موقف البوطي من مشاريع التشيّع

محمد خير موسى

بدأت مشاريع التشيّع في سوريا في وقت مبكّر نسبيًا ويمكن إرجاع بدايات نشاطها الحقيقيّ إلى مرحلة ما بعد الحرب الخليجيّة والحرب الأمريكيّة على العراق، لتنشط بشكلٍ كبيرٍ جدًا بعد استلام بشّار الأسد السلطة وعقب سقوط بغداد تحت الاختلال الأمريكيّ.
تجسّدَ نشاط التشيّع في افتتاح الحسينيّات ابتداءً ليصل الأمر إلى افتتاح المراكز التّعليميّة من مدارس وجامعات ومؤسسات خدميّة من مستوصفات وجمعيّات خيريّة، وليغدو الحضور الشيعيّ جزءًا من التركيبة المؤسّسية الدينيّة في الواقع السوريّ في عهد وزير الأوقاف محمّد عبد الستّار السيّد من خلال اعتبار مجمع السيّدة رقيّة أحد فروع جامعة بلاد الشّام، والحديث عن تمظهرات مشاريع التشيع يطول وليس هنا موضعه.
أمّا الدّكتور البوطي فكان ينظر بعين القلق الكبير كما هو حال غالب رموز المؤسّسة الدّينيّة في سوريا لهذه المشاريع وتمدّدها.
يقول الشّيخ سارية الرّفاعي في كتابه "مذكرات في زمن الثّورة" متحدّثًا عن الدّكتور البوطي:
"كان يخشى من الشّيعة وامتدادها إلى القرى البعيدة، فكان يتكلّم بكلّ قسوة مع وزارة الأوقاف بأنّ تاريخهم الأسود يملي علينا أن نكون حذرين كلّ الحذر، وقد طلب منّي مرّة إجراء إحصائيّة في المحافظات السوريّة عن الحسينيّات وعدد من تشيّع في سوريا، فكلّفنا بعض الشباب فجاؤوا لنا بتقرير دقيق يثبت بأنّ الشعب السوريّ شعب واعٍ لا يتأثّر بنشاط الشّيعة، وقال التقرير: إنّ نسبة ضئيلة من النّاس تشيّعوا في الجزيرة شمال سوريا قريبًا من الحسكة وما حولها لفقرهم وجهلهم"
وأذكر جيدًا أنّني في العديد من زياراتي للدكتور البوطي في بيته كان التشيّع يشكّل هاجسًا حقيقيًّا له، وكان مقتنعًا أنّ اللواء هشام إختيار رئيس مكتب الأمن القومي ووزير الأوقاف محمّد عبد الستّار السيّد يقومان برعاية هذه المشاريع بشكلٍ مباشر.
كما كان يرى في الشخصيّات الشّيعيّة المتعصّبة لشيعيّتها خادمةً لتوجّهات العلمانيّين الحاقدين على الإسلام، وكان يذكر نموذجًا لتلك الشخصيّات الدّكتور هاني مرتضى عقب تولّيه منصب رئيس جامعة دمشق ومنصب وزير التعليم العالي بعد ذلك، حيث كان شخصيّة متعصبة لشيعيّتها ومع ذلك كان من أكثر الخادمين للتوجهات العلمانية المحاربة لكليّة الشريعة وتوجهات المؤسّسة الدّينيّة عمومًا في التعليم والمؤتمرات العلمية والاتفاقيات الرسميّة.
في عام 2006م صدرت وثيقةٌ باسم علماء دمشق تحذّر من التّضييق على الثّانويّات والإعداديّات الشرعيّة لصالح النشاط الشيعي ومدارسه في سوريا، وقد وقّع عليها حوالي مئتين من علماء دمشق، والجدير ذكره أنّ الذي يتبنى هذه الوثيقة ويحشد لها بالدرجة الأولى الدّكتور البوطي والشّيخ أسامة الرّفاعي، وقد كان تبنيهما لها سببًا في التفاف عموم العلماء حولها؛ ممّا شكّل حالة قلق للنّظام لا سيما بعد أن أثارت قناة الجزيرة أخبار هذه الوثيقة وتداولتها في نشرات أخبارها، واستنفرت أجهزة الأمن قواها لمعرفة الواقفين وراء الوثيقة والحيلولة دون امتداد تأثير أو التفاعل مع قناة الجزيرة بسببها.
وقد ذكر الدّكتور البوطي أنّ متابعةً مباشرة من القصر كانت تجري لآثار هذه الوثيقة وامتداداتها، وقد نجح النظام عمليًّا في تطويق آثارها لكنّها شكلت عنده علامة فارقة في التّعامل مع العديد من الشّخصيات ذات التأثير في المؤسسة الدينيّة السوريّة تجلّى  ذلك في إجراءات مختلفة اتّخذها النّظام ما بين عامي 2007 و2010م
خلاصة القول: إنّ الدّكتور البوطي كان أحد أبرز الرّافضين لمشاريع التشيّع في سوريا انطلاقًا من قناعاته بخطورة هذا المشروع، وكان يرى أنّ موقفه الدّاعم للنّظام يمكن أن يشكّل مجالًا للمناورة في المواجهة والرّفض.
تمثّل حالة الفصل بين مواجهة مشاريع التشيّع ودعم النّظام عند الدّكتور البوطي وغيره مشهدًا عصيًّا على التفكيك عند الكثيرين، فكيف يكون الشخص نفسه مواجهًا لمشاريع التشيّع ومدافعًا شرسًا عن هذا النّظام الذي فتح البلد على مصاريعه للتغوّل الإيراني الطّائفي؟ وهذا يؤكّد مجدّدًا أن المشهد الدّيني في سوريا مشهدٌ مركّب يحتاج إلى تفكيك هادئ لأجل فهم واقعه وحقيقته وامتداداته وآثاره.

وسوم: العدد 936