أحمد جبريل وتشييع مخيم اليرموك… والسيدة زينب: من هرّب هذي البلدة من وطني!

راشد عيسى

تشييع مخيم

يصرّ أحمد جبريل حتى اللحظة الأخيرة أن يسطو على مكانة الثوار الحقيقيين، فمثلما اندسّ بينهم محتلاً مقعداً بارزاً في “منظمة التحرير الفلسطينية”، ممثلاً ثقيلاً فيها للنظام السوري، يلقي بنفسه اليوم بين شهدائها في مقبرة مخيم اليرموك، قال حسب أحد أنجاله في تقرير لقناة “الميادين”، يريد أن يسجّى في مكان شهداء الثورة، على أرض مخيماتها، ريثما ينقل إلى فلسطين!

، يشقّ الطريق من منزله في حيّ المزة الدمشقي، الشهير بثرائه واحتضانه للمسؤولين والنافذين، ومن في حكمهم، إلى مقبرة المخيم. تعبر الجثة فترى في خلفيتها مشهد المخيم المدمّر على يديّ الرجل وأنصاره ومحبيه. صورة نادرة يجتمع فيها القاتل والقتيل. ومن سخرية التاريخ أن القاتل لم يأت ليعيد تمثيل الجريمة، إنه هنا ليقول إنه أدى المهمة كاملة كما ينبغي لقاتل، من مخيم “تل الزعتر” وفنادق بيروت ومعارك البداوي والبارد في طرابلس وصولاً إلى تدمير مخيم اليرموك والتنكيل بأهله. لقد أكمل الجريمة، وحاز فوقها على كل الألقاب الخاصة بشهيد: مدرسة في المقاومة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي. مقاوم من طراز رفيع. رجل حرّ آمن بحتمية الانتصار!

هذا الفيديو، التشييع هو الهزيمة بعينها، الهزيمة كلّها، حيث القاتل يحتل مكانة البطل، ويستحق كل المراثي، التي ربما لم تتح للشهداء الحقيقيين.

من هرّب هذي البلدة!

ذات مرة، صرخ شاعر عراقي هارب من العراق نحو إيران إزاء قرية فيها: “من هرّبَ هذي القرية من وطني؟”. كانت من تلك القرى عربية الأصل ووقعت في قبضة إيران، وكان الشاعر قد لمح عروبة الوجوه والنخل، فصاح صيحته الشهيرة. أما بلدة السيدة زينب، في ضواحي دمشق الجنوبية، فلم تقع بعد في حدود دولة أخرى، إلا أنك حين تقف أمامها، في فيديو على قناة “ديالا ووارف”، وتمشي مع ديالا في شوارعها وفنادقها ستتأكد أنها واقعة تحت الاحتلال، وإن لم تغادر أرضاً عربية، وأنك لا بدّ ستكرر بالحزن ذاته: “من هرّبَ هذي البلدة من وطني؟!”.

فالمقام، الذي يضم دم السيدة، فارسي الطراز، ومعظم زوّاره كذلك. الأعلام حمراء ترفرف فوق القباب مع عبارة “يا زينب”. أسماء المحال لا تخفي دلالاتها: “بزورية العباس”، “اتصالات أحباب زينب”، ملابس “حيدرة”، مجوهرات “الرضا”، بل حتى بعض الأسماء ستكتب بالفارسية، فلن تكفي كل الإشارات الدالة على صيدلية، سيضاف إليها اسم “دار خانة”.

ولأن 

، فإن معظمه يدور في الفنادق، بل ويمكن اعتباره عملاً دعائياً مأجوراً مئة في المئة لها، حيث تأخذ ديالا مشاهديها إلى جميع أنواع الغرف والمطابخ والحمامات، وتضيف إليها فصلاً خاصاً بتعريف السياح الدينيين بالإجراءات اللازمة لتلك السياحة. مع تنويه سيقيم طويلاً على الشاشة: “حالياً السياحة الدينية فقط لأهالي العراق وباكستان. باقي الجنسيات العربية ليس مسموحاً لها إلا بموافقات خاصة”. نخجل أن نقول لكم ما الترجمة الطائفية لهذه العبارة، وللفيديو برمّته.

وبالمناسبة، بالنسبة للمؤمنين، لا داعي لأن تتحفهم في كل غرفة فندقية بلافتة نحاسية تدلّ إلى القِبلة، “فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ”، هذا إن كانوا يعرفون الله في الأساس.

وسوم: العدد 937