( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا)

 الكفر نقيض الإيمان ،وهو جحود متعمد  يكون إما  إنكارا صريحا  لوجود الله عز وجل أو شركا به ، أو يكون إنكارا خفيا مع  إظهار الإيمان كذبا وهو النفاق.

ولقد كان  الكفر بأنواعه الثلاثة عبر تاريخ البشرية الطويل عدوا لدودا للإيمان حيث كان أصحابه يناوءون رسل وأنبياء الله صلواته وسلامه عليهم أجمعين الذين أرسلهم سبحانه وتعالى إلى الناس ليدلوهم على الإيمان به إلها واحدا لا شريك له ، كما كانوا يناوءون أتباعهم المؤمنين ، ويكيدون لهم كل كيد ، لهذا كان الصراع دائما محتدما بين المؤمنين والكافرين بأصنافهم  ولا زال  الأمر كذلك ، وسيبقى إلى قيام الساعة مهما تغيرت أحوال الناس وظروفهم ، ومهما اختلفت أشكاله وأساليبه وصوره حسب اختلاف الأحوال والظروف .

والكفر الأخطر على أهل الإيمان والأشرس في عداوته لهم هو كفر النفاق ،لأن أهله يظهرون الإيمان وهم يبطنونه ،لهذا يشكلون خطورة على الإيمان وعلى أهله أكثر من خطورة أهل الكفر البواح  والمشركين لأن هؤلاء يتقي  المؤمنون شرهم بينما  يخدعهم المنافقون بإظهار الإيمان الزائف الذي يموهون به على كفرهم الخفي ، ولذلك حذر الله تعالى منهم المؤمنين ، وتوعدهم بالدرك الأسفل في نار جهنم لشدة مكرهم وخبثهم  مصداقا لقوله تعالى : (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )) . ولقد وصف الله تعالى المنافقين في القرآن الكريم بأوصاف شتى  يعرفون بها ، ،منها ادعاؤهم الإيمان كذبا وما هم بمؤمنين ، وخداعهم بذلك  الله عز وجل والمؤمنين ،والكسل في أداء العبادات وعلى رأسها عبادة  الصلاة ،وهم  بذلك يراءون الناس مع قلة ذكرهم لله تعالى ، والتذبذب بين الإيمان والكفر، وإنفاق  المال كراهة  ... إلى غير ذلك من الأوصاف الذميمة .

وأساليب المنافقين التي يستخدمونها للنيل من المؤمنين  كثيرة  منها على سبيل المثال ما يسبب لهم الحزن ، وقد نبه الله عز وجل  رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ومن خلاله نبه المؤمنين جميعا في كل زمان  إلى ذلك في قوله تعالى : ((  ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا  يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم )) ، وسبب هذا الحزن هو انخداع المؤمنين بإيمان المنافقين الكاذب  الذي يموهون به على كفرهم الخفي والذي يسارعون فيه كما وصفهم الله عز وجل ، فيشق ذلك  على أهل الإيمان وهم يعانون من أجل صدهم عن هذه المسارعة  فيه لكنهم لا تسنح لهم فرصة إلا وازدادوا توغلا في كفرهم وهم يخشون أن يفوتهم تحصيله والتمكن منه ، تماما كما يحرص كل مسارع إلى ما يرغب فيه  ، وهم  بذلك يشككون المؤمنين في إيمانهم لينقلوهم  منه إلى الكفر .

 ومن أجل إقناع أهل الإيمان بتنكب الحزن على ما يصدر عن المنافقين من أعمال ومواقف مناقضة له  طمأنهم الله تعالى بقوله : (( إنهم لن يضروا الله شيئا )) أي لن  يستطيعوا إبطال إرادته سبحانه في إظهار الإيمان على الكفر مهما حاولوا معاكسته عن طريق اعتماد أساليب الكيد والمكر والخداع واللف والدوران . والداعي إلى نهي رسول الله عليه الصلاة والسلام  و نهي المؤمنين جميعا  عن الحزن لما يبدر من المنافقين من كيد هو تقويتهم على تجاوز ما  قد يعتري نفوسهم من خوف وقلق على الإيمان حين يشتد  ذلك الكيد . ونفي قدرة المنافقين  على إلحاق الضرر بالله تعالى تنتفي معه قدرتهم على إلحاقه بالرسول صلى الله عليه وسلم أوبالمؤمنين  الذين وعدهم سبحانه وتعالى بالنصر والتمكين مهما واجهوا من مشاكل ومتاعب ومعاناة سببها  أفانين كيد المنافقين . وتثبيتا لقلب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقلوب المؤمنين كي لا ينال منها الحزن بسبب كيد المنافقين  كشف لهم عن إرادته سبحانه وتعالى وهي صد هؤلاء المنافقين عن الإيمان وحرمانهم منه وذلك بقوله جل وعلا : ((  يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم )) ، وفي هذا ما يقنع أهل الإيمان بالتخلص من حزن سببه معاناة حرصهم على أن يعود المنافقون إلى حظيرة الإيمان ، وهو ما لا يريده الله تعالى لهم وقد ادخر لهم عذابا عظيما في الآخرة .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو ما شاع في بلاد المسلمين من تنامي تيار الذين يحسبون على الإيمان ولكنهم يروجون للكفر وهو تيار محسوب على النفاق  في هذا العصر حيث يتظاهر هؤلاء  في بلاد الإسلام بالانتماء إلى حظيرة الإيمان وهم  في حقيقتهم لا يختلفون عن الكفار والمشركين في بلاد الكفر والشرك ،كما أنهم يسارعون في ذلك ، ولا تفوتهم فرصة دون النيل من الإيمان وأهله  من أجل تشكيكهم في إيمانهم ، وهو ما يسبب لهم الحزن الذي  نهاهم ونبههم إلى الحذر منه  رب العزة جل جلاله .

