الرواية الكولونيالية: بقلم إيف ستالوني

عبد العالي زغيلط

ضمن الاهتمام المبالغ فيه أحيانا، وغير الضروري في إنجاز التصنيفات، اجترحت المؤلفاتُ النقديةُ أو التواريخُ الأدبيةُ وبتصور متواضع جدا مقولةَ «الرواية الكولونيالية» التي تشير كما يدل عليها اسمها إلى الأعمال المرتبطة بالإمبراطوريات الكولونيالية (الفرنسية أو غيرها)، سواء تلك التي أنجزت في المستعمرات أم تلك التي استلهمتها، وإذا ما أبدينا بعض التحفظات حول مدى انسجام هذه التسمية فإنها تبدو مقتطعة من ميدان الأدب الغرائبي وشبيهة بأدب الرحلة، وهما نوعان فرعيان رفدا الرواية بشكل واسع.

لقد نُشرت دراسات من أجل توضيح المفهوم وتأريخه لا سيما في فترة ما بين الحربين حيث ظهرت أعمال م.أ.لوبلوند [ماريوس آري لوبلوند (1877م-1953م] (ما بعد غرائبية لوطي)، و( الرواية الكولونيالية) في عام 1926، وظهر كتاب رولاند لوبال [1893م-1964م] (تاريخ الأدب الكولونيالي في فرنسا) عام 1931، حيث أخضع المؤرخ هذا النوع إلى ثلاثة ضوابط:

إن هذه الضوابط لم تحترم بشكل دائم، خاصة الأخير منها؛ لأنه إذا كان لا مناص للكاتب من أن يكون إلى جانب المستعمِر، فليس نادرا نأيُه بنفسه عن هذا النظام.

يمكن أيضا أن تُسمّى «روايات كولونيالية » تلك الكتب التي ألفها غير المقيمين [في المستعمرات] من أمثال الإخوة طارو[جين طارو (1877م-1952م) وجيروم طارو (1874م-1953م]، مؤلفا: (دينقلي، مأثرة إفريقيا) الحائزة على جائزة الغونكور عام 1906، والتي استلهماها من الكاتب كيبلنغ. ونذكر أيضا (رحلة إلى الكونغو) لأندري جيد[1869م-1951م]، وانطباعات رحلة فرومونتان [أوجين 1820م-1876م] أو جونوفوا [1890م-1980م] والتي لم تكن أعمالا روائية.

إن مدونة «الرواية الكولونيالية» في نهاية المطاف محدودة جدا، أو أنها في الغالب مكونة من أعمال منسية، نشرها "مُعَمِّرون" [كولون] لأجل اهتمامات عابرة وسنذكر على سبيل المثال لويس برتراند[1866م-1941م] (دم الأعراق 1899م) وروبير راندو [1873م-1950م] (الكولون 1905م) وبيار ميل [1864م-1941م] (بارنافو وبعض النساء 1906م)، وجول بواسيار (مدخنو الأفيون 1925م) ودودي [ألفونس ] في (طارطارا طاراسكون 1872م)، وأندري جيد في (اللاأخلاقي 1902م)، وكلها تنقلنا بشكل عرضي إلى الزخرف الغرائبي لإفريقيا الشمالية. لكن يبدو بوضوح أن الكاتب الأكثر تمثيلا لهذا التيار هو بيار لوطي [لويس ماري جوليان فيود]، وقد سُمَّيَت رواياته (أزيادي 1879م) ، (زواج لوطي 1880م)، (رواية صبايحي 1881م) بالرواية الغرائبية؛ ونضيف إليه تلميذه الأشهر ضابط البحرية كلود فارار (نشوة الأفيون 1904م)، و(المتمدنون) والتي حصلت على جائزة الغونكور عام 1905م، و(المعركة 1906م). يمكن أن ندرج مع بعض التجوز العائلة الكولونيالية فيكتور سيغالان بقصتها (العريقون في القدم 1907م) ، و(الماء الجوفي 1903م)، ولكن من الصعب أن ندرج ريمون روسل على الرغم من عمله "انطباعات افريقية"، أو ندرج مرغريت دوراس التي استلهمت في أعمالها الهند الصينية التي ولدت فيها وفيها تعلمت (سد ضد المحيط 1950م) و(العاشق 1988م) كما نشير إلى الاستخدام الفكاهي للموضوعات الاستعمارية من قبل إريك أورسينّا في كتاب لقي نجاحا (المعرض الاستعماري) (1988م).

الرواية الكولونيالية ممثلة أيضا في الخارج [خارج فرنسا] خاصة في بريطانيا بكتابات روديار كيبلنغ (كيم 1901م)، وجوزيف كونوراد (لورد جيم 1900م، والثروة 1913م) أو سومرست موم (اشندن 1928م) ، أما في بلجيكا فالرواية الكولونيالية حاضرة أيضا بروايات كتبها بالفرنسية كتاب كونغوليون أمثال كودال.

تفرض المقارنة نفسَها مع الأدب الفرانكفوني، سواء أكان من المغرب العربي( رشيد بوجدرة، ادريس شرايبي، طاهر بن جلون، كاتب ياسين...) أو من إفريقيا السوداء (برنار دادي، ديراغو ديوب، الشيخ حميدو كان) أو من جزر الأنتيل والكراييب (باتريك شموازو، ماريز كوندي، ادوارد غليسان، روني ديبستر،سيمون شوارتز بارت...) إلا أننا سندخل مع هذه الكتب التي ألفت "من الداخل" ضمن مجال خارج تخصصنا ألا وهو وصف الآداب المحلية الوطنية.

إن موضوعات الرواية الكولونيالية تقليدية جدا؛ فالبطل عسكري فرنسي، منفي في بلاد لا يفهمها، يواجه سكانا معادين، ومتخلفين، وضمن محيط صعب وجو مرهق، يشعر بالضجر الشديد في هذه الأماكن النائية فيبحث فيها عن النسيان بالمخدرات (تتكرر موضوعة الأفيون)، والكحول والنساء الجميلات (العشيقات) الوقحات؛ الحسيات والجذابات من نساء الأهالي، كما يواجه فيها المرض والزحار، والملاريا والحمى التي غالبًا ما تسوء "فتتجلى المستعمرة كأرض للموت، حيث لا يعود منها في الغالب الأحيان" (مارتين أستيي لوفتي).

إن نقاد المؤسسة الاستعمارية خائفون أكثر من كونهم واقعيين، فهم يقترحون أحيانا تحسينات، وإصلاحات ومعالجة أفضل للمستعمَر المحكوم عليه رغم ذلك ضمن حدود إنسانية، مثلما تبين ذلك العديدُ من الاستعارات الحيوانية المستخدمة لتسميتهم (عيون غزال، بكاء ضبع، مظهر قرد...) بينما يَظهر المُسْتَعْمِرُ كموزع لمثال التقدم والحكمة، فهو يبذل حياته بسخاء كي تصل الحضارة إلى الكائنات البدائية التي ستمنحه الاعتراف الأبدي.

يمكن القول إجمالا " أن الاستعمار بوضعه البلاد البعيدة في متناول الجميع قد طور بشكل عميق ماهية الغرائبية الأدبية" في حين إن نهاية الإمبراطوريات الكولونيالية قد أنهى بالتأكيد هذا النوع من الرواية.

وسوم: العدد 908