لم ينتحروا حقاً بل قتلوهم!

غادة السمان

dhgffdfasg928.jpg

ازداد في لبنان عدد الشابات والشبان المنتحرين مؤخراً إلى أبعد مدى. الشبان اللبنانيون الذين انتحروا مفضلين الموت على الحياة الذليلة بالفقر والقهر لم ينتحروا حقاً في نظري، بل قتلهم بعض الذين يحكمون لبنان سراً وعلناً، في ظل أوضاع سياسية ومالية لم تعد تطاق… وفي دراسة قرأت عنها في منبر محترم، علمت أن شخصاً واحداً في لبنان ينهي حياته بالانتحار كل يومين ونصف يوم.

لماذا ينتحر اللبناني الذي كان يقال عنه «نيال من له مرقد عنزة في لبنان؟» لأن الوضع اللبناني المالي والسياسي سد الأبواب في وجوه الشبان وفضلوا قبراً في لبنان بدلاً من الهجرة، والمسؤول عن قتله هو كل من ساهم في جعل لبنان مكاناً غير صالح للعيش الكريم.. وصار العالم كله لا يجهله.

لن أتحدث مطولاً عن الذين حولوا لبنان إلى مزرعة خاصة لهم، ينتفعون بخيراتها هم و(أزلامهم) ولن أسميهم لكي لا أضجر القارئ، فهو يعرفهم ويعرف أنهم يحرمون لبنان حتى من المساعدات المالية الخارجية، ولا أظن أن رئيس جمهورية فرنسا السيد إيمانويل ماكرون بالغ في طلبه تشكيل وزارة على الأقل في لبنان من (الأوادم) حين زارنا بعد الانفجار الشهير في المرفأ لكي تصير المساعدات المالية العالمية في طريقها إلى لبنان ويكف العدد الكبير من المنتحرين عن الرحيل الأبدي عن لبنان، وحتى الآن ثمة من لم يكتف بنهب خيرات لبنان، بل يعرقل تشكيل الوزارة من الأوادم ومازالوا يتابعون اغتيال الناس تحت اسم الانتحار!

السرقة ابنة الفقر أو الطمع؟

أفتش في الصحف عن خبر مفرح عن لبنان… أي خبر يبعث الأمل في النفوس ويوحي بأن الأمر على وشك التحسن، فلا أعثر إلا على مزيد من الأخبار المحزنة، ومنها سرقة الأغطية الحديدية على الطرقات، وأعمدة الكهرباء، وحتى أبواب المدافن؛ أي كل ما يمكن بيعه.. من يفعل ذلك؟ في لبنان الفاعل دائماً هو «المبني للمجهول»، والوضع الحالي في مجمله لا يدعو لغير مزيد من القلق على هذا الوطن العربي لبنان، الذي فتح أبوابه للجميع ولم يلق الوفاء حتى من بعض حكامه، مما دفع بالكثيرين إلى الانتحار. الذين يسرقون أبواب المدافن ترى هل ستطاردهم أرواح المدفونين فيها وتهديهم الكوابيس؟

بين التقمص والعنصرية!

في لبنان يؤمن البعض بالتقمص، أي أن الإنسان حين يموت تنتقل روحه إلى جسد آخر، وكانوا يقولون: «نيال أهل الصين ساعة وصلتك»؛ أي يا لحظ أهل الصين حين تصل روحك وتتقمص صينياً! وقد علمت بذلك حين كنت في بيروت أكتب فصلاً عن التقمص في كتابي «السباحة في بحيرة الشيطان».

أما اليوم في فرنسا، فتتم محاكمة الذين فرضوا (في وسائل التواصل الاجتماعي) ضرب كل من له وجه صيني الملامح، وبالذات في الحي الصيني الباريسي، لأنهم يأكلون لحم الكلاب (المدللة عند الفرنسيين) ولحم الخفاش، ولأنهم قاموا بتربية فيروس كوفيد 19 ونشروا الوباء في العالم. وقد أبدى المتهمون ندمهم للاعتداء على الجالية الصينية مما سيخفف من الحكم عليهم بتهمة العنصرية الذميمة.. أما أغاثا كريستي، الكاتبة المشهورة، فلم يحاكمها أحد على عنوان إحدى رواياتها البوليسية «عشرة عبيد صغار» وهم زنوج، بل اكتفى ناشرها اليوم بتبديل العبارة العنصرية عن الزنوج العبيد. لدي شخصياً حساسية من العنصرية، لذا يسعدني كل عمل ضدها يساهم في التنوعية الإنسانية.

والمعروف أن رواية أغاثا كريستي «عشرة عبيد صغار» من أكثر الكتب البوليسية بيعاً في العالم، واقتُبست منها أفلام سينمائية، وقيل إنه بيعت من الكتاب مئة مليون نسخة، ما يدل على أن الوعي ضد العنصرية أمر من المفيد قيام حملة معه.

وسوم: العدد 928