تعدد الزوجات: مطلب اجتماعي أم واجب شرعي؟

صبري عسكر

تعدد الزوجات:

مطلب اجتماعي أم واجب شرعي؟

صبري عسكر

أحد أئمة وزارة الأوقاف المصرية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله والرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :

بداية علينا أن نعرف أن تعدد الزوجات – أي الزواج بأكثر من واحدة - يجيزه التشريع الإسلامي للرجل ويبيحه ولا يوجبه أو يلزم به أحدًا ولكن : هل يؤجر المسلم على التعدد ؟ والجواب : نعم لأنه يتحمل مسؤولية امرأة أخرى فيكون عائلاً لها ويكفيها حاجتها من الطعام والشراب والكسوة والسكنى وسد حاجاتها من الأمور الأخرى كالوضع الاجتماعي والستر والعاطفة ولقاء الزوجية وما إلى غير ذلك .

العجب أننا نرى من يطعن على الإسلام من غير المسلمين بحجة أنه – أي الإسلام - أهان المرأة بإباحة التعدد للرجل ، وأعجب من ذلك أننا نجد من ينتسب للإسلام رجالاً كانوا أو نساء ويروجون مثل هذه الشبهات ويجعلون منها مادة للتشكيك في الإسلام وفهم مقاصد التشريع السماوي .

واسمحوا لي أن أجعل مقالي هذا مقسمًا إلى محاور رئيسة كالتالي :

ما الذي يدفع هؤلاء المعترضين على رفض تعدد الزوجات ؟

من الذي يتزوج بأكثر من زوجة ؟

ما الضوابط الشرعية لمن يرغب في تعدد الزوجات ؟

متى يكون التعدد مستحبًا بل واجبًا ومطلبًا اجتماعيًا ؟

من المستفيد من تعدد الزوجات ومن المتضرر منه ؟

بماذا نرد على شبهة من يقول باستحالة العدل بين الزوجات ؟

وإذا لم يكن التعدد هو الحل فماذا عند المعترضين من حلول ؟ 

أولا : ما الذي يدفع هؤلاء المعترضين على رفض تعدد الزوجات ؟

المعترضون من غير المسلمين ينكرون التعدد لمجرد أنه تشريع إسلامي فهم يعترضون حتى على توحيد الله ولا يرضيهم اتباع هدي النبي في أبسط الأمور كالحجاب للمرأة أو النقاب أو اللحية للرجل ، ولأنهم بما في أيديهم من كتبهم والتي يعتقدون صحة نسبتها لله لا تجيز لهم ذلك فهم يعادون كل ما يخالفهم ولأن في التعدد ما يحفظ نسل هذه الأمة ويعين على تكاثرها وعدم انحراف المسلمين حول الشهوات المحرمة ووحدة الأمة واستقرارها وترابطها الاجتماعي مما يحبط مخططات أعداء الإسلام حول إضعاف هذه الأمة وتفتيت وحدتها وترابط مجتمعها .

وأما المعترضون من المسلمين فهم لم يتربوا على العقيدة الصحيحة التي تلزمهم الأدب مع الله ورسوله وأنه لا اختيار للمسلم بعد اختيار الله تعالى وهذا مصداقًا لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا } [ سورة الأحزاب : 36 ]

لأن المؤمن يوقن بأن اختيار الله هو الأصلح والأفضل فإن خفي عليه معرفة الحكمة من التشريع فيتهم فهمه ولا يتهم ربه لقوله تعالى : { Ÿ wr& يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }     [ سورة الملك : 14 ]

وربما يظن أحدهم أنه يدافع عن المرأة برفضه للتعدد ومحاربته والتشكيك في مشروعيته ولا أدري ما الذي يحمله على ذلك ؟

هل طلب منه أحدٌ من أقاربه بأن يتزوج بأكثر من امرأة ؟

وحتى لو طلب منه ذلك فهل يستطيع أحدٌ أن يلزمه بذلك ؟

وهل هو تكليف شرعي وواجب من الواجبات كي يعلن تمرده ورفضه ؟

وهل من حقه شرعًا أن يرفض أمرًا مشروعًا بل حث عليه الشارع ؟

والسؤال الذي يفرض نفسه :

