مولد المختار

بدر شاكر السياب

شعر: بدر شاكر السياب

"بعد طواف السياب الخصب في ميادين الفكر والأدب، اكتشف من جديد روعة الإسلام، وقيم عمود الخليل. وقد تجلى هذا في عدد من أخريات قصائده التي لم تنشر كلها. وكان السياب قد ألقى هذه القصيدة بمناسبة المولد النبوي عام 1961 في أحد مساجد العراق".

دموع اليتامى في دُجـى اللـيل تقطـرُ       ونوحُ الثكالى عاصف فيه يصـفرُ

و أغـفى على الآهـات طـفـل مُيتَّمٌ        تـقطّـر فيـه الحقـدَ أمِّ وتـبذرُ

إذا جُنَّ ليلٌ فـي الصحـارى و لألأتْ        نجـومٌ ، وقد يخـضلّ ليلٌ و يقمرُ

ففي كل قلب من دُجى  اللـيل سـُدْفةٌ         و في كل عـقل ظلمةٌ ليس تسـفُر

وقامت من الأنصاب في البيت عصبةٌ         كدَوْحٍ من  الصوّان بالشـرّ يثـمرُ

و أجرى على النهرين أقـيالُ فـارسٍ        دماً يعربياً واسـتباحـوا ودمّـروا

و في الشام يطغى في حمى الروم تابعٌ        ويعدو على الأحرار كسرى وقيصرُ

     

وأشرقتَ فاهتزتْ نواويس في  الدُّجى        وأوشك موتى أن يـهبّـوا ويُنْشـَروا

نبيَّ الهدى ، يا نفـحـةَ الله للـورى         ويا خيـرَ ما جـاد الزمـان المُقتّـِرُ

إذا ما افتخرنا كـنتَ للفـخـر أولاً          و إن جاءنا نصـرٌ فذكـراك تنصـرُ

ولولاك ما اندكَّتْ عروش، ولا هوى          صليبٌ علـى كفَّـيـه كـنا نُسـمَّرُ

وكم سار في شرقٍ من الغرب جحفلٌ          بقرآنك الهادي، و في الغرب عسكروا

و يا مولدَ المخـتار، مـيـلادُ أمـةٍ          وميعادُ بـعـث، أنت فيـهـا مُقـدَّرُ

     

إلا قبسةٌ مـما تنفّسـتَ في الدُّجـى          فنحـيـا، وينهّـد الظلام المسـوّرُ

ألا تُفْجرُ البركان فـي مُقـْفراتـنـا          فيستبسل الأحـرارُ أيـان يُفْجَـرُ؟!

تلبَّدَ وجهُ اللـيل تُخفـيـهِ غيـمـةٌ          من الوحـل والقار المُدّمّـى تزمجرُ

و مالت على الأفق الضرير مـنـائرُ         وخرّت قبابٌ، وانهـوى، ثمَّ منـبرُ

كأنْ لمْ يَضيء بالنور ميلادُ أحـمـد          و لم تنطـفئ للفـرس نار ومسـعرُ

ولم يدحر الجيشَ الصـليبيّ صـامدٌ          ولا راعـت الغـازيـنَ " اللهُ أكبرُ "

     

رمتْ رأسَها أفعى من الفرس تغتذي         بأشـلاء من أبـقاه قيـسٌ ومنـذرُ

شـعوبيةٌ رقـطـاءَ بالـديـن تارة         وبالعدل أخرى تحتمي وهي منـكرُ

و ما الدين إلا العُرْبُ، إن ذلّ منـهمُ        عزيزٌ، تهـاوى وهـو دامٍ مُعـَـفَّرُ

هـي الراية الحمراء من عهد قُرمُطٍ         وهيهات يحظى بالذي شـاء أحمـرُ

إذا خـبَّؤوها فهـي للشـرِّ مـْكمنٌ         وإن نشـروها فهي للعار مظـهـرُ

و لاحت من الكيد اليهوديّ غيـمـةٌ        على أفقنا المنـكوب بالويل تُـنـذرُ

تبدَّى لظـاها فهـو نورٌ ورحـمـةٌ        وسـحرٌ لمن بالمال يُشرى ويؤجَـرُ

تذكرتُ –والميـلادُ حالٍ بـنـوره-        شـعاعاً من المعـراج ذكراه مطهرُ

سما من مطاوي نومه يقصد السـما         نبـيٌّ تلـقـّاه البـراق المطـهـَّرُ

أتى صخرةٌ بيضاءَ يندى بياضُـها          كمـا لاح في الظلـمـاء نجمٌ منوّرُ

فيا صخرةَ المعراج قد سُدَّ بالدّجـى         وبالإثم مـنـا فـيكِ شـقٌّ ومَـعْبَرُ

فما عاد بين الله والنـاس منـفـذٌ          كـأنْ حلَّ بالأرض العذابُ المسعّـَرُ

     

وعـاث بـبـيت الله فَدْمٌ مشـرَّدٌ         كأنَّ فلسـطـين المدمـاة خيـبـرُ

كأن لمْ يسـرْ طـه إليـها ولادحا         أبو حسنٍ من بابـها فهي تصـفـرُ

وما زال في وهرانَ والأرض حولها       علوجٌ أباحوا واسـتباحوا ودمـّروا

إذا جنّ ليـلٌ سـاءلتْ كـلُّ  أيَّـمٍ        كواكبَـه عن بعـلـها: أين يُقْـبَرُ؟

جهادٌ عـلى اسـم الله يَلْظـى أوارُه       فيكوي جـبينَ الظـلم مما يسـعـّرُ

     

نبيَّ الهدى،، عذراً إذا الشعر خانني       ولكنـه قلبـي بـما فيـه يقـطـرُ

نبيَّ الهدى،، كن لي لدى الله شافعاً        فإني ، ككل الناس، عـانٍ محـيـَّرُ

تمرَّسْتُ بالآثامِ حتـى  تـهدَّمـتْ        ضلوعـي، وحتـى جنَّتي ليس تثمرُ

ولكنّ  من ينجدْه طـه فـقد نجـا        ومن يهـدِه –والله - هيـهات يخسرُ