاعتقال من اوله الى اللحظة التي بات فيها ينتظر لحظة انشقاق جدران السجن وظهور الشاطر حسن او علاء الدين بمصباحه الجميل او ذاك الذي يفك سحر الساحر ويعيد الاميرة الى قصر أبيها .

أصبحنا في سجن "كفار يونا" مع انضمام الاطفال الينا في عذابين : عذاب وجودنا في السجن اولا ثم عذاب السؤال الذي يطرق جدران وعينا : ماذا يريدون من هؤلاء الاطفال وهل يتحملون ما يتحمله الكبار ؟ لم نجد اية فروقات في طرق العذاب ، ما يكال للكبار يكال للصغار دون اية مراعاة لحقوق طفل أو احتياجات عمره الصغير او ما حفظته البشرية بما يخص الاطفال واعتقالهم .. كنا واياهم نفس الاكل ونفس ساعات الخروج للساحة ونفس العلاج وعقم العيادة الشكلية واساليبها المماطلة والمقيتة ونفس البوسطة وعذاباتها ومرمرة الزيارة والعنت الذي يلاقيه الاهالي يوم الزيارة والمحاكم المعروفة بقسوتها وبعدها كل البعد عن اية عدالة او محاولة للبحث عن انصاف بحث جدي في التهم المنسوبة الي الطفل .. ولم يكن لهم اعتبار تعليمي أو تطويري لاية مهارة من مهارات طفولتهم في متطلبات مراحلهم العمرية كأي اطفال في العالم .. كانوا يفتقدون اية وسيلة للعب او الترفيه فكنا نخيط لهم كرة قدم قديمة كلما اهترأت اعدنا لها الحياة من جديد وكنا نضطر لابتكار العاب ترفيهية دون ادوات كمحاولة بائسة للتخفيف من ألامهم النفسية .

أذكر اننا خضنا اضرابا نحن الكبار فحرمونا من زيارة الاهل واضافوا الاطفال الى هذه العقوبة فاستمر هذا المنع لمدة ستة شهور .. وهل لك ان تتخيل طفلا موقوفا لا يعرف مصيره ولا ما ينتظره في محاكمهم اللعينة دون ان يزوره اهله ليزودوه ببعض الطمأنينة وما وصلت اليه المداولات مع محاميه ، او ان تاتيه امه فيبث لها شيئا من حنينه وفراغ قلبه ..

واذا اردنا ان نتحدث عن طريقة الاعتقال والفترة الفاصلة بين البيت والسجن .. كيف انقض الذئاب على فريستهم وساقوها الى وكرهم ؟ وكيف كان التحقيق اذ ما رأيناه مع الطفل مناصرة من تصوير أثناء التحقيق معه إذ لم يكن تحقيق مخابرات وانما نحقيق شرطة .. وهذا لا يذكر مع تحقيق المخابرات .. كيف يقضي الطفل الفلسطيني وحده منفردا في زنزانة مظلمة وكيف يترقب فتح بابها ساعات طويلة جدا وأيام لا تكاد ان تكون لها نهاية ثم سحبه الى زبانية العذاب ليقيموا له حفلة ليلية ويتسلوا على ألامه طيلة الليل ... التقيت طفلا في زنزانة مجاورة : تواصلت معه فماذا كان مطلبه من رجل من جيل أبيه

وسوم: العدد 925