أي امرأة تدافع عن حقها ؟

الأولى أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة ؟

لو قلت الأولى ربما تكون محقًا بعض الشيء ولكن ما دخلك أنت بها ؟ وهل هي مجبرة أن تعيش معه أم أن الشارع جعل لها الحق في البقاء في عصمة هذا الزوج أو الطلاق وتتزوج من تشاء ؟ وإذا رغبت عنه فقد تتزوج بمن تحب وربما يكون متزوجًا وتكون هي الثانية أو الثالثة أو الرابعة وعندها ستكون استفادت بالتعدد كغيرها ؟

وأي ظلم وقع على المرأة ؟ أن يتكفل بها رجل بالزواج ومتطلباته من نفقة وكسوة ومنزل وأسرة ويكون لها خادمًا بلا أجر حسبة لله وابتغاءً لمرضاته ؟

لماذا تنظرون تلك النظرة العقيمة لواقع بعض الجهلاء في التعدد وتطبيقه وتقصيرهم في حق زوجاتهم وتنسون عظمة تشريع رب العالمين في حفظ المرأة بالزواج وتبعاته ؟

ومن أنت حتى ترد قول الله تعالى : { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ }  [ سورة النساء : 3 ] تبًا لمن يعترض على الزواج ولا يعترض على الانحراف والمجون .

 ثانيًا : من الذي يتزوج بأكثر من زوجة ؟

على مستوى الأفراد فمن المؤكد أن الذي يفكر في الزواج بأخرى أنه ذلك الرجل الذي عرف طريق الاستقامة وحدد هدفه وغرضه من الزواج ويثق بأن الأرزاق بيد الله وأن الذي رزقها في بيت أبيها سيرزقها في بيته ، فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر ما يلي :

رجل زوجته لا تنجب ولا تحب مفارقته وتتوق نفسه لأن يكون أبًا فيتزوج بامرأة يكفلها ويكون سببًا في عفتها ويحقق لها استقرارًا اجتماعيًا وأمنًا أسريًا ، فلماذا نحرمه من أمر مشروع ونحول بينه وبين ما يريد .

رجل يعاني من تقصير زوجته معه في الفراش ويعاني من شح في العواطف والمشاعر ولا يحب أن يفارقها ولا يعلن عيوبها وتقصيرها فيمسك عليها ويتزوج بأخرى تكمل له ما يعانيه من نقص .

رجل عنده فحولة زائدة وزوجته لا تطيق ذلك وتنفر منه ولا تستجيب لرغباته فيتزوج بأخرى تعاني من الحرمان فيتحقق له ما يريد ويكون سببًا في إسعاد أخرى دون أن ينتقص من حق الأولى شيئًا .

رجل يرغب فيما عند الله من الأجر والمثوبة فيتزوج بفتاة تأخر زواجها عن المعتاد عرفًا أو أرملة أو مطلقة فيعولها وأولادها ويكفلهم وينزلهم منزلة أولاده فيكون لهم نعم الأب وللزوجة عوضًا عما أصابها وعونا لها على تربية أولادها .

رجل مسافر للعمل أو للدراسة ويصعب اصطحاب زوجته معه في سفره لانشغالها بأولادها أو دراستها أو عملها فوجد الزوجة التي يغض بها بصره ويحصن بها فرجه ويحفظ نفسه من الانحراف الذي لو حدث – لا قدر الله – سيكون سببًا في الوبال والفقر عليه وعلى أهل بيته ؛ فيتزوج ويحفظ دينه ونفسه وأهله .

رجل يعاني من قبح زوجته وتتوق نفسه لامرأة جميلة ( إذا نظر إليها سرته ) بل وأغنته عن النظر إلى من يحرم النظر إليها فتزوج بأخرى وعف نفسه وأمسك الأولى لرغبتها في البقاء معه .

