مقال رئيس جمهورية النمسا السابق هاينز فيشر عن فلسطين وغزة

عمر الراوي

الاخوة و الاخوات و الاحبة. بذلت جهدي اليوم لترجمة مقال رئيس جمهورية النمسا السابق هاينز فيشر الذي اعتبره رائع و تاريخي لكي يصل الى العلم العربي ارجو ان اكون وفقت به. ارجو نشره على اكبر صعيد.

مقال رائع لرئيس جمهورية النمسا السابق الدكتور و البروفيسور الجامعي الحقوقي هاينز فيشر حول اخر الاحداث في فلسطين و غزة و الصراع الفليسطيني الاسرائيلي انتقد به بشدة رفع علم اسرائيل على مبنى رئاسة الوزراء في النمسا  تحت عنوان "انحياز احادي الجانب على سقف رئاسة الوزراء؟"

ابتدا الرئيس فيشر بسرد تاريخه الشخصي حيث كان جده يعقوب فيشر يهودي الاصل و زوجته مارگيت فيشر من عائلة يهودية استطاعت النجاة من محرقة النازية بلجوئهم الى السويد. لذلك كان يعلم جيداً معناة اليهود و ملاحقتهم و قتلهم تحت وطاة النازية و لذلك ناضل في شبابه كطالب ضد اليمين و النازية و عداء السامية في حياته الجامعية مما ادى ذلك الى صداقة بينه و بين سفير اسرائيل في ڤيينا انذاك الذي شكره على  مواقفه و دعاه لزيارته في اوائل الستينات الى اسرائيل في الكيبوتس الذي كان يسكنه مع عائلته. في هذه الزيارة يقول فيشر تعلمت ليس فقط حياة الكيبوتس بل ايضا  تثمين و تقدير  اسرائيل.  لكن رفيقي الحزبي برونو كرايسكي رئيس وزراء النمسا الفذ و الذي هو ايضا ينحدر من عائلة يهودية فتح عيني الى وجهة نظر اخرى في هذه المنطقة الا وهي حالة الشعب الفلسطيني الصعبة المزرية ، البائسة و الميئوس منها. نحن في اوربا قد تجسد في وجداننا معناة و مأساة الشعب اليهودي لكن لا نعلم شي عن مشاكل و مصير الفلسطينيين.

في السنين الماضية زرت الضفة الغربية، رام الله و معسكرات اللاجئين في لبنان و حالة اللاجئين دون امل، بعيدة كل البعد عن ايجاد حلول مقبولة من الطرفين لتوفير حياة كريمة و حالة اللاجئين لا يمكن وصفها. وسياسة اسرائيل تبتعد عن ايجاد حلول انسانية مستندة على مبادي القانون الدولي. 

سياسة اسرائيل الاستيطانية و بناء مستوطنات في الضفة الغربية تجعل امكانية ايجاد حل بانشاء دولتين شبه مستحيلة. لم افهم شخصيا كيف يمكن لشعب عانى في تاريخه معاناة كبيرة  كالذي عاناه الشعب اليهودي يتوقع ان شعب آخر ممكن ان يتحمل معاناة جسيمة لا سيما تحت سياسة بنيامين نتنياهو الذي في سياسته يجعل بلده يقترب مما حذر منه نيلسون مانديلا.

قضية الشرق الاوسط ليست قضية ارهاب فقط. نعم لا يمكن ان ننكر ان الفلسطينيين يلجؤون ايضا الى العنف و الارهاب كردة فعل على القوة الفائقة للجهة الاخرى. و نعم من حق اسرائيل الدفاع عن مواطنيها. لكن بما ان الدفاع يكلف حياة بشرية فمن اللازم ان تكون ردود الفعل متوازنة و مستندة على مبدء التوازن وبشكل متناسب دون افراط. حياة الطفل الفلسطيني و حياة امه ليس اقل قيمة من حياة الطفل الاسرائيلي و حياة امه. و في قانون العقوبات هناك مبدأ يعاقب عليه في حق الدفاع عن النفس و الذي يسمى التجاوز في الدفاع عن النفس و الافراط به. اذا وجدنا ان عدد الضحايا الفلسطينيين تجاوز عشر اضعاف الضحايا الاسرائيليين فلا يمكن السكوت عن ذلك او الاقرار به و الموافقة عليه بان ارفع علم اسرائيل تضامناً.  احس بالالم ان ارى النمسا الدولة الحيادية تقف موقف متحيز احادي الابعاد و الجانب. رئيس الحكومة الحالي يقول لا يوجد حياد مع الارهاب. هل فعلا نريد ان نختزل صراع دولي طويل يدوم منذ سبعون عاما بكل ما مر به من مراحل بين ثقافتين و شعبين، تارة صراع عسكري و تارة صراع باساليب اخرى، بين اكبر قوة عسكرية في المنطقة وبين الفلسطينين ثم نختزله بعملية ارهابية؟ ثم نترك حياديتنا و قوتنا لنكون وسيط عادل للمشكلة؟ كنت اتمنى ان تبادر النمسا لايجاد مبادرة سلام اوربية تجد حلول سياسية، اقتصادية و اخلاقية لحل النزاع. ثم كنت اتمنى قبل رفع العلم ان يكون هناك استشارة بين الحكومة و البرلمان و رئاسة الجمهورية.

انني على يقين ان كلامي قد لا يعجب البعض و قد يفرح اخرين و يتم التصفيق له من الجانب الخطا  و هذا ليس هدفي. لكني لا استطيع ان اختزل صراع يصور الى الناس كاسطورة  انه صراع احادي بين اسرائيل و بين اشرار مجرمين ما علينا الا تدميرهم و اخراجهم بالقنابل من قطاع غزة لكي ننال راحتنا. بالاحرى هي مواجهة معقدة مؤلمة و طويلة و كارثية بين شعبين و جذور هذه القضية متشعبة و عميقة.

ربما الفرصة التاريخية لاوروبا الان أسهل لا سيما بالتعاون مع إدارة امريكية جديدة للوصول الى حل عادل للقضية تفي بمسؤليتنا التاريخية  تجاه اسرائيل  متوافقا مع مسؤليتنا لحقوق الانسان تجاه الشعب الفلسطيني. ربما الوقت جيد لايجاد قاسم مشترك لجميع الاطراف.

ترجمة عمر الراوي بتصرف. عضوًً برلمان ولايه ڤيينا و عضو المجلس البلدي لمدينه ڤيينا

وسوم: العدد 929