نعت الغرب مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب لن يغيّر شيئا من مظلمته

نعت الغرب مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب لن يغيّر شيئا من مظلمته التي تقع مسؤولية رفعها على كل العالم عموما وعلى الغرب خصوصا

يتعمد الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي الوقوع في تناقضات صارخة  في مواقفه تجاه مظلمة الشعب الفلسطيني ، ولا يبالي بوخز ضمير وهو يكيل بمكيالين من خلال انحيازه الكلي للكيان الصهيوني الذي لم يكن له وجود قبل سنة 1948 مقابل تجاهل الشعب الفلسطيني الذي وجد في أرض فلسطين منذ آلاف السنين . ففي ذروة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة حسب مناطق الأرض التي يحتلها حيث خصّ سكان حي الشيخ جراح بمدينة القدس بأسلوب الحصار ، وبأسلوب التهديد بالتهجير على غرار ما فعل بقرى وأحياء كاملة  بالمدن الفلسطينية منذ سنة 1948 ، وخص رواد المسجد الأقصى المبارك بالاعتداء برصاصه المطاطي والحي ، وبقنابله الصوتية ، والغازية ، وبمياهه العادمة الملوثة لأطهر بقعة في الأرض بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة ، كما خص قطاع غزة بأسلحة الدمار الشامل  التي دكت العمران وأهلكت الإنسان ، في هذا الظرف بالذات لم يخجل الغرب من نفسه ، وزعماؤه يرددون عبارة تأييد الصهاينة فيما سموه دفاعهم عن النفس مقابل رفض تسمية رد الشعب الفلسطيني على الاعتداء عليه دفاعا عن النفس أيضا ،والأدهى من ذلك أنه يسميه إرهابا  بلا خجل من نفسه . ولا يرى هذا الغرب الذي يكيل بمكيالين غضاضة ولا حرجا أمام كل العالم في قلبه للمسميات ، ونقضه المنطق من خلال وصف الجلاد بالضحية ، وصف الضحية بالجلاد ، ولم يند لزعمائه جبين  بسبب ذلك بل أستغفر الله العظيم لقد نقلت وسائل الإعلام مشهد وزير الخارجية الأمريكي وقد احمر وجهه خجلا عندما داهمه الصحفيون بأسئلة محرجة بخصوص ازدواجية المكيال الذي يرجح كفة الجلاد على كفة الضحية  في نزال غير متكافىء  عددا وعدة .

ولقد اضطر هذا الغرب بعدما أظهر الله تعالى وهو ولي المستضعفين في الأرض المقاومة الفلسطينية على العدوان الصهيوني إلى السعي الحثيث لإيقاف النزال معتمدا كل الوسائل والوسائط حتى تلك التي كان زاهدا فيها ومعرضا عنها  من قبل ،وهو يستجديها لوقف المقاومة الباسلة التي ردت المحتل الصهيوني إلى رشده ، وأيقظته من أوهامه وهو يرى ما كان ممتنعا من حصونه يدك دكا بصواريخها التي كان يستخف بها غرورا .

 ومن تناقض الغرب الصارخ أنه  في الوقت الذي ينعت فيه مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب ، ويرفض التحاور معها مباشرة ، يحرص كل الحرص على محاورتها مضطرا إلى ذلك اضطرارا ، علما أن شعاره كان دائما هو رفض الحوار مع ما يسميه إرهابا . وليست هذه الحالة الأولى التي يقع فيها الغرب في مثل هذا التناقض في مواقفه حيث سبق له أن نعت مقاومة الشعب الأفغاني بالإرهاب ثم جلس للتفاوض معها لترتيب خروج قواته المحتلة من أرض أفغانستان .

إن المنطق يقتضي أن من يضطر للتفاوض مع طرف يختلف معه لا جدوى ولا طائل يرجى من نعته بنعوت لا تغير شيئا من واقع الحال . وأول خطوة  يقتضيها التفاوض إذا كان من يفاوض مخالفه  جادا في تفاوضه أن يلتزم  قدرا من الواقعية والموضوعية في وصفه . وإذا ما كانت مقاومة الشعب الفلسطيني في اعتبار الغرب  إرهابا ، فلماذا الرغبة الملحة في التفاوض معها ؟ ومن الأمثال الشعبية المغربية السائرة والتي تنطبق على الغرب في هذه الحالة قول المغاربة " الجيفة لا تؤكل ولكن يؤكل الكسكس الذي يسقى بمرقها  " ،وهو مثل يضرب لمن يرضى مضطرا بما لم يكن به راضيا من قبل .

وأول ما يتعين على الغرب أن يجريه من تغيير في موقفه من مقاومة الشعب الفلسطيني وتنكبا لازدواجية مكياله  مراجعة نعتها بالإرهاب إنصافا لها لأنها مقاومة شعب  مشروعة وقد احتلت أرضه  القوة ، ولا يعقل  ولا يقبل عقلا ولا منطقا  اختزال مقاومته في فئة من فئاته لتشتيت أمرها ، ذلك أن الفئات التي توجد في الضفة ومناطق 48 لا تستطيع استعمال السلاح ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا ما ترددت في استخدامه دفاعا عن نفسها ، ولهذا تلجأ  مضطرة إلى التظاهر كأسلوب مقاومة ، وقد تضطر لااستعمال الحجارة  حين تتعرض للعدوان خلاف  تلك التي توجد في القطاع ، وقد توفر لديها سلاح للدفاع عن النفس ، ورد العدوان ، ولهذا تعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني واحدة غير قابلة للتمييز  بحيث يعتبر بعضها إرهابا والبعض الآخر غير ذلك .

ومن المفارقات أن من كانوا بالأمس القريب  يعتبرون التعامل مع مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة محرما باعتباره تخابرا معها ، وقد أصدروا أقسى العقوبات في حق من اتهموا بهذه التهمة ، أصبحوا  اليوم يتخابرون معها على حد وصفهم دون أن يكون ذلك جرما يعاقب عليه قانونهم وذلك لأن الغرب قرر ذلك ولا راد لقراره.

وفي الأخير نؤكد أنه لا مندوحة عن رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني إذا ما كان الغرب جادا في إقرار سلام وأمن دائمين فوق أرض فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها ، وفي المعمور كله . وعلى الغرب أن يمتلك الشجاعة الكافية للاعتراف بمصدر تهديد الأمن والسلام في تلك المنطقة وجوارها  ،ولا يمكنه ذلك إلا إذا تخلى عن ازدواجية المكيال التي لا زال يتشبث بها مع شديد الأسف ، وهو بذلك لا يصلح وسيطا ولا مفاوضا ، ولا مؤهلا لذلك . 

وسوم: العدد 932