 رجل يرى في نفسه القدرة على تحمل المسؤولية لإقامة بيت جديد وإدارة أسرة لتكون لبنة جديدة من لبنات المجتمع الإسلامي فيعمل أكثر ويتحمل المشقات من أجل تحقيق غرضه ، فهذا رجل له تقديره واحترامه ، وقد يكون أفضل من ذلك الرجل الذي لم يقم بحق زوجة واحدة فعاش أعزبًا أو طلق من كانت معه لعجزه عن القيام بحقها أو الصبر على تبعات الزواج .

رجل يكره زوجته لسوء خلقها معه وترفعها عليه وعدم الاهتمام به فتجعله يفتقد الهيمنة والقوامة فتتوق نفسه إلى زوجة تحبه ويحبها وتحترمه وتعطيه حقه من الطاعة والقوامة فيتزوج وربما تنصلح الأولى بعد ذلك فيرتفع رصيدها عند زوجها ويعلو قدرها . 

ثالثًا : ما الضوابط الشرعية لمن يرغب في تعدد الزوجات ؟

أكثر الناس إلا ما رحم ربي يعاني من قسوة الحياة والضغوط النفسية ومشقة العمل ومرارة السعي على المعاش وتحصيل قوته وقوت أولاده بصعوبة بالغة وتعدد الزوجات أمر في غاية المشقة فمن يرغب في التعدد مطالب بأمور منها :

اختيار الزوجة المناسبة له والتي تسد حاجته وما يعانيه من نقص مع الأولى .

إعطائها مهرًا – الصداق – بالقدر الذي يرضيها ومن ثم تجهيز مسكن الزوجية إلا أن يكون لديها مسكن وتكفيه هذا الأمر .

يدفع لها نفقة تكفيها لمعاشها وكسوتها من بداية العقد إلى أن يفارقها بطلاق أو بوفاة .

يقسم لها في الليالي ويتحمل إرضاء زوجته الأولى وأولاده منها والصبر عليهم وعلى متطلباتهم .

ربما يكون متوسط الحال أو فقيرًا فيعمل أكثر وربما يكون له عمل إضافي كي يفي بمتطلبات البيتين .

يعدل بين زوجتيه أو زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت وإلا جاء يوم القيامة وشقه مائل ويفتضح أمره بين يدي الله يوم يكون المآل إلى جنة أو إلى نار .

يحفظ للأولى كرامتها وحقها وإلا رفعت عليه دعوة للطلاق وتحصل على كافة حقوقها أو للخلع وتتنازل عن حقوقها مقابل الافتداء منه ؛ فيخسرها وربما يضيع أولاده بذلك .

أن لا يتجاوز العدد أربع زوجات مهما كانت الأسباب والظروف والأحوال إلا إذا طلق إحداهن وأراد أن يتزوج بغيرها فيمنع حتى يستوفي مطلقته عدتها .

رابعًا : متى يكون التعدد مستحبًا بل واجبًا ومطلبًا اجتماعيًا ؟

الرجال عرضة دائمًا للمرض بسبب كثرة الأسفار ومشقة العمل والتعرض للإصابات والحوادث مما قد يسبب زيادة نسبة الوفيات عندهم وكذلك الحروب والتي يكون من مخلفاتها الأسر والإصابة والقتل لذلك نجد قلة في عدد الرجال وزيادة في عدد النساء وهذا علاوة على أن نسبة مواليد الإناث في الغالب أكثر من البنين ؛ وعليه فلو تزوج كل رجل بامرأة واحدة فقط لبقي في المجتمع نساء لا يقابلهم رجال ، والواقع يشهد بذلك في كثير من دول العالم إن لم يكن في كل العالم ويأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينًا بعد حينٍ وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم يقرون بالحق ويحنون رؤوسهم لتشريع رب العالمين ، ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة ، وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 ، وفى إحصائية نشرتها مؤخرًا جريدة الميدان الأسبوعية أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج ( الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط !! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين ، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر !! وقالت الصحيفة :  إن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج ، وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم وداليا كمال عزام في دراستهما : تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن ، وتقول إحصائية رسمية أمريكية : أنه يولد سنويًا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ] .