 وأساليب أصحاب هذا التيار في النيل من أهل الإيمان كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر التشكيك في سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم من خلال التشكيك في عدالة  صحابته الناقلين لها ، وفي  عدالة أئمة تدوينها ، وفي عدالة أهل العلم بها واتهامهم بالجهل والجمود في محاولة يائسة منهم لصد عموم المؤمنين عنها . وبعد محاولة التشكيك في السنة ينبري هؤلاء إلى التشكيك في القرآن الكريم  عن طريق حيل خبيثة وماكرة ، منها التشكيك في تفاسير المفسرين واتهامهم بالقصور في فهم مراد الله عز وجل ، ودعوتهم إلى إعادة تأويل كلامه ليساير العصر على حد زعمهم وهم يقصدون مسايرته توجههم  الذي يريدون من ورائه تعطيل  دين الله عز وجل وشرعه في بلاد المسلمين ، كي يفسح المجال  واسعا لأهوائهم التي يسارعون فيها مخافة ألا يتحقق حلمهم الذي هو الرغبة في سيادة مشروعهم الذي لا يتحقق وجوده إلا على حساب الإسلام في نظرهم واعتقادهم .

ويجدر بأهل الإيمان  في هذا الظرف بالذات أن يعودوا إلى التمسك بكتاب ربهم جل وعلا والذي نهاهم  فيه عن استشعار الحزن بسبب كيد منافقي هذا الزمان الذين يحاولون التشويش على إيمانهم بما يذيعونه ويشيعونه عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أفكار متجاسرة على كتابه  وعلى شرعه ، وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام من قبيل الدعوة إلى  مظاهر الانحلال والفجور والفسوق كالإفطار العلني في رمضان ، واستباحة الأعراض من خلال المطالبة بالحرية في ممارسة الفواحش التي حرمها الله تعالى في الكتاب والسنة  مما يسمونه العلاقات الجنسية الرضائية والمثلية  ... إلى غير ذلك من الدعوات المستهترة بقيم وأخلاق الإسلام، فضلا عن تشكيكهم في إيمان المؤمنين ، والسخرية من تدينهم ، ورميهم بالتهم الباطلة  والملفقة بغرض تشويههم وتنفير  الغافلين من الناس منهم منهم ، وكل ذلك مما يحزنهم وهو ما نبههم الله تعالى إليه حفظا  وصيانة لإيمانهم ، وتثبيتا له في قلوبهم .

وعلى  أهل الإيمان أن يعرضوا أقوال منافقي هذا العصر وأفعالهم على كتاب الله وسنة رسوله كما كان سلفهم الصالح يفعل مع المنافقين في زمانهم لتجنب الوقوع في مصائد كيدهم الماكر والخبيث ، وأن يستيقنوا  جيدا معنى قول الله تعالى : ((  يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم )) حتى لا ينخدعوا بما يظهرون لهم من إيمان زائف ، ولا يأسفوا عليهم وقد أراد لهم الله تعالى البعد عن حظيرة الإيمان ، وأعد لهم من العذاب  العظيم في الآخرة ما يناسب  جرم نفاقهم.

اللهم إنا نعوذ بك من حزن تسببه لنا مسارعة أهل الكفر بأصنافهم  فيه ، ونعوذ بك أن ينخدع المؤمنون بما يكاد لهم من سوء يستهدف إيمانهم ودينك وشريعتك ، ونسألك أن ترد كل كيد يكاد لهم  رحمة بهم  ولطفا منك ، وتجعله في نحور من يستهدفونهم سرا وعلانية ،

فأنت  سبحانك عليهم قادر وفوقهم  قاهر، وإليك المرجع والمصير ، ولا حول ولا قوة إلا بك جل شأنك .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 926