وترجّل فارس المنطقة الشرقية

أبو الوفاء

بقي على صهوة جواده منذ ثورة الثمانينات لم يفتر ولم يكل ولم يمل.. وجددت ثورة أطفال درعا همته بعد أن أخذ استراحة المحارب عمل خلال هذه الاستراحة بتجارة التحف والأدوات المنزلية فجدد سيرة التجار المسلمين الذين نشروا الإسلام عبر تعاملهم الملتزم بأخلاق دينهم فترك سيرة عطرة في أوساط التجار في الأردن: سماحة بالبيع سماحة بالشراء سماحة بالتعامل. غض نظر عن المعسرين وإمهالهم دون منة أو ضغوط فحباه الله الكثير في هذه التجارة وهذه الأخلاق. وعندما بدأت إرهاصات ثورة شامة الدنيا لم يتردد لحظة واحدة في تقديم الثورة على الثروة والتجارة. فسرعان ما انخرط في مسار الثورة وأوجد شبكة تواصل مع الناشطين فيها في المنطقة الشرقية بكاملها: دير الزور، الحسكة، الرقة بقراها ومدنها وبلداتها فكان يمضي الهلال والهلالين في الداخل متنقلاً بين هذه المناطق الشاسعة يلتقي بأطياف المشاركين في الثورة من شتى المشارب والاتجاهات على كثرتها. وبإخلاص وحكمة قل نظيرها كان يعالج المشكلات المتولدة أثناء حركة الثورة والثوار.. بخاصة إبّان الكَلب الذي أصاب (قادة الفصائل) الذين ركبهم الشبق للمال المغموس بدماء الشهداء، وإبّان حركة (داعش) المحمومة الموتورة التي شوهت وجه الثورة وتركت فيه ندوباً لم ولن تندمل إلا أن يشاء الله.. وكانت حركة أبي عمرو في حقول الألغام هذه مثار إعجاب جميع من يتصل بهم وينسق معهم ويخطط معهم ويشير عليهم بما آتاه الله من الحكمة والحلم؛ فرسم خلال هذه الحركة صورة ناصعة لجماعته جماعة الإخوان المسلمين بعد أن كانت مشوهة بفعل الإعلام النصيري الحاقد الذي كان يضخ الأكاذيب والافتراءات الموجهة بإحكام من أجل شيطنة هذه الجماعة المباركة.. فتمكن، بفضل الله، من تصحيح تلك الصورة الشوهاء حتى قال قائلهم لقد كنا ظالمين لهذه الجماعة الطيبة.

وبعد أن تعقدت الأمور وبعد أن باع (قادةُ) الفصائل الثورةَ بالملايين الطائلة التي ضخها الغرب هو ومن سمي بـ (أصدقاء الثورة السورية) اضطر أبو عمرو إلى اختزال نشاطه على التواصل مع النظيفين ممن ربطته بهم علاقات العمل الثوري النشط فكان يتواصل معهم عبر شبكات التواصل وعبر بعض اللقاءات التي كان ينظمها في بيته في إسطنبول لـرموز المنطقة الشرقية من ثورين وسياسيين وممثلين عن العشائر.. قبل أن تأتي جائحة كورونا وتغلق عليه معظم المنافذ التي كان ينفذ من خلالها إلى تصويب مسار العمل في المنطقة الشرقية ولم يتخلَ عن راية الثورة حتى آخر رمق من حياته الحافلة بالحركة والنشاط الدؤوب فوداعاً أبا عمرو

وداعاً ياشقيق الروح

إلى جنة الخلد أيها الحبيب الودود الصادق العفيف الكريم الجواد المحب لإخوانه الحريص على صفاء المحبة والمودة بينهم.. خمسون ربيعاً مضت لم نفترق، منذ أن كنا في جامعة دمشق ثم بعد هجّرنا النظامُ النصيري الجائر وفي غربتنا القسرية التي عشنا معاً لم أرى منك إلا الكف الندي والقلب الطاهر الكبير هذا القلب الذي على سعته لا مكان فيه لحقد أو حسد أو ضغينة.. يذكّرك بالله بحاله ومقاله حديثه العذب لا يمل حتى أنك تود أن لا تنتهي جلستك معه كأنه يشع طمأنينة وحلاوة حديث وابتسامة تحي القلب وتثير فيه مكامن المودة والمحبة.

قلما تجد مثله دأباً في العمل لثورة الحرية والكرامة في شامة الدنيا تحسب، وهو يحدثك عن هذه الثورة، أنها إحدى بناته لشغفه بها وحماسه لدعمها ومساندتها وتذليل العقبات أمامها..

ما منّا إلا وله أحباب و خصوم إلا أنت يا فارس المنطقة الشرقية لم أرَ ولم ألتقي بخصم لك حتى الذين تختلف معهم بالرأي تظل قلوبُهم ودودة ونفوسهم صافية تجاهك.. لطفك الغامر وبعدك عن الإساءة والتجريح، واحترامك لمحاوريك حببك إلى كل من تلقاه، حكمتك في معالجة الأزمات فرضت احترامك على الجميع

رحمك الله أيها الحبيب الغالي وأسأل رحمان الدنيا ورحيمهما أن يغفر لك وأن يغسلك بالماء والثلج والبرد وأن يعلي مقامك في جنان الخلد وأن يحشرك مع الأنبياء والصديقين والشهداء والأولياء المقربين..

إن القلب ليخشع وإن العين لتدمع وإنا على فراقك أيها الحبيب لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون.

محبك: أبو الوفاء

وسوم: العدد 926