وكي لا أطيل عليكم أقول :

أمام هذه الزيادة الفعلية في عدد النساء لابد لنا من حلول والتعدد هو أحد هذه الحلول وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنه لو لم يكن التعدد بعقد زواج رسمي وبيت وأسرة وإشهار ومن ثم بنين وبنات فيكون الحل الثاني أن نتركهن يمتن كمدًا من الحرمان من أبسط حقوقهن في الزواج والمتعة الحلال أو ينحرفن ويفسدن المجتمع وتحل الرذيلة مكان الفضيلة ويلحق بأهلهن العار والشنار وتمحق البركة من حياتهن ومن يسير في ركابهن من الشباب والرجال المنحرفين علاوة على ما يترتب على ذلك من جرائم القتل والسرقة وخراب البيوت .

أليست الزوجة الثانية هي ابنتنا أو أختنا أو عمتنا أو خالتنا ولها حق الحياة والعيش الأسري كغيرها من سائر النساء ؟ فلماذا نعترض نحن في أمر يكون سببًا لسعادتهن ؟

المرأة التي تقبل أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة تقبل باختيارها لأنها اختارت أمرًا من أربعة أمور :

الأول : أنها رأت فيه شخصية فذة قوية وأهلا لتحمل المسؤولية ورجولة تميزه عن غيره في أمور - رأتها هي - واقتنعت بها .

الثاني : أنها وجدت فيه ما يناسب ظروفها فهي مشغولة بأبويها أو بأولادها من زواج سابق أو بإخوانها وأخواتها المتكفلة بهم بسبب وفاة والديها أو أحدهما فلن يشغلها كل الوقت لكونه متزوج بأخرى أو بأخريات .

الثالث : أنها قارنت بينه وبين المطلق فرأت المبقي على زوجته رغم تقصيرها في حقه والمتكفل بها وبأولاده منها أفضل من الذي تخلى عن زوجته وطلقها وتفرغ لنفسه فقط فرأت أنه قد يفعل بها ما فعل بغيرها فرضيت بالمتزوج وفضلته . 

الرابع : أنها انتظرت أن يأتيها غير المتزوج فلم تجد فكان الخيار الذي أمامها هو أن تتزوج برجل متزوج يأتيها في الأسبوع ليلة أو أكثر ويتكفل بنفقتها ويتحمل مسؤوليتها أفضل من أن تبقى فريدة ويمضي بها العمر دون أن يكون لها زوج .

خامسًا : من المستفيد من تعدد الزوجات ومن المتضرر منه ؟

المجتمع الذي يعيش فيه فقد يتحقق الهدوء والطمأنينة للمجتمع الذي يكون فيه النساء متزوجات والرجال مشغولون بزوجاتهن فيعم الأمان والاستقرار الاجتماعي والترابط بين الأسر بالمصاهرة .

الزوج : فهو إما أنه وجد في زوجته الجديدة بغيته وإما عرف قدر زوجته الأولى وفي حالة الانسجام مع الجديدة فسيتحمل أذى القديمة من منطلق إنساني بحت أو لأجل أولادها – خاصة أنه سيغيب عنها بضع ليال مما يجعله ينسى الإساءة أو يشتاق إليها .

الزوجة الجديدة : وجدت زوجًا بعد أن كانت تعاني من الوحدة والحرمان وستحرص على أن تحافظ عليه خشية أن يطلقها ويرجع لزوجته الأولى أو يتزوج عليها كما تزوجها على غيرها .

الزوجة الأولى : تتضرر لكون زوجها تزوج عليها وفي الظاهر سيكون ذلك ولكنها تستفيد بأمور منها :

إما أن يكون مزعجًا فترتاح منه بعض الليالي والأيام وإما يكون محبوبًا فتتهيأ له وتستعد لاستقباله وتنعم بليلتها أو لياليها على الوجه الأكمل .

