الإراشيُّ وأبو جهل

د.عثمان قدري مكانسي

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي ، وكان واعية ، قال : قدم مكَّةَ رجلٌ من إراش - قال ابن هشام : ويقال : إراشة - بإبل له ، فابتاعها منه أبو جهل ، فمطله بأثمانها . فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس ، فقال : يا معشر قريش ، من رجل يؤدِّيني على أبي الحكم بن هشام ، فإني رجل غريب ، ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ؟ قال : فقال له أهل ذلك المجلس : أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤدِّيك عليه .

فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا عبد الله؛ إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قـِبَلَه ، وأنا ( رجل ) غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه ، يأخذ لي حقي منه ، فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله قال : انطلق إليه ، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم : اتبعه ، فانظر ماذا يصنع . قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه : فقال : من هذا ؟ قال : محمد ، فاخرج إليَّ ، فخرج إليه ، وما في وجهه من رائحة ،قد انتقع لونه ، فقال:أعط هذا الرجل حقه ،قال نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال : فدخل ، فخرج إليه بحقه فدفعه إليه . ( قال ) : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال للإراشي : الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس ، فقال : جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي .

قال : وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقالوا : ويحك ماذا رأيت ؟ قال : عجبا من العجب ، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه ، فخرج إليه وما معه روحه فقال له : أعط هذا حقه ، فقال : نعم ، لا تبرح حتى أُخرج إليه حقَّه ، فدخل فخرج إليه بحقه ، فأعطاه إياه . قال : ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء ، فقالوا ( له ) ويلك ما لك ؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط قال : ويحكم ، والله ما هو إلا أن ضرب عليَّ بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلاً من الإبل ، ما رأيت مثل هامته ، ولا قصَرَتِه ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني .

إضاءة:

وسوم: العدد 926