الطفيلي: “حزب الله” ينتحر في القلمون.. وهو مجرد قطعة عسكرية قيادتها بطهران

يقيم الامين العام الاول والمؤسسس لـ”حزب الله” الشيخ صبحي الطفيلي في قرية عين بورضاي القريبة من بعلبك. اقامته هناك تشبه الاقامة الجبرية. ذلك انه متهم في قضية ما سمي “ثورة الجياع” التي أطلقها في بعلبك وبعض قراها العام 1998، وأدت الى فصله من الحزب وسقوط قتلى من أنصاره ومن الجيش اللبناني. وظلت تلك القضية سيفا مصلتا يعيق الشيخ الطفيلي عن اي نشاط، بأمر من قوى كبرى، على ما يقول.

صحيفة “القبس” الكويتية زارت الطفيلي في مقر اقامته، فقال انه متيقن من سقوط نظام بشار الاسد، ولكن بعد ان تتحول سوريا الى رماد. وهو يستغرب عدم اتخاذ “حزب الله” قرارا بالانسحاب من سوريا، معتبرا انه مجرد قطعة عسكرية قيادتها في ايران.

وفي ما يلي نص الحوار مع الشيخ الطفيلي:

*في هذا الوقت ما قضية الشيخ صبحي الطفيلي ؟ هل تعتقد أن لك وضعا سياسيا او قياديا؟ البعض يقول إنك تستصرح لكي تهاجم “حزب الله”؟

– اكثر الناس رغبة في ترجمة الافكار الى أعمال هو صاحب هذه الافكار. فأنا حينما أكون معارضا للنزاع المسلح في سوريا، أو معارضا للدكتاتورية والتسلط الامني، فمن الطبيعي ان اكون أكثر المتحمسين لتحقيق هذه الامنيات. حين أكون في لبنان معارضا للفساد والبازارات السياسية، من الطبيعي أن أكون متحمسا للتنفيذ. السؤال أين المبادرات العملية؟ أنا لست مجرد منظر أطلق أفكارا في اطار ترف في الرأي، ولست ممن يقول ولا يفعل. سعيت جاهدا لاشق طريقي نحو تحقيق افكاري التي اؤمن بها بخصوص الاصلاح السياسي الداخلي، ولكن ظروف البلد كانت معقدة جدا. وفي الواقع أنا مكبل بقضية مرفوعة ضدي الى المجلس العدلي لم يبت بها حتى اليوم، مع أنها قضية مطلبية عرضتنا للقتل والرصاص من النظام، ومن بعض الميليشيات (قضية ثورة الجياع التي بدأت مطلبياً، وانتهت عسكرياً في حوزة عين بورضاي). ولكن على طريقة العدل العربي، فان المحكمة تستخدم سلاحا لأغراض سياسية وخدمة للمتنفذين.

سعيت جاهدا لتنتهي هذه القضية، لا على قاعدة اللفلفة، بل عبر القضاء والقانون، وانا جاهز لأي نتيجة حتى لو خرجت بإدانة. لم تشكل المحكمة اساسا. عينت محامين لهذا الغرض، لكني ابلغت بعد عدة شهور أن الامر لن يتم. وما يعيقنا اليوم عن العمل لاخماد الفتن المذهبية امور اخرى ليس لها علاقة بالقضاء اللبناني واشكالاته.

*هل هذا ما يؤخرك عن النشاط العملي؟

– الموضوع في غاية الاهمية لمن يتناول الشؤون الداخلية للبلد، وينشط في المواقع السياسية. كيف يمكن لمتهم ان يتحرك داخل القنوات السياسية والقانونية الداخلية لاصلاح الحكم في لبنان؟ يمكن أن أتحرك من موقع المطلوب للعدالة، هذا عنوان مؤثر ومضر. يوم صدر عفو عام في الـ 2005 قيل لي من مراجع كبرى دينية وشيعية أن اسمي سيدرج مع المعفو عنهم، ولكني رفضت، لأن العفو يعني أنني مذنب وعفي عني. اسوأ ايام حياتي هي هذه الايام، وأنا أرى جميع من حولي في لبنان والعالم العربي ينهش بعضه بعضاً، ولا استطيع فعل شيء، علما أنني املك القدرة، ولي أصدقاء كثر في العراق، ولي علاقات جيدة مع السوريين، ويمكن أن أكون نافعا في كثير من المجالات أسأل الله ان يوفقنا للقيام بواجب الدفاع عن الحق ومواجهة الباطل. في هذه المرحلة ارى من واجبي الشرعي ألا أدع ثانية تمر من دون عمل مجد. فالمرحلة أكثر خطورة مما هي في عام 1982 أيام الغزو الاسرائيلي.

*تعيش في منطقة نفوذ “حزب الله”. هل تعرضت لتهديد ما. لماذا لا يمسك بسوء؟

– بطبيعة مسلكي في الحياة لا أجعل هذا الأمر جزءا من حساباتي. الماضي القريب والبعيد يشهد ان هذا الموضوع غير ذي اهمية عندي. اذا كان البعض يرغب ان يطلق احدهم النار علي قد تتحقق هذه الرغبة يوما ما. الى الآن لم يحدث. لماذا؟ لا أملك جوابا. هل المطلوب ان نتأدب ونسكت ونراعي اصحاب المشاريع الخطرة خوفاً على حياتنا. لو كنا كلنا نجرؤ ان نقف حيث يجب ونقول كلمة الحق لهزم الباطل، أو على الاقل لتقلمت أظفاره. في يوم من الأيام حاولوا قتلي في الحوزة (احداث 1998). متُّ إلا قليلاً.

*لو كنت مكان السيد حسن نصرالله وكانت هناك ثورة في سوريا كيف كنت ستتصرف؟

– في أي نزاع مسلح في عالمنا يتضرر الكل ويموت الكل وصاحب القرار القادر على تنفيذ قراره هو المستفيد، في سوريا أو في اليمن أو في اي مكان آخر. الاميركي اليوم قادر على ترجيح كفة المعارضة أو النظام. المعركة في سوريا لن تكون لمصلحة بشار، ولا لمصلحة المعارضة. في هذه الحالة علينا ان نبحث عن حلول بعيدا من العنف الذي يخدم مصالح العدو. من لحظة اندلاع الاحداث قلت ان سوريا ذاهبة الى مطحنة ودمار، بل الى رماد، ومن ثم يسقط النظام الامني الظالم.

*كأنك تقول ان كل ما يجري في المنطقة مخطط او مدبر من قبل الأميركيين؟

– أقول ان أميركا هي الأقدر على الاستثمار. هي وراء استمرار التوازن في المعركة؟ لم الحرص الأميركي على حماية المناطق الكردية في العراق وفي سوريا، بينما لا يعني لها شيئاً ان يجتاح داعش محافظة الانبار؟ هل الامر مجرد صدفة؟

انا ضد حل أمورنا بالنزاع العسكري الذي يجعلنا كلنا رهائن. اليوم المعارضة السورية بحاجة للرضا الاميركي تماما، وكذلك النظام، وكلاهما حاضر للرضوخ على اعتاب الاميركيين. لا يجوز ان يبقى متسلط جبار طاغ يتحكم برقابنا. انا مع كفاح الشعب السوري ووقوفه بصلابة مع حقه بحياة كريمة ضمن نظام نابع من تطلعاته يترجم رغباته من خلال انتخابات وبرلمان حسب الاصول، بدون اي تزييف. على النظام ان يرحل وبسرعة. هذا النظام ارتكب جرائم غير مسبوقة، فلم يحصل ان قصف حاكم عاصمته بالكيماوي.

*إلى اين تتجه الامور في سوريا وفي لبنان في نظرك؟

– هناك محاولة لجم وجهد دولي واقليمي كبير كي لا ينزلق لبنان الى النزاع المذهبي. بتقديري جزء من هذا كي يرتاح “حزب الله” في سوريا، لأن اندلاع نزاع مذهبي سيخرج “حزب الله” من سوريا لينكفئ الى الداخل اللبناني. هذا احتمال معتدٌّ به. ولكن إلى متى ستبقى القدرة على لملمة الامور، وتبقى القرارات تصب في مصلحة تجنيب لبنان النار، ذلك مرتبط بمصلحة اصحاب القرار الدوليين القادرين.

كنت من بداية الاحداث ضد ان ندخل طرفا ونصحت “الشباب” حينها أن يدخلوا مصلحين، لان علاقتهم مع النظام قوية جدا، ويمكن ان يبنوا علاقة مع المعارضة من خلال مؤازرتهم للضحايا والجرحى. للأسف اخذوا طرف المعتدي، ونصروا الظلم والفساد. هذا موضوع ستكون له نتائج خطرة في المستقبل وتداعياته مخيفة.

الغريب ان “حزب الله”، لليوم، لا يفكر بالخروج من سوريا. المعركة انتهت. الجيش السوري وحلفاؤه من الايرانيين والعراقيين واللبنانيين سقطوا. حينما تنهار جبهة رئيسية بكامل قطاعاتها العسكرية في حلب وفي ادلب وفي درعا، نتساءل ماذا يفعل “حزب الله” في القلمون؟ اصراره على البقاء في المعركة حتى نهايتها كمن يريد ان يشرب كأس الموت رغبة فيه. انه ينتحر. ولكن لماذا ينحر شعبا بكامله معه؟ الا اذا كان هناك قضية أخرى تتعدى حدود لبنان وترتبط بمصالح استراتيجية في إيران.

*هل لديك قلق على مصير الشيعة في لبنان؟

– لا أكترث بالهموم الطائفية. التكتل الطائفي والتناحر الطائفي لم يبق ولم يذر. نحن امة تذوب وتضمحل. قبل مئة سنة كنا امة مترامية الاطراف، ولنا موقع تحت الشمس. اليوم كل منا يفكر أن يكون دولة في مكانه. العلوي والكردي والسني والدرزي. حينما يصير للعلويين دولة كيف ستعيش وتحافظ على امنها؟ لن تستطيع الا بالحماية الكاملة عسكريا وسياسيا واقتصاديا من قبل الاقوياء، أي الاميركيين او غيرهم. هكذا نصبح مجرد فتات.الهموم الطائفية قذرة ولا قيمة لها.

*الصراع السني- الشيعي الى تصاعد وهو مستمر بغياب اي شكل آخر للنزاع؟

– لنأخذ مثالا العراق. الحاكم الفعلي هناك ليس المالكي ولا العبادي ولا حتى الايراني، كما يقال. القرار الحقيقي هو للاميركي. تحميل الاحباطات في العراق لفلان او آخر هو سياسة اميركية لذر الرماد في العيون. تمزيق العراق وتحويله إلى كانتونات وادارة هذا الأتون هي بيد الاميركي. العراق كسلطة مركزية هو أضعف الاطراف. حين سيطر داعش على ثلث العراق، كان الناس يتساءلون من داعش؟ سقط ثلث العراق بيد مجهول. هل يعقل ان الاميركيين بكامل اجهزتهم الامنية استيقظوا مع المستيقظين صباحا، ليجدوا أن ثلث العراق قد خرج من يد الدولة، وأنشئت دولة جديدة.

ثم ان جماعة الخلافة يقاتلون يومياً منذ أكثر من سنة على كل الجبهات على طول 1500 كلم! من اين تأتيهم الاسلحة والذخائر؟ النزاع المذهبي والنزاع القومي هو بيد الاميركيين. أين الشيعة في ليبيا؟ وفي اليمن؟ المذهب الزيدي هو جزء من العالم السني وليس الشيعي. في الصومال كذلك. السودان قُسمّت جهارا نهارا رغما عن إرادة اهله. في هذه المنطقة يسهل نشر الفوضى من خلال صراع مذهبي، وفي اماكن أخرى تعم الفوضى بعنوان آخر.

*ثمة من يستعيد المرحلة التي كنت فيها أمينا عاماً لـ”حزب الله”. وصفت بخطف الاجانب والعرب. وبترويع او قتل كل معارض؟

– لطالما تجنبت الرد على هذا السؤال، لأنني لست متهما كي أدافع عن نفسي. كنت أول من رفع الصوت بوجه الاحتلال الاسرائيلي، وأسست نهج المقاومة. كنت حادا في قتالي مع العدو الاسرائلي، ولكن في المسائل الداخلية كنت اعالج المشاكل بحكمة لأن العنف مع الاهل جريمة. ومن كان صادقا في مواجهة أعداء الأمة عليه أن يكون صادقاً في جمع قوى الأمة وردم الهوة فيما بينها.

في تلك المرحلة منعت عناصر “حزب الله” من الظهور باللباس العسكري بين النساء والاطفال في الأماكن القريبة من خطوط المواجهة كي لا يشعروا بالانزعاج. وفي تلك المرحلة شارك أو “اشرك” “حزب الله” في بعض الصراعات المحلية، مثل حرب المخيمات وما شاكل، مع العلم ان رأينا كان بضرورة وقف هذه الحرب. لكني فوجئت ان الايرانيين لتنفذهم داخل الحزب اشركوه في هذه المعارك، وقتل لنا 17 شابا من عناصرنا في معارك مغدوشة فقط.

أذكر قبل دخول السوريين الى بيروت في 1987 كان يجري الاعداد لدخولهم عبر خلق مناخ واضطراب أمني وخلق زواريب متناحرة بين هذا الحزب وذاك. شارك “حزب الله” ايضا في هذه المعارك بأمر من الايرانيين، وبمعاونة بعض اللبنانيين. في الصراع بين حركة “أمل” و”حزب الله” كان الايراني هو صاحب القرار. يمكن أن أعدد عشرات الأماكن التي شهدت تنافرا بيني وبين الإيرانيين، وصلت الى حد تهديدي بالقتل. موقفي كان دائما ان أي نقطة دم تسفك خارج الصراع مع العدو الاسرائيلي هي نقطة دم في خارج مكانها.

أنا لا اتهيبهم لا هم ولا غيرهم. حتى في التباين في المواقف بيني وبين القيادة الرسمية لـ”حزب الله” في 1992 وما بعده، حين ارغم الحزب على تغيير استراتيجيته. نحن بنينا استراتيجية “حزب الله” على التحرير وعلى بناء المؤسسات، وبعد عام 1992 تحول الى مجرد مطية يركبها السوري ويُحمّل عليها نوابه ووزراءه وأنشطته وغاياته. هذا لا يناسبنا ولا يجوز بكل المقاييس أن أصير مجرد عميل أأتمر بأمر غازي كنعان ورستم غزالة.

*سؤال أخير. هل تعتبر “حزب الله” حزبا لبنانيا ام ايرانيا؟

– “حزب الله” مجرد قطعة عسكرية قيادتها في طهران.

وسوم: العدد 623