يكون لديها بعض الأيام والليالي التي يغيب فيها الزوج فترتاح من مشقة تجهيز الطعام وخدمة الزوج وربما تكتفي ببواقي الطعام أو الأكلات الخفيفة .

تفرغ من تنظيف شقتها وغسيل الملابس في غيبة الزوج مما يجعلها تهنأ بزوجها وتكون معه بشكل أفضل عند حضوره عندها .

يمكنها أن تستفيد من غيبة الزوج في تطوير نفسها بالقراءة المفيدة وخاصة في العلوم الشرعية وفقه الحياة الزوجية .

الغيرة التي تشعر بها بعد زواجه عليها ستجعلها تهتم بنفسها وتحسن معاملته لتثبت وجودها في حياته فتفيد وتستفيد .

ربما لا يجد الزوج ضالته في زوجته الجديدة فيكون الاهتمام بالأولى أكثر ويكون أشد حرصًا عليها والتمسك بها فيرتفع قدرها وتعلو مكانتها .

سادسًا : بماذا نرد على شبهة من يقول باستحالة العدل بين الزوجات ؟

يتنطع البعض اعتراضًا على التعدد ويأتي بشبهة نذكرها ونرد عليها وهي :

يقول أحدهم : أن الله أباح التعدد واشترط له شرطًا وهو العدل وذلك في قول الله تعالى  { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُوا } [ سورة النساء : 3] ثم أخبر – سبحانه – في نفس السورة بأن العدل غير ممكن وذلك في قوله تعالى :

{ وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ سورة النساء : 129 ]

والرد على ذلك نقول : ما كان الله ليحل شيئًا بل ويأتي بصيغة الأمر في قوله تعالى ( فانكحوا ) ويشترط لذلك العدل ثم يقول في نفس السورة أنكم لن تستطيعوا العدل بين النساء ولو حرصتم ، فهل الآية الثانية نسخت الأولى ؟ لو كان كذلك لما كان التعدد في عهد النبوة والصحابة والتابعين مشهورًا لدرجة مألوفة ومعتادة جدًا عندهم ، ولكن حين نفهم الآيتين ونتدبر محتوى كل منهما نصل إلى ما يلي :

الأولى التي أباحت التعدد واشترط الله العدل فيها وفي ذلك مشقة وتضييق ومجرد الخوف من عدم العدل يجعل ترك التعدد أولى وفق ما يفهم القارئ من ظاهر الآية .

العدل جاء في الأولى مطلقًا فشق ذلك على راغبي التعدد وقد روي عن عائشة – رضي الله عنها - ( أنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كان يقسِمُ بين نسائِه فيعدلُ ويقولُ اللَّهمَّ هذا قَسْمي فيما أملِكُ فلا تلمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ ) رواه البخاري

الآية الثانية ترفع ذلك الحرج وتبين للمسلمين بأن العدل المطلق في كل شيء أمر غير مستطاع حتى مع من كان حريصًا عليه .

والقارئ للآية الثانية { وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } على أنها تمنع التعدد استخدم أسلوب من يقرأ ( فويل للمصلين ) ويسكت ليوهم المستمع أن الويل للمصلين وليس لتاركي الصلاة وفي خاتمتها { فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ سورة النساء : 129 ] فهل قال فلا تعددوا ؟ أم أنه رفع الحرج عن مفهوم العدل المطلق وأن الميل المحرم هو كل الميل وليس بعضه أو نوعه ؟

ثم يبين النبي – صلى الله عليه وسلم – حسب رواية عائشة - رضي الله عنها – بأن العدل فيما يقدر عليه الإنسان ويملكه من النفقة والكسوة والمسكن أما الحب والمشاعر والعاطفة .

سابعًا : وإذا لم يكن التعدد هو الحل فماذا عند المعترضين من حلول ؟ 

إذا سلمنا بزيادة نسبة النساء في مجتمعاتنا فماذا لهن من حلول إذا لم يكن التعدد ؟

ومن المعلوم أن الزواج من أهم الوسائل التي تقلل الزنا بل وتمنعه لأنه سيجد بغيته من الحلال فلا حاجة للعلاقات المشبوهة والمحرمة ، وعليه فالزواج وسيلة تحصين من الزنا وسبيل إلى استكمال مظاهر الرجولة والشعور بالمسؤولية .

والعجب أننا نجد أن من يعارض التعدد من الرجال والنساء لا نجد لهم صوتًا في محاربة الزنا والانحراف الأخلاقي وزواج السر والذي يتم بورقة عرفية أو بدون ورقة ، وعند مقارنة أضرار الزنا بما يعتقدُ أنه أضرار تعدُّد الزوجات يتبيَّن أنَّ أضرار الأوَّل لا تُقاس بأضرار الثاني مُطلَقًا ، ويمكن بيانُ أضرار الزنا على النحو التالي :

1- ضرر يُصِيب الزوج الزاني ؛ وهو فَقْد عفَّته وكرامته وشعوره بالذل والمهانة واستحقاق إقامة الحد عليه وهو الرجم حتى الموت للمحصن أو الجلد وتغريب عام لغير المحصن .

2- ضرر يُصِيب المرأة المزنِيَّ بها ؛ وهو فقْد عفَّتها وكرامتها وتظل طوال عمرها كسيرة النفس ذليلة تحتقر نفسها حتى وإن لم يعلم بها أحدٌ وكذلك استحقاقها إقامة الحد على النحو الذي بيناه .

3- ضرر يُصِيب زوجة الرجل الزاني ؛ وهو أنها أصبحت زوجةً لرجل غير عفيف وستبدأ رحلة الشكوك فيها لأنه يظن فيها عدم العفة مثله .

4- ضرر يُصِيب هذه الزوجة أيضًا باحتمال أنْ تصبح غيرَ عفيفة إذا ما فكَّرت في الانتقام من زوجها الذي خانَها وتقوم هي بخيانته أو تطلب الطلاق منه بسبب بغضها له بعد أن تلوث شرفه .

5- ضرر يُصِيب زوج هذه المرأة بأنَّه زوجٌ لامرأة غير عفيفة ، بالرغم من أنَّه غير عفيف .

6- ضرر يُصِيب زوج المرأة التي زنَى بها الرجل ؛ إنْ كانت مُتزوِّجة أو والديها وسائر أهلها .

7- ضرر يُصِيب زوجة الرجل التي زنَى بها زوج المرأة المنتقمة إذا كان مُتزوِّجًا.

8- ضرر يُصاب به أبناءُ وبنات كلِّ هؤلاء الزناة ويدفعن الثمن بسوء سمعتهم وأهلهم .

9- ضرر احتمالات إصابة كلِّ هذه الفئات بالعدوى من جرَّاء انتقال الأمراض الجنسيَّة إليهم .

10- ذهاب الفضيلة وحلول الرذيلة وما يتبع ذلك من محق البركة في العمر والرزق وحلول الفقر بعد الغنى .

 هذه الأضرار العشرة وأكثر من ذلك وقد جمعها الله في قوله تعالى { وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلاً } [ سورة الإسراء : 22 ]  مُقابِل ضررٍ واحد يُصِيب الزوجة ؛ وهو أنَّ زوجها تزوَّجَ عليها ، وهذا الضرر – إن سلمنا أنه ضرر - وقد انحصَر في أنَّ هذا الزواج أخلَّ باستِئثارها بزوجها ، لكنَّه لم يخلَّ بشرفها ؛ لأنَّ زوجها استعمل حقَّه الذي أعطاه له الإسلام ولم يسلبها حقها من مبيت ونفقة وكسوة وسائر حقوقها .

وختامًا أقول للعقلاء : لا تتعجلوا بالاعتراض على تشريع رب العالمين وتأدبوا مع رب العزة والجلال وتفقهوا في دينكم قبل الاعتراض على تشريعات تستحق أن نشكر الله أن خصنا بها دون سوانا وهدانا إلى دينه